كما يجري في كل عيد وكل أفادت أكدت المملكة العربية السعودية (السنية)، ومعها أغلب الدول العربية والإسلامية الأخرى برؤية هلال شهر رمضان، وعليه فإن يوم الاثنين هو أول أيام رمضان.
ووفق ما اعتدنا عليه أعلنت المراجع الشيعية في هذه الدول ذاتها، مع إيران، أن الرؤية لم تتحقق، وعليه فإن الثلاثاء هو أول أيام رمضان.
إذن فإن للمسلمين في منطقتنا هلالين، الأول يظهر في السعوية، والثاني يظهر في إيران وفي مستعمراتها العربيات المتأسلمة.
ومؤكد أن هذا لم يحدث بفعل فاعل أميركي أو إسرائيلي أو روسي خبيث استخدم ألاعيبه التكنولوجية ليجعل الهلال يظهر هنا ولا يظهر هناك، وذلك لأن المعركة بين الهلالين المسلمين ليست وليدة هذا الرمضان، ولا من نتائج صِدام الجبهات التي تم تسخينها في السنوات الأخيرة، في العراق وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا والبحرين، بل هي عتيقة متوارثة، عمرها من عمر العراك التاريخي بين الذين بايعوا معاوية بن أبي سفيان على الخلافة، وبين الذين تشيعوا للإمام علي بن أبي طالب، قبل ما يقرب من ألف وأربعمئة عام.
ومن يومها وأبيض السنة لدى الشيعة أسود، وأخضر الشيعة يابس لدى السنة، والاصطدامات والانتكاسات والخلافات بينهما لا تخف ولا تهدأ، وقد تتحول، في بعض حالاتها، إلى معارك تكسير رؤوس، وقلع أعين، وحرق أسرى وهم أحياء.
ولو انتصر أحد الفريقين انتصارا كاملا على عدوه، وانهزم الآخر هزيمة كاملة، لقُضي الأمر، وتنفست هذه الأمة الصعداء، ولأصبحنا إما دولة سنية خالصة، أو شيعية خـالصة، ولارتحنا ونجونا من خراب البيوت.
ويؤكد تاريخنا الطويل أن المسلمين طيلة أربعة عشر قرنا في صراع بين الهلالين يتجدد في كل رمضان، وفي كل حج، وفي كل عيد.
حتى أن مواطنا سنيا قال لأخيه الشيعي “غدا ستقوم القيامة عندنا”، فرد الشيعي على الفور، “أما عندنا فستقوم بعد غد”.
واكثر الذين تصيبهم معارك الهلالين بالحزن والغضب همأصحاب القلوب والنفوس النقية من أبناء الأجيال الجديدة المتنورة الطامحة إلى زراعة الاعتدال، ودفن جهالة الماضي، والخروج من سطوة الجهل والخرافة والظلام، ومجاراةالشعوب المتحضرة، ودخول القرن الحادي والعشرين.
بالمقابل لا بد من القول إن جراثيم التعصب الطائفي ليست وقفا على واحدة من الطائفتين. ففي كل منهما مئاتُ الملايين من البشر غارقةً في بغضائها وعصبيتها وضلالها.
والمحزن أن مفاهيم التعصّب الأعمى ليست من نصيب الأميين البسطاء الذين لا يقرأون ولا يكتبون، ولا يعرفون من الإسلام سوى القشور. بل إن كثيرين جدا من علماء دينهموأئمتهم ووعاظهم كانوا ومازالوا يرتزقون من صناعة هذا الضلال المبين.
و“داعش”، هذا النبت السني الصحراوي السام، ليس اختراعا جديدا في عالم الإرهاب المتغطي بالإسلام. فقد سبقته حركات سرية وعلنية عديدة تفننت في استخدم الخنجر والسكين والخازوق لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بطائفة ولا بدين.
والثابت في التاريخ الإسلامي الطويل أن إيران الفارسية المتعصبة لفارسيتها كانت، منذ قرون، هي الموطنَ الأول والدائم لفرق الإرهاب المتأسلمة، من أيام الخلافة الراشدية، والدولتين، الأموية والعباسية، وبالأخص فرق الحشاشين والقرامطة، ومئات الحركات التي برعت في الجريمة دون تدخل من أحد من المغضوب عليهم أو الضالين.
ففي أوائل القرن السابع الميلادي، ظهر الإسلام، وباشر حروبه الشهيرة لنشر رايته في البلاد المجاورة، وكانت أولى فتوحاته وأهمها على الإطلاق، خارج الجزيرة العربية، معارك فتح العراق، والانطلاق منه نحو الشرق، واكتساح أراضي الدولة الفارسية بالكامل، وهزيمة إمبراطور الفرس يزدجرد الثالث في معركة القادسية.
أما من أسلم من الفرس، وحسن إسلامه، فقد أذاب الإسلام في نفسه تلك النعرة الثأرية الفارسية ضد أشقائه الفاتحين العرب المسلمين. لكنّ كثيرين منهم لم يستطع الدين الجديد أن يغسل قلوبهم من أحقادها تلك.
وقد دأبت الحركات القومية الفارسية المتعصبة على ارتداء ثياب الحمية والتقوى، والتظاهر بالثورة على ظلم الخلفاء وعُمالهم في إمارات بلاد فارس، والاستظلال بدعاةٍ من آل البيت.
وما زال هناك مسلمون موالون لدولة الولي الففقيه، حتى وهم في السعودية يرون الهلال في طهران ولا يرونه في الرياض، رغم أنهم يعيشون في القرن الواحد والعشرين،، قرن السياحة الجديدة ما بين الكواكب والنجوم.