ورد في الحديث الشريف عن الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى اله وصحبه الأطهار انه قال من رأى منكم منكرا فليغيره وترك تغير المنكر للفرد حسب إمكانيته وحسب ظرفه وأباح له سبل التغير ووضع لذلك درجات أضعفها بقلبه أي الدعوة إلى الله العزيز القدير من قلب المؤمن أن يغير الظاهر من العمل المنكر إلى الصالح وهو اضعف درجات الإيمان وإلا فان السبل الأخرى أيضا متاحة ويمكن الشروع بها وهو جزء في سلسلة بناء المواطن الصالح ولم يحدد بفترة زمنية واحدة بل هو منهاج عمل لكل إنسان مؤمن في كل العصور يعززه قول آخر لا يقل عنه في الأهمية بان الكل راعي والكل مسئول عن رعيته وإذ نتطرق إلى الحديث نأخذ منه ما يوصلنا إلى الهدف ليس من الجانب الفقهي البحت فذلك المجال له من يختص في تفسيره ولكننا نتناوله من الجانب الذي يوصلنا إلى ما هو غاية هي في الأهمية بما يعزز دور المواطن الصالح ويوضح مسئولياته تجاه الوطن والمجتمع من سلوك الفرد الواحد صعودا إلى نهاية هرم السلطة وهو مدعاة لنا جميعا أن لا نقف إلى جانب ونترك من يتصدى للمسئولية في إدارة شؤون البلاد والعباد تحت تأثير مزاجه الشخصي ومصلحته الخاصة وإذا ما انكفأ واخطأ حاسبناه بل تركناه يواجه مصيرا قد يكون أقسى مما واجهه عامة الشعب خصوصا إذا كان هذا الشخص المسئول كحاكم متعنتا متفردا بقراره أو يستمع إلى الآخرين دون الأخذ بوجهات نظرهم والحديث هنا عن الحالة العراقية أكثر من غيرها لأنها تمسنا كمواطنين نعاني ما يعانيه شعبنا ومعنيين بقول كلمة الحق وهو ما نضنه الغاية الحقيقية التي تمثل الدافع الأكبر لمن يساهم في الكتابة نقدا أو تشخيص خلل ما أو تصحيح مسار شعبي أو رسمي.
الحالة العراقية التي أفرزتها أحداث ما بعد عام 2003 متشابكة ومتداخلة فنحن جميعا نسعى إلى ترسيخ نظام ديمقراطي في الحكم نشترك به جميعنا مبني على القاعدة الإسلامية غير المتطرفة وفق الفهم الذي تطرقنا له أعلاه والتي ساعدت كثيرا على تأسيس تجمعات لا يمكن اعتبارها على الأقل في الوقت الحاضر أحزاب سياسية لضعف إمكانياتها ومحدودية قاعدتها الشعبية بصورة عامة بالقياس إلى مجموع الشعب العراقي من جانب ولأنها تنحى في الأغلب الأعم إلى الاتجاه الطائفي أو العرقي الذي أصبح السمة الظاهرة للتشكيلات السياسية التي تعمل اليوم على الساحة العراقية والتي تحاول أن تستمد قوتها واهمة من خلال تمسكها بهذا النهج غير الموفق .
تأسيسا على هذا فان من واجب أي مواطن أن لاحظ الخطأ أن يساهم في إصلاحه متى ما شخصه دفعا للنتائج الخطيرة التي تترتب عليه خصوصا بعد التجارب القاسية التي مر بها شعبنا خلال تجربته الحديث في تطبيق نظرياته والخشية كل الخشية من تعطيل البوصلة وفشلنا عن مسك العصا من الوسط فلا نستطيع التمسك بمتبنياتنا الإسلامية ومنهجها في الحكم ولا مسايرة الطريقة الغربية المستوردة التي تحاول بعض الدول ومنها مثلا أمريكا فرضها في العراق على اعتبار أنها دولة عتيقة في ممارسة نظام الحكم الديمقراطي ووصل بها إلى قيادة كل العالم رغم محاولات التمرد عليها التي تظهر بين الحين والآخر ولكنه سرعان ما تعود إدراجها فاشلة متخاذلة .
