يعتبر العراق من البلدان ذات التماسك الاجتماعي المترابط القوي والنسيج ألفسيفسائي المتآلف والمنسجم بغض النظر عن الدين أو القومية أو العرق وهذا ليس من بنات أفكاري وتقييمي الشخصي بل هو واقع حال رسخته ورتبته سنوات تاريخه الضارب في القدم حيث نشأت الحضارة البشرية الأولى على سطح المعمورة وأرضه مهبط لوحي رسالات اغلب أنبياء الله عليهم السلام وبقيت حركة البشرية ترحل منه وتعود إليه بفعل عوامل مساعدة كثيرة طاردة تارة وجاذبة تارة أخرى ولكن سكانه وان تلاقحوا مع من يقدم إليهم من الأقوام وتفاعلوا معهم واثروا فيهم إيجابا لكنهم في طابعهم العام حافظوا على عادات وتقاليد اغلبها متوارث عبر الأجيال تطورت نحو الأفضل ولذلك شواهد كثيرة لسنا في معرض الحديث عنها وحتى في الأزمات التي مروا بها كحالات الوباء والفيضانات والغزوات والحروب القاسية كغزو المغول مثلا حافظ الموروث الشعبي العراقي على أصالته الى حد ما بنسبة كبيرة وذلك يعود في جانب منه الى ترسخ الفضيلة في طبيعتهم في التربية والى قوة الترابط القبلي بين سكانه وربما في جانب منها الى قسوة وصرامة الأعراف الاجتماعية القبلية السائدة حتى وان اختلفت قومياتهم التي تشكل نسيجهم الشعبي وتضفي عليه طابعا جميلا فاغلب القبائل تمتد من شمله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه بل وتتعدى الحدود الى البلدان المجاورة بالإضافة الى وجود الأديان السماوية التي ساعدت بلا شك الى حد كبير في ترسيخ عاداتهم وتقاليدهم أو تطويرها نحو الأفضل ولسنا بحاجة الى التطرق الى كيفية انتشارهم ومناطق توزيع السكان فهذا ليس محور حديثنا الذي يدور حوله البحث.
في كل ما تعرض له العراق من عوامل تشتيت وتذويب لتلك العادات ولذلك الطابع الجميل إلا انه بعد كل انتكاسة ينهض ويتعافى ويعود الى وضعه الطبيعي الملتزم إلا انه اليوم ومنذ الغزو الأمريكي ومن دخل فيه وتحالف معه عام 2003 لا بل منذ أن دارت الحرب الإيرانية العراقية وانشغال أعداد هائلة من الرجال فيها وما حصل أثناءها وبعدها ودخول الأيدي العاملة الغريبة إليه وتحوله الى مركز استقطاب في كل الجوانب ثم فرض الحصار على شعبنا مع بداية أحداث الكويت في بداية عقد القرن الماضي الأخير وما رافقه من انهيار للبنى التحتية وتدهور المستوى ألمعاشي للفرد/العائلة بدأت تلك الالتزامات والأعراف الاجتماعية التي تمسك بها طيلة عمره السابق تنهار بشكل مخيف ومعها تنهار المنظومة الخلقية مع الأسف تحت ضغط أياد خفية كانت تعبث بالمجتمع من مصلحتها أن يذهب الشعب العراقي بهذا الاتجاه وينحدر ويبلغ الى أقصى مدى من الانحلال يرافقه تدهور كبير في القيم الأخلاقية الوطنية باتجاه مخيف إذا لا سامح الله استمر سنجد أنفسنا أمام كوارث لا كارثة واحدة بوادر اغلبها واضحة دخلت حتى في الشعائر الدينية والمسائل المقدسة اجتماعيا ودينيا.
