تُبدِّل الصحافة التقليدية رويداً، رويداً، شكلها، ومحتواها، بأساليب جديدة في النشر والتحرير، وفّرتها تقنيات الرصد والتغطية اللحظية المتطورة.
انه التغيير الكبير، الذي يرسي دعائم إعلام جديد، يختلف جذريا عن الوسائل التقليدية، ولنركّز في هذا المقال على صحافة الموبايل، الذي أصبح مؤسسة كاملة لصناعة الأخبار.
الدراسات تفيد بان الكثير من صحافيي العالم، بدأوا يفضّلون صحافة الموبايل، يشجّعهم على ذلك الهواتف الذكية التي تسخّر لهم تقنيات تحرير المحتوى، بأسرع وقت، وبأدوات محدثة، وعلى أوسع نطاق.
في دول مثل اليابان، بات الهاتف، المصدر الأول لتلقي الخبر، ونشره، والرد عليه.
في أوربا، لا يجادل أحد في انّ الهاتف الذكي سوف يسيطر على الاعلام.
وفي دولة مجاورة مثل السعودية، أفادت دراسة بانّ نحو 82 بالمائة من الصحافيين يمارسون صحافة الموبايل.
وفي فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، يصل الثلث من المستهلكين الى غاياتهم عبر الأخبار التي يوفّرها الهاتف الذكي. وسجّل موقع الجوال في نيويورك تايمز، 19 مليون حالة عرض في مايو 2008.
تنمو هذه الصناعة الجديدة بشكل واضح في العراق. وباتت النخب على مشاربها، والمواطنون يتابعون الاخبار ويصنعونها ويبثونها عبر مواقع التواصل، ومجاميع التراسل الفوري، و الرسائل القصيرة أو التطبيقات بواسطة الموبايل.
لقد سهّل التطور المذهل في صناعة الخبر ثم نشره بسرعة هائلة، توسيع مشاركة الناس في توجيه الحدث، والمشاركة
حتى في صناعة القرار، لتتشكّل بشكل نهائي، صحافة المواطن، البعيدة عن سيطرة الحكومات، والمتحررة من توجيه النخب والسلطات.
تفيد التوقعات، بانّ عصر الصحافة التقليدية على وشك أنْ يُدفن، وانّ أجهزة الاعلام الرسمية والنخبوية الى انحسار كبير إنْ لم يكن الى زوال، بل أنّ من المتوقع انه حتى دوائر القرار والزعماء والمسؤولين، سوف يلجؤون الى صحافة الموبايل لبث الاخبار والنشاطات، لاسيما وانّ التطلعات ستجعل كل شخص في العالم يمتلك الموبايل، فيما لا تحتاج دول أوربا الاّ الى جهد هيّن لجعل الموبايل بمثابة الهوية الشخصية والمنبر المتحدّث باسم الشخص، حتى في الدوائر الرسمية.
أدركت الوكالات الخبرية العالمية، مثل رويترز، و ياهو، وفرانس بريس، وسي ان ان، وبي بي سي، أنّ لا مفرّ من حقيقة هذا التطور، لمقاومة الانقراض، فبدأت تعزّز المحتوى التفاعلي، لصالح حضور اكبر لصحافة الموبايل والمواطن الصحافي الذي يبلغ عن الاحداث عبر حساباته في التواصل الاجتماعي، فيدركها الصحافي المحترف ويحوّلها الى مادة أكثر عمقا، اذا تطلب الامر.
انتشرت أخبار وفاة مايكل جاكسون في العام 2009 على وسائل التواصل قبل أية شبكات أخبار كبرى، قبل نحو الساعتين من تأكيده من قبل لوس أنجلوس تايمز، وأسوشيتد برس. وفي العراق، ينقل ناشطون أحداثا لاتصل اليها الصحافة التقليدية، في القرى، والمناطق النائية، كما التقط مواطنون صورا ومقاطع فيديو، لحادثة “العبّارة” في الموصل وهي تغرق، ونقلتها عنهم وسائل الاعلام المحلية والعالمية.
ينتظم عراقيون في مجموعات تراسل فوري، حيث يتراوح أعضاء كل مجموعة بين 100 الى 1500 من المشاركين.
وفي لحظات، يمكنك ارسال الخبر الى المجموعة، وفي لحظات أيضا يمكن صناعة الخبر، نصا وصورة، ليتداوله خلال دقائق، المئات، بل الالاف من المتابعين.
تتطلب هذه الصناعة في العراق، وعيا أكثر بتأثير الخبر على الناس، مثلما تقتضي مستويات جيدة من التعليم والثقافة،
لكي لا ينساق المواطنون وراء الاخبار الكاذبة، التي تؤثّر في المجتمعات الجاهلة، فيما تأثيرها محدود، في نظائرها الواعية والمتعلمة، حيث الأفراد يميّزون قيمة الخبر، ومصداقيته، بسهولة.