نحن كأمة إسلامية لنا ما لنا في تاريخنا وأدبياتنا في النظام الديمقراطي للحكم فتشريعاتنا بينت ذلك في مواطن كثيرة لكن ماضينا غير البعيد وكنتيجة للاحتلالات المتكررة لبلادنا انحرف آباءنا أثناء محاولاتهم النهوض عنها ونحن ندفع الثمن وسيستمر الحال هذا مع أبناءنا إلى أن يشاء الله وفي تجربة الحكم العراقي الحالية يحاول المعنيين بها وربما في تصورهم أنها مرحلة انتقالية المزج بين الحكم الديمقراطي والتسلط الدكتاتوري عن طريق ما يسمونه الأغلبية أو الكتلة الأكبر المبنية مع الأسف على أساس خاطئ منبعه الاعتماد على الطائفية أو العرقية التي رسخها الدستور وما انبثق عنه كقانون الانتخابات الذي يمتلأ إلى أم رأسه بالمطيات ولذلك بعد أن فهم الشعب العراقي هذا عزف عن المشاركة فيها وكانت النتيجة بالشكل المعروف .
لقد حاول الجميع التمسك بما اقره قانون الانتخابات الذي يرسخ دكتاتورية الجماعة كما بينا ولكنهم خرقوه عندما ذهبوا إلى التوافق إرضاءا لبعضهم البعض ولكنهم تمسكوا بما يسمونه الحصص الانتخابية فطالب كل منهم بما يناسب مقاعده الانتخابية بحصة في السلطة التنفيذية وهذا عامل إضافي آخر ساعد في تفكيك الجبهة الداخلية وإضعافها وها نحن نعاني إلى اليوم من عدم اكتمال هيكلية الوزارة بسبب ذلك وهي سابقة خطيرة لم تحدث في تاريخ العراق والعالم يجري استنساخها في إقليم كردستان العراق الذي كان إلى عهد قريب يعتبر نموذجا رائعا في الألفة والتعاون والاتفاق.
إن الاستمرار بهذه العلاقات غير المتوازنة على نفس النهج خلق نفورا لدى الشارع العراقي من السياسيين من جهة وأدى إلى خلق فواصل بين الشعب وحكومته من جهة ثانية ليس في الدورة الانتخابية الحالية وحدها بل في كل الدورات السابقة فكل صار له همومه التي تشغله عن الآخر فالشعب له مطالبه التي ينادي بها محقا ويتظاهر من اجلها وهذا ما لا يستطيع نكرانه احد والأحزاب المتقاتلة على السلطة لها همومها وان كانوا يغازلون الشارع بتبني مطالبه دون أي حركة باتجاهها لانعدام القدرة على تنفيذها ما لم تنتهي مشاكلهم.
إن هذا الخلاف بين طرفي المعادلة ( الشعب والحكومة) لم يضعف الجبهة الداخلية فحسب بل فسح المجال واسعا لتدخل كل الجهات الخارجية في الشأن العراقي حتى باتت الحكومة أضف من أن تعترض لصالح المصلحة الوطنية بل كل ثروات البلد المادية والبشرية صارت نهبا سهلا مباحا للآخرين نحتاج إلى فترة زمنية طويلة لإعادة إصلاحه لان الأبناء وعلى أسس سليمة صعب جدا على أنقاض خراب اقترب من العقدين من الزمان وإذا ما حاولنا هذا ستبرز الحاجة إلى أن يكون كل فرد عراقي راع لشعبه ويحاسب المسئول بشدة ويصبح له الحق في أي أجراء شريطة أن لا يخل بالأمن العام واستقرار الوطن والمواطن.