من بين تلك الظواهر وبسبب تلك الجهود الخارجية الخفية المدمرة وضعف أداء المدرسة في جميع مراحل الدراسة من الابتدائية الى المستويات الجامعية لدورها الاجتماعي وعدم امتلاكها التأثير المناسب وانشغال العائلة عن متابعة أولادها من الجنسين الأولاد والبنات مثلا بدأ الاتجاه الى تعاطي المخدرات حيث أخذت تنتشر بين أعمار الشباب وخصوصا تلك الأنواع التي تؤدي الى الإدمان السريع عليها وأصبح العراق مستهلكا شرها لها والأدهى والأمر أنها بدأت تطرح بين الأحداث على شكل حلوى يتناولها الحدث وهو لا يعلم بما تحوي حيث تدفعه الى إعادة طلبها والبحث عنها أما بين الشباب فلذلك عوامل أخرى محفزة منها البطالة وانعدام فرص العمل والتسكع في المقاهي غير أنها تطرح بأسعار زهيدة ومدعومة ولها من يروج لها ويهدف حقيقة الى تدمير الشعب العراقي مع تنامي ظاهرة ارتياد الفتيات الى المقاهي وهي تستنشق الناركيلة مع ضعف أداء الأجهزة الرقابية الحكومية إذا لم يكن قسم من أفرادها يتعرض الى نفس عوامل الضغط بما يدفعه الى تعاطيها.
إننا اليوم على أعتاب مشكلة هي الأخطر من نوعها في البلاد تستوجب من الجميع الوقوف عندها ومعالجة أسبابها قبل الخوض في نتائجها التي أصبحت تهدد حياة الأجيال القادمة فالإدمان على المخدرات بين الشباب جاء كنتيجة طبيعية لضعف أداء العائلة لالتزاماتها إضافة الى مساهمة الحكومة بنسبة غير قليلة لانعدام فرص العمل وتدني المستوى ألمعاشي للفرد/للعائلة من جانب كهروب من واقع اليم ومر ومساهمة الحكومة في ضعف مراقبتها للحدود أو التهاون في تفتيش ما يدخل منها أما بتقديم الرشوة للمعنيين بالمراقبة أو دخولها بطرق غير مشروعة إضافة الى التهاون في تطبيق القانون بحق مروجيها الذين أصبحوا اليوم يشكلون مافيات قوية ربما تؤثر في أجهزة الحكومة سواء تلك التي تمسك المنافذ الحدودية أو تلك العاملة في الأجهزة الأمنية الداخلية المعنية بمكافحتها وقد نجد أنفسنا في القريب لا سامح الله أمام مجتمع يتظاهر بالتدين لكنه متفسخ ونستطيع أن ندرك هذا من خلال ظاهرة الانتحار التي بلغت أعلى مستوياتها خلال الفترة القليلة الماضية بين الشباب من كلا الجنسين.
لا نحاول تأشير تقصير في سياسة الحكومة تجاه الشعب الذي ينبغي أن يكون انتخبها وهي تمثل مصالحه بقدر ما نحاول حث الأجهزة المعنية في مضاعفة جهودها أولا في مكافحة هذه الآفة الخطيرة ومعالجة أسبابها والعمل من جهة ثانية على توعية الشعب بالمخاطر الناتجة عن تعاطيها ومن جهة ثالثة توفير الأسباب التي تساعد الشباب بالابتعاد عنها.
إذا كانت الحكومة بكل أجهزتها قد وقفت عاجزة عن النهوض بواجباتها في هذا المجال وغيره فان القبائل هي الأخرى مقصرة بحق أبنائها في عدم ردعهم وزجرهم بقوة كما إن الشريحة المثقفة لا ينبغي لها الوقوف متفرجة فهذا من صميم واجباتها من خلال تنظيم حملات توعية مستغلة فيها منظمات المجتمع المدني وكل وسائل الإعلام وخصوصا المرئية منها لأنها أصبحت تدخل في كل بيت الى جانب استخدامها لحقها القانوني في مقاضاة المقصر أفراد أو جماعات أو أجهزة معنوية.
حما الله العراق وشعبه وأبعده عن كل سوء ومكروه.