عندما تتلبد سماء الدول بغبار التصريحات والتصريحات المضادة ، وكل حرب مبدؤها الكلام كما تقول الحكمة فلا بأس ببعض الإضاءات والعواصف الذهنية في زمن العتمة لثلة من الطاووسيين ورهط من ديناصورات العملية السياسية فضلا عن المراقبين والمتابعين لتوضيح جانب من اللبس الحاصل والإجمال والإشكال المتواصل بشأن طبيعة الصراع ” الشرقي – الغربي” على أرض العراق حاليا والذي إتسعت رقعته وتداخلت خنادقه وامتزجت ألوانه بما بات عصيا على الكثير فهم طبيعته علاوة على أهدافه ونتائجه واقعا !
بداية أعلم بأن كلماتي ستكون بمثابة عصف ذهني ومرآة عاكسة بإمكان المخدوعين بوسامتهم تلمس مواطن البشاعة والقبح كما هي وعلى حقيقتها فيها ﻷن الحقيقة تكون في اﻷعم اﻷغلب صادمة وبلا رتوش وتأتي على غير ما يتمناه – الطاوسيون – المختالون بجمال ودهاء وحنكة لا وجود لها في افعالهم واقوالهم واشكالهم ، واقول ان المتغيرات الدولية المتسارعة بإطراد منذ وصول المدعو ترامب الى السلطة فرض على المشهد السياسي العالمي عموما ، والعربي على وجه الخصوص قواعد جديدة للعبة حتى ان كثيرا من – حبايب – اوباما قد اصبحوا من المنبوذين حاليا كما في نظام الطبقات الهندوسي ، فيما أعلي من شأن منبوذين سابقين وصاروا – ترامبيا – من علية القوم ومن طبقة – البراهما – وما يشاهد في السودان وليبيا والجزائر واليمن وسورية والصومال حاليا خير شاهد على اعادة تشكيل خارطة الوطن العربي سياسيا وربما جغرافيا ايضا وتقسيم المقسم ، وتفكيك المفكك ولكن برؤى جديدة – قديمة ﻷهداف ومصالح قد تتقاطع بين الفرقاء الدوليين والاقليميين هنا وقد تلتقي هناك ، وبناء عليه فأن دول الخليج على سبيل المثال بإستثناء قطر ، لم تعد راغبة بتضييع ملياراتها على ساسة من العرب السنة كان لهم القدح المعلى عندها في العراق طيلة 16 عاما إضافة الى حظوة مماثلة تمتع بها سياسيون – عرب شيعة – من التيار الليبرالي وشقيقه العلماني ، لقد اصبح جليا ان هؤلاء مجرد – ثقب أسود – مهمته شفط المساعدات والمعونات حتى من دون ان تصل الى جمهورهم كما ينبغي لها ان تصل بالتزامن مع الاخفاق في تحقيق مصالح الدول الخليجية الداعمة ولو بالحدود الدنيا ما دفع الى تغيير بوصلة الحنان الملكي والاميري الخليجي والتوجه الى جمهوريين من القوى الشيعية الفاعلة لتحقيق تلكم المصالح الخليجية المأمولة ولو على المدى البعيد اضافة الى زج العراق بما يسمى بـ ” صفقة القرن” بدلا من المراهنة على قوى سنية سبق لها التعامل معها اﻻ انها فشلت واستهلكت من الجهد والمال الخليجي الكثير من دون جدوى تذكر بمنظورها – سواء صب ذلك بمصلحة الشعب العراقي أم لا ؟ ، وعندما نقول السياسة الخليجية في العراق يجب ان لايغيب عن بالنا ولو للحظة بأننا نتحدث عن وجوه وعقول اميركية مخططة ولكن بأقنعة وجيوب وخزائن وملابس عربية منفذة ..وما يصدق على ساسة العرب السنة يصدق على ساسة العرب الشيعة بالنسبة لإيران ومصالحها فها هي تتحرك لخطب ود قوى سنية – ضعيفة – بدلا من غرمائهم الاقوياء لتحقيق مآربها في العراق وبنفس الالