التقيت مصادفة بصديق قديم في مقهى الزهاوي, افترقنا منذ ثلاث اعوام وها هو شاي الزهاوي يجمعنا, تحدثنا عن الحياة وعن همومها, فسألني عن ما اكتب عنه حاليا؟ فأخبرته: ان ما يشغلني حاليا هو كتابة بحث عن سبب انتشار ظاهرة تعاطي الكحول في مجتمعنا, فتنهد طويلا ثم قال: “لقد لمست جرحا عميقا داخلي, ابني حازم هو من سكارى بغداد, وحاولت معه طويلا لكن لا فائدة! يقول لي اشرب كي انسى همي, وكل همه انه عاطل عن العمل منذ ان تحصل على الماجستير, القضية دوافعها اقتصادية فاغلب الشباب الذين يتعاطون الخمر هم يعانون من فراغ البطالة القاتل”.
كان كلام صديقي عميق التأثير في نفسي, فقد احسست بحجم الخيبة التي يعيشها, عندما يتحول شاب مثقف وبتحصيل دراسي كبير, الى مجرد عاطل مخمور طيلة اوقات اليوم.
لكن ما اسباب انتشار شرب الخمور في مجتمع يقال عنه ان مسلم وملتزم! ونلمس ذلك جيد في ممارساته الظاهرية في المناسبات الدينية.
· تجار الخمور هم السبب
هنالك تجارة كبيرة تجري في الطرق المظلمة وسرية جدا, وسريتها تعود لرفض المجتمع لها ولحرمة الاتجار بالخمر, وهي تحت حماية شخصيات كبيرة, لما تدره عليهم من ايرادات ضخمة, فهي مع حرمتها لكنها تجارة محمية, قد جعلت من الخمر متاح حتى للصغار, لذلك تنتشر الخمور في كل مكان وبأسعار مناسبة, فعندما تتوفر البضاعة, ويسهل الوصول لها من دون اي صعوبات او قوانين تنظم اعمار من يقتنيها, فالإفساد الاجتماعي ينتشر.
عندما نفكر في محاربة شرب الخمور والحد من انتشارها, نجد الخطوة الاهم تقع على عاتق السلطة عبر ملاحقة تهريب الخمور للعراق, ووضع قوانين تمنع وصول الخمور لمن دون العشرين, مع فرض ضريبة كبيرة كي تصبح الخمور بضاعة غير متاحة للكل.
· خلل في العائلة العراقية
لا يمكن تجاهل الخلل الذي تعاني من العائلة العراقية بصورة عامة, والذي يمثل بغياب الرقابة الابوية, وتأثير الجهل وغياب الوعي في خلق اجيال غير متجذرة اخلاقيا ودينيا ومعرفيا, والذي تسبب لاحقا بانحلال في السلوكيات, فالحروب ورعب الارهاب وسطوت الجماعات وعامل العولمة والانفتاح امام وحش الانترنيت, كلها شريك خطير في التربية والتأثير في شخصية الاجيال الشابة, مما انتج لنا جيل لا منجذب لشرب الخمور.
اعتقد نحتاج لبرنامج على مستوى الوطن, للنهوض بواقع العائلة العراقية, وليس عيبا ان نستفيد من تجارب الاخرين كالألمان واليابانيين, في كيفية النهوض بواقع العائلة وما هي الاليات المتبعة.
· البيئة الاجتماعية هي الاخطر
يعتبر الشارع العراقي بيئة خطرة جدا على الاطفال والمراهقين, بسبب حالة غريبة من الانفلات, ونقرأ كثيرا عن اخبار اغتصاب اطفال بعمر الورد! من قبل بالغين, او جرائم قتل او خطف, واذا لم يحصل كل هذا فان ترك الطفل في الشارع يجعله يكسب كل انواع الشتائم الفاضحة, والمفردات الجنسية القبيحة, ويكون قريبا من تعلم شرب السجائر والسرقة, فلا يكسبه الشارع اي شيء نبيل, الا بتخريب كل ما بناه الاهل داخل البيت.
نحتاج لقوانين تنظم الشارع, فتضع حساب وعقاب لكل تجاوز, مع تمدد يد القانون لتصل لكل مجرم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