خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يبدو أنه آن أوان تعكير المياه الراكدة بين “واشنطن” و”بيونغ يانغ”؛ فبعد تبادل تصريحات الغزل الهادئة بين الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، ورئيس كوريا الشمالية، “كيم جونغ-أون”، وبعد عقد قمتين بينهما خلال الشهور الأخيرة، إلا أن القليل تحقق على صعيد نزع السلاح النووي للدولة الشيوعية، الأمر الذي أثار “ترامب”، الذي بدأ بالحديث عن وحشية “كيم” تجاه المقربين منه.
فبدأ التصعيد بإعلان “الولايات المتحدة” إحتجاز سفينة شحن تابعة لـ”كوريا الشمالية”، متهمة إياها بإنتهاك العقوبات الدولية المفروضة على “بيونغ يانغ”.
وأكدت “وزارة العدل” الأميركية، في بيان أصدرته الخميس الماضي، أن سفينة (Wise Honest)، وهي ثاني أكبر سفينة شحن لـ”كوريا الشمالية”، استخدمت خلال فترة ما بين تشرين ثان/نوفمبر 2016 ونيسان/أبريل 2018؛ على الأقل، لتصدير “الفحم” من هذه البلاد وتوريد آليات ثقيلة إليها، ومولت تلك العمليات، “غير المشروعة”، عبر مصارف أميركية دون علمها بذلك.
وحسب بيان الوزارة، فقد إحتجزت السفينة دولة، لم تحددها، في الـ 2 نيسان/أبريل 2018، بسبب عدم تشغيلها نظام (AIS)؛ الذي يوفر معلومات عن السفينة للسفن الأخرى والسلطات المحلية، وحاولت “بيونغ يانغ” إخفاء تبعية السفينة لها.
والسفينة الآن في قبضة “الولايات المتحدة”، وتم إحتجازها بموجب مذكرة توقيف صدرت في محكمة بـ”نيويوك”.
ورفع محامي الوزارة دعوى قضائية بطلب مصادرة السفينة.
ونقلت وكالة (أسوشيتد برس)؛ عن مسؤولين في الوزارة، قولهم إن السفينة إحتجزت من قِبل سلطات “إندونيسيا”، وهي الآن في طريقها إلى “ساموا” الأميركية.
وتنص الدعوى المقدمة من قِبل محامي “وزارة العدل”؛ على أن قبطان السفينة اتهم بإنتهاك قوانين الملاحة البحرية في “إندونيسيا” وصدر حكم قضائي بحقه، فيما لا يزال الغموض يلف مصير باقي أفراد طاقم السفينة المؤلف من 20 شخصًا على الأقل.
وأشار بيان الوزارة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تحتجز فيها “الولايات المتحدة” سفينة كورية شمالية بدعوى خرقها العقوبات الدولية.
إطلاق الصواريخ وتعزيز الجيش..
بالتزامن مع إحتجاز السفينة، ذكر الإعلام الرسمي، الجمعة، أن زعيم كوريا الشمالية، “كيم جونغ-أون”، أمر الجيش بتعزيز قدراته الضاربة، حيث وجه بإطلاق صواريخ جديدة في ظل تنامي التوترات بسبب الاختبارات الصاروخية التي تظهر على ما يبدو تجهيزات نظام صاروخي متطور جديد.
حيث قامت “كوريا الشمالية”، الخميس، بإطلاق عددًا من الصواريخ (الباليستية)، وقامت أيضًا، السبت الماضي، بإطلاق صواريخ قصيرة المدى من شبه جزيرة “هودو” بإتجاه “بحر اليابان”، بحسب ما قالت رئاسة أركان القوات المسلحة الكورية الجنوبية في بيان.
أميركا قللت في البداية من إطلاق الصواريخ..
وتُعتبر هذه الخطوة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عام. من جانبها، فيما قالت وقتها المتحدثة باسم البيت الأبيض، “ساره ساندرز”: “نحن على علم بتصرفات كوريا الشمالية هذه الليلة”.
وقال “ترامب”، الجمعة، في مقابلة مع موقع (بوليتيكو) الإلكتروني: “لا أعتبر على الإطلاق أنّ ذلك يُشكّل خرقًا لعلاقة الثّقة. في مرحلةٍ ما، قد يحدث هذا. لكن في هذه المرحلة، لا”. وأضاف: “الأمر يتعلّق بصواريخ قصيرة المدى وبأمور عادية، عادية جدًّا”.
وقبل ذلك التصريح بـ 24 ساعة؛ كان “ترامب” قد أعرب من “البيت الأبيض” عن إنزعاجه وعن نوع من الحماسة لهذا الملف الذي يأمل أن ينجح فيه بعد أن فشل كل أسلافه الجمهوريون والديموقراطيون. وقال حينذاك: “لا أحد مسرور بما حصل”. وتساءل علنًا عن إرادة النظام المعزول الفعلية في التفاوض بشأن نزع الأسلحة النووية.
رد فعل على فشل “قمة هانوي”..
