عندما كتبنا في بداية الحدث السوري ” الغارة على سورية غارة علينا جميعا ” أنتفض الطائفيون وتبعهم المحدودون ومن هم على شفا جرف هار , وعندما أردنا للشعب السوري أن يتجنب القتل على الهوية والدمار والتهجير ثم حذف سورية من خريطة الممانعة والمقاومة لصالح أسرائيل المدللة بالغنج ألامريكي وألابتذال العربي لآنظمة التبعية .
أن من يستمع الى حديث أهالي مدينة القصير بعد طرد العصابات المسلحة عنها يعرف أين تكمن الحقيقة , فحديث المواطنة روحية التي قتل أخوها ودفنته في حديقة الدار والمرارة بادية في كلماتها والمعاناة واضحة على ملامحها عندما قالت لمراسلة قناة الميادين : أن ماعا نيناه ياماما من العصابات المسلحة ليس له مثيل في الدنيا , وهذه المرأة السورية من مدينة القصير التي شهدت أخير أولى لحظات التحرير هي التي تشكل مأزقا حقيقيا للذين ساهموا في صناعة المأساة السورية , فكل مؤتمرات الدجل الممولة بالمال الخليجي , وكل فضائيات الفتنة والتحريض , وكل الكتابات المتسكعة خارج فضاء الحق والحقيقة والهاربة من مواجهة الواقع , كلها تتبخر أمام حديث ” روحية ” المواطنة السورية من القصير , أما أذا أضفنا لها مشهد ” أكل القلوب البشرية ” الذي قام به المدعو “خالد الحمرا ” أبو صقر ” ومشهد نبش قبر الصحابي حجر بن عدي , وقتل العلامة الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في جامع ألايمان في دمشق , وأختطاف المطرانين المسيحيين في حلب , فأن كل مدعيات من يتكلم عن المأزق السوري هي مأزق للذين لازالوا يعمهون ويستبدلون بوصلة الممانعة والمقاومة بصدأ التراكم المبتذل في النفوس والعقول التي راحت تروج لثقافة ألاستسلام مع أسرائيل ظنا منهم أن عروش ألامراء والملوك ستظل بعيدة عن ألاهتزاز والزلزال الذي لايبقي ولا يذر , وذلك قدر وقضاء رباني لمن طغى وتكبر وأكثر من الفساد على العباد ” فخسفنا به وبداره ألارض ” .
وعندما كتبنا عن أخطاء النظام السوري كان من يكتب عن المأزق يتفيأ الضيافة عند أعراب السعودية , مثلما يتجول بين فنادق الخمسة نجوم المحمية من قبل ألاحتلال ألامريكي في بغداد طمعا بوظيفة من هنا أو منحة من هناك , مما جعلهم عيونا لصحف صفراء لازالت تحرض على الفتنة في العراق , بينما كنا نقصد مضايف العشائر وقاعات الجامعات وردهات المستشفيات ومنتديات بغداد الخاصة ومساجدها لبث روح الوعي على هدي القرأن أطروحة السماء الى أهل ألارض , لذلك كانت بوصلتنا أصدق وأسلم , وكانت بوصلتهم معطوبة لاتميز بين رياح الرحمة ورياح العذاب .
أن من يبخس حق المقاومة الوطنية ألاسلامية في لبنان لايمكن أن يعرف هوية المأزق وكيفية الخروج منه لآنه جزء من ذلك المأزق ؟
أن حركة المقاومة بشقيها الفلسطيني واللبناني تعرف من يدعمها مثلما تعرف من يحرض عليها ومن يقف متفرجا , ووفائها لمن يدعمها قضية أخلاقية من صميم الهوية الوطنية .
وأن السعي الذي يبذله المحور التوراتي لآضعاف وأسقاط محور الممانعة والمقاومة أصبحت هي ألاخرى قضية تستفز الضمير العربي وألاسلامي على الصعيد الشعبي دون الصعيد الرسمي الذي أخذته الجامعة العربية الى حيث تبسط أمارة قطر رأيها الملوث بمداهنة المحور التوراتي , وبمصانعة الجماعات التكفيرية لزعزعة أستقرار المجتمع كهدف مخطط له من أجل ضمان ألامن ألاسرائيلي الذي أريد لما يسمى بالربيع العربي أن يغير بوصلة الصراع مع أسرائيل الى بوصلة صراع داخلية , حيث كان الحدث السوري مأزقا للجميع , وحيث تحولت التظاهرات وألاعتصامات في المنطقة الغربية من العراق خاصرة رخوة لتحقيق أمال الموساد ألاسرائيلي المتلهف لصناعة الفتنة في العراق والمنطقة .
ومن لايزال يرى ألامام الخميني هو من بدأ الحرب على العراق سيظل يعشو في دياجي الظلام ولن يكون منتصرا للحق ولا حاملا لمفردات الكتابة بالعلم الذي هو أنتقال من المجهول للمعلوم .
ومن لايزال يسمي ما يحدث في سورية بالثورة أو المقاومة بعد أن أتضح كل ما لاينتمي لروح الثورة ولا لآخلاقية المقاومة أو هوية المعارضة .
