نحن العراقيون نشتهي السياسة كما نشتهي الباميا والدولمة ، كما نشتهي رائحة الشبوي والرازقي و رائحة الجوري ، كما نشتهي سمك المسكوف والطرشي بأنواعه ، كما نشتهي القيمر والصمون الحجري ، هكذا نحن ، السياسة عندنا وجبة دسمة وعطر متميز ونكهة طيبة ، و مثلما تختم وجبة الطعام بشاي عراقي “سنكين ” فأن النقاش السياسي لايختم الا بأختلاف او اتفاق ” سنكين” ايضا . هذا الاتفاق او الاختلاف يمثل النبض السياسي .
نعم نحن نعشق السياسة ونتفنن فيها ولكن البعض يعيبون علينا عدم الاستمرار ويعيبون علينا عدم النجاح وهذه كلمة حق لانها سمة واضحة بعملنا السياسي الحالي المتعثر والموسمي .
الاهوار موجودة منذ بدأ الخليقة وتنوعت الحياة فيها، لكنها بعهد النظام السابق جفت تماما بفعل متعمد من قّْبل نظام صدام ، رحلت الكائنات جمعاء وهاجر ناسها بحثا عن لقمة عيش تسد رمقهم ، نعم جفت الحياة وتصحر كل شيء ولكن بقي اسمها كما هو ” الاهوار ” لكنها اهوار بدون ماء !!! لانها راسخة بذاكرة التأريخ .
هكذا فعل النظام السابق لقد جفف الساحة السياسية ورحلت كائناتها ، لم يجففها بحسب بل جعلها بيئة غير صالحة للعمل السياسي الجمعي لكن السياسية مازالت حاضرة بذاكرة المجتمع ، الاهوار والسياسية توأم النضال الثوري المسلح فلا تذكر الاهوار الا وتذكر قصص الابطال الذين قارعوا النظام السابق ، لذلك عمل النظام على تجفيفهما معاً .
تنتعش الاهوار بموسم الامطار وتعود بعض الحياة فيها ، كذلك الساحة السياسية تنتعش بموسم الصيف ، بسبب عدم توفر الكهرباء حيث يصل التذمر منتهاه وتبرز للسطح سوءة احزاب السلطة (بطالة ، رداءة التعليم والصحة ، تفشي المخدرات والفساد ) فتعم التظاهرات والاحتجاجات حتى نظن ان يوم القيامة سيحل غدا ، وعندما يأتي الشتاء تكاد تختفي موبقات احزاب السلطة تقريبا ، لذلك أن تصحر الوعي وجفاف الوطنية مازالا قائمين لكنهما ينتعشان بوقفة وطنية وتضحية جادة مثلها مثل الاهوار عندما تنتعش بغيث من الامطار . فكلاهما ينتعشان مؤقتاً .
الاهوار موجودة مهما حاول طمرها نظام صدام ، كذلك الساحة السياسية الرصينة موجودة بالرغم من محاولة طمسها بمفهوم المكونات والهويات الفرعية لكننا فقط نحتاج لمشروع وطني مستمر وليس مشروع موسمي يتعلق بتحقيق مطاليب مؤقتة او من اجل تحالف انتخابي محدود بل نحن بحاجة لشلال دائم من الوطنية ولاتكفينا مزنة صيف عابرة ، نحن بحاجة لنقاش سنكين مثلما نحتاج لشاي سنكين ليساعد على عميلة هضم وجبة دسمة .