من جانبه؛ قال رئيس كوريا الجنوبية، “مون جيه”، إن الاختبارات الصاروخية هي على الأرجح رد فعل على فشل ثاني قمة لـ”كيم” مع “ترامب” في “هانوي”، في شباط/فبراير 2019، وعبر عن إعتقاده في أن “كوريا الشمالية” لا تزال تأمل في مواصلة المفاوضات.
وجاءت عملية الإطلاق، الخميس، بعد ساعات على وصول الموفد الأميركي الخاص حول كوريا الشمالية، “ستيفن بيغون”، إلى “سيول”، مساء الأربعاء، لإجراء محادثات مع المسؤولين الكوريين الجنوبيين حول خطوات الحليفين بشأن “بيونغ يانغ”. والزيارة هي الأولى له منذ “قمة هانوي”.
وقالت “وزارة الخارجية”، في بيان، إنه خلال اجتماعه مع وزيرة خارجية كوريا الجنوبية، “كانغ كيونغ وا”، الجمعة، قال “بيغون”: “الباب لا يزال مفتوحًا لعودة كوريا الشمالية إلى طاولة المفاوضات”، مضيفًا أن هذا شديد الأهمية كي تواصل “كوريا الجنوبية” و”الولايات المتحدة” الاتصالات والتعاون.
توقيع مذكرة من 70 دولة ضد تحركات “بيونغ يانغ”..
وفي إعلان مشترك نُشر، الجمعة، حثت سبعون دولة، “كوريا الشمالية”، على التخلي عن “كل أسلحتها النووية” وصواريخها (الباليستية)، مستنكرةً “التهديد الخطير” الذي تواصل “كوريا الشمالية” ممارسته على الاستقرار العالمي.
ومن بين هذه الدول، “الولايات المتحدة” و”كوريا الجنوبية”، بالإضافة إلى دول مختلفة من آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا وأوروبا. لكن “روسيا” و”الصين”، داعمتَي “بيونغ يانغ”، ليستا من بين الموقعين على الوثيقة التي أعدّتها “فرنسا”.
وبحسب مصدر دبلوماسي، طلبت حوالي 15 دولة توقيع هذا الإعلان؛ بعد الاختبارات الصاروخية الأخيرة التي أجرتها “كوريا الشمالية”.
شكوى من تصلب موقف “كيم” أثناء المفاوضات..
وعاد، أمس، “ترامب” ليشتكي، خلال اجتماع لأنصاره، من تصلب موقف الزعيم الكوري الشمالي أثناء المفاوضات.
وتطرق “ترامب” إلى ما وصفه، بـ”وحشية”، “كيم”، وخاصة إعدامه لعمه قبل 6 سنوات، بحسب صحيفة (واشنطن بوست).
وتحدث “ترامب” عن كيفية إعدم الزعيم الكوري الشمالي لعمه، “غانغ سونغ ثايك”، عام 2013، بعد أن اتهمه بعدم الولاء، وأضاف أن “كيم” قطع رأس “غانغ” وعرضه على آخرين في محاولة لبث الرعب في قلوبهم.
وقالت (واشنطن بوست)؛ إنه من الصعب التحقق من التقارير الواردة من داخل “كوريا الشمالية”، بسبب طبيعة النظام السرية، مشيرًة إلى أن تقارير عدة اختلفت في تحديد كيفية مقتل زوج عمة الزعيم، مثل مقتله رميًا بالرصاص على أيدي مجموعة عسكرية، أو جعله فريسة سهلة تتناوب الكلاب على نهشها.
ولطالما تحدثت تقارير عن إعدام “كيم” للعديد من المسؤولين في نظامه بطرق مرعبة، بعدما شك في ولائهم له، مثل إطلاق صواريخ على أجسادهم، والحرق بكرات اللهب، أو عن طريق السم.
تشير إلى نفاذ صبر “ترامب”..
ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أن تعليقات “ترامب” الأخيرة، على “كوريا الشمالية”، تظهر أن صبره بدأ ينفد إزاء الجمود في المفاوضات مع “كوريا الشمالية”.
وإنتهى الاجتماع الأخير في العاصمة الفيتنامية، “هانوي”، بين الزعيم الكوري الشمالي، “كيم جونغ-أون”، والرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، في شباط/فبراير الماضي، من دون التوصل إلى أي تقدم في ملف “بيونغ يانغ” النووي الذي يثير مخاوف الغرب.
وتصر “واشنطن” على تخلي “بيونغ يانغ” عن برنامجها النووي أولًا؛ بينما تتمسك الأخيرة بضرورة رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها قبل تقديم أي تعهدات.
بهدف إظهار موقف عسكري قوي..
عن الغرض من قيام “بيونغ يانغ” بإطلاق الصواريخ، قال الباحث لدى المعهد الكوري للتوحيد الوطني الحكومي، “هونغ مين”، إنه مع عملية الإطلاق، الخميس، “تبعث كوريا الشمالية رسالة واضحة مفادها أنها لن ترضى بمساعدات إنسانية” تفكر “سيول” في إرسالها.
وأضاف: “هي تقول نريد ضمانات أمنية مقابل عملية نزع السلاح النووي”.
وتابع: “لربما شعر كيم إنه بحاجة لإظهار موقف عسكري قوي لتهدئة الانتقادات بعد تمارين عسكرية مشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الشهر الماضي”.