أن الذين يقعون في قبضة النظام السوري ويجدون في جيوبهم حبوب الكبسلة والمخدرات لاتفتخر بهم أي ثورة ولا تعترف بهم أي مقاومة تحترم نفسها , والذين يعدمون المواطنين السوريين في ساحات المدن وعلى أصوات التكبير لايمكن أن يكونوا من الذين ينتمون الى بوصلة السماء ؟
والذين يشقون صدر الجندي السوري ويأكلون قلبه لايمكن أن ينتموا لفصيل يحترم البشرية .
والذين يسمحوا لآنفسهم أن يتعالجوا في المستشفيات الصهيونية لايمكن أن يكونوا يحملوا ولاء لقضية وطنية أو أنسانية ؟
أن ألانسلاخ من هوية ألامة هو منزلق ظهرت معالمه واضحة لاتقبل التأويل وترفض التبرير بغير ما أنتهت اليه جحور لايمكن أن يتحقق فيها وئام بين الحق والباطل , ولا يحتاج العقلاء الى من يعرفهم بباطل الصهاينة , مثلما لايحتاجون الى مزيد من ألادلة على صدق وصوابية محور الممانعة الذي تقف فيه أيران ودول البريكس , وفريق المقاومة الذي تقف فيه المقاومة الفلسطينية , والمقاومة اللبنانية التي يقودها حزب الله الذي أثبت مصداقية وطنية بأنقاذ لبنان من القرصنة الصهيونية التي عجزت عنها جيوش ألانظمة المتخاذلة بالتبعية , وأثبت مصداقية شعبية فيها المسلم السني والشيعي والدرزي والعلوي مثلما فيها المسيحي الماروني وألارثدوكسي والآرمني , ومثلما فيها العربي فيها الكردي والتركي ,حتى يمكن القول أن حزب الله اللبناني أصبح يضم ولاء عابرا للحدود والبحار والقارات , وهذه ظاهرة تحتاج من المثقفين والمفكرين دراسة أبعادها دون التخندق في متاريس الطائفية والعنصرية والفئوية التي لم تكن يوما من صناع التلاحم البشري .
أن حسن نصر الله أمين عام حزب الله يمثل من الوجهة المعرفية عقلا منظما , ومن الناحية السياسية يمثل حسا أستباقيا ينظر بنور الله , ولهذه المفاهيم مصاديق على طول خط المواجهة كان للرجل فيها رصيد من صدق اللهجة أعترفت به أسرائيل كقاعدة شعبية قبل القيادة العسكرية الصهيونية ومجلس وزرائها الذين أصبحوا لايخفون أهتمامهم بكل ما يقوله , بينما نرى الذي أعترفوا بمأزقهم في الحدث السوري أخيرا لايزالون يرمون حزب الله بما شاء لهم الوهم والضلال بشتى التهم ويتحدثون عن أيران بخيارات وثقافة المحور التوراتي الصهيوني وكأنهم لاينتمون لهوية هذه ألامة وتاريخها .
وهذا الفريق الضائع عقائديا والمفلس حضاريا هو من عاد يتكلم عن المأزق السوري بعد أن خانته الذاكرة تجاه شناعة وفضاعة ماحدث في المسرح السوري المستباح بالمرتزقة وبالمال الخليجي والسلاح ألامريكي وألاوربي والصهيوني بتسهيلات التركي وأدران الورم اللبناني المتخندق بالتكفيري الوهابي الذي تعبر عنه أحداث طرابلس وصيدا التي يريد البعض ألتحاقها بالتخندق الموجود في بعض مناطق طرابلس وعرسال ووادي خالد الذي يرفضه الشرفاء من أبناء هذه المناطق التي يراد أختطافها بالتكفير وألارهاب وهو مرض العقول التي أدمنت على الكبسلة والمخدرات مثلما أدمنت تاريخيا على بدعة الرواية ومجافاة الحقيقية لتلد ولادات مشوهة لم تعر ف مافي القرأن من فضاءات تجعل من الكون المتدين حقلا للرياضة الروحية والفكرية التي لايحسن قيادتها ألا المعصوم خيار السماء الذي تكاسلت عنه العقول المحدودة التي عبر عنها أهل الفلسفة وفرسان البرهان والعرفان بقولهم الجازم :” قف عند حدك أيها المحدود ” .
أن الذين يحلو لهم الحديث عن أخطاء الشيعة وأستراتيجياتها عبر مايبدو لهم من مواقف متخيلة وغير واقعية , هم الذين يخلطون بين مرحلة الفاطميين مثلا ومايجري اليوم في سورية محاولين أيجاد مقاربة موهومة بين الفاطميين في مصر والعلويين في سورية , في حين لم يبدر عن العلويين مايسمح للبعض تعليق مراهقتهم السياسية على مشجبهم , ففي سورية يقود الصراع فريق سني منه الجيش بأغلبية ساحقة , ومنه الشعب بأغلبية لايمكن تجاوزها , ومنه الحاضنة الدينية بأفتائها وبرابطة علماء الشام ورئاستها التي قادها العلم العلامة الدكتور الشيخ المغدور بثقافة من يتكلم عن المأزق السوري اليوم بلغة أبي موسى ألاشعري صاحب أنتكاسة العقل التحكيمي في صفين .
أن الذين لايعرفون ألآستراتيجيا ولا يعرفون فكر ألامة ودستورها وطبيعة الصراع والحرب الكونية التي تواجهها ودفعت سورية فيها ضريبة كبيرة ومعها العراق , هم الذين لايعرفون متغيرات الحدث وتفاصيل خيوط ونسيج اللعبة , لذلك جمدوا على محدودية المكان والزمان وألاشخاص لذلك ظلوا على عقدهم الشخصية , مما جعلهم ينظمون الى صفوف الردة وسبات العقل الذي تمثله الوهابية بتناقضاتها التي تستحرم أكل تمرة أحيانا وتطالب المرأة بلبس النقاب , ولكنها تبيح لآتباعها قتل الناس , بل ذبحهم بالسكين والمنشار الكهربائي المحلل عندهم دائما بفتوى ألامراء الجهلة ؟
أن النظام السوري الذي نعرف أخطائه , قد أنتقل الى مرحلة جديدة من ألاصلاح والتعددية والحوار , ومن ينكر ذلك هاو للفتنة ومحترف للكذب
وأي نظام ينحو مانحاه النظام السوري مضافا الى أسبقيته في دعم المقاومة والوقوف في صف الممانعة يمنحه حق المراجعة لموقفه من قبل العقلاء ومن هم أدرى بتشريعات السماء وأحرص على أن تتوحد تشريعات ألارض ” الوضعية ” مع قانون السماء الذي يقول ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” ومن ألاشياء التي أنزلها الله ” التوبة ” وهي حق أنساني لمن يصحح موقفه ولا يصر على الخطأ , ومن لا يعاند ويرفض شريعة الله في عباده , ومن يفرض نفسه على الناس دون بيعة أو رجوع لصناديق ألاقتراع , والنظام السوري فعل هذا وطلب أن يكون صندوق ألاقتراع هو الفيصل والحكم ,فلماذا ترفض كل هذه الخيارات التي تحافظ على الدماء وألاعراض وألاموال , ويصر البعض على أستجداء معونة ألاجانب وهم أعداء هذه ألامة , ولما تصر التي تسمي نفسها بالمعارضة على رفض الحوار مع النظام الذي أنتقل من مرحلة التفرد بالسلطة الى مرحلة قبول المشاركة وألاحتكام الى ألانتخابات ؟ لماذا يظل البعض يساوي بين عنف المجموعات المسلحة التي لاشرعية لها وعنفها مدان في كل الشرائع والقوانين , ولماذا وبأي فهم للحكم والقانون والسيادة الوطنية يعتبر منع العدوان والجريمة من قبل أي حكومة أو نظام عنفا كما درجت على ذلك أمريكا والكل يعرف مصير تظاهرات وول ستريت , ومعها بريطانيا التي هاجمت تظاهرات الشباب في لندن بقوة السلاح , واليوم قامت بملاحقة من قتل شابا في لندن بكل عنف ولا يسمى ذلك عنفا , بينما يسمى موقف الحكومة السورية التي أعترفت لها فرق محمد الدابي العربية بقيام المجموعات المسلحة بممارسة العنف مما أدى ذلك لحلها , ثم أعترفت مجموعة كوفي أنان بذلك فأنتهت الى التجميد وألاستقالة , ثم قاربت ذلك ألاعتراف مجموعة ألاخضر ألابراهيمي ولو بتردد وخجل واضح حتى أنتهت الى التهميش , ثم أعترف فريق مراقبة من ألامم المتحدة بأستعمال المعارضة السورية للغاز الكيميائي في خان العسل بحلب , ومع ذلك ظلت أمريكا تلوح بأحتمال أستعمال النظام السوري للسلاح الكيميائي لتفتح خيارات جديدة دون دليل موثق ؟
أن دوامة عدم التفريق بين عنف المجموعات المسلحة الموثق ومحاولة أتهام النظام السوري بالعنف , هي عملية واضحة ألاهداف للآستمرار بتدمير سورية وأضعافها وأسقاطها من حساب محور الممانعة والمقاومة الذي يتجاوز الحدود الى أستئصال الوجود , ولمعرفة هذا الهدف لايمكن لمحور الممانعة والمقاومة ألا أن يقف بوجه هذا العدوان العابر للحدود ومن يفهم التكتيك وألاستراتيجيا في هذه الحرب الكونية عليه أن لايخلط بين الحوادث التاريخية دون معرفة الدواعي وألاسباب , مثلما عليه أن لايتحدث نيابة عن القيادات الفكرية دون معرفة التفاصيل الفقهية وتفاصيل السياسة الشرعية التي لاتنظر بعين واحدة كما يفعل بعض هواة الكتابة التي تغريهم مواقع ومدونات النشر التي تتساهل كثيرا في شروط الكتابة ومسؤوليتها الى حد ألاهمال المخل بأمانة التحرير والكتابة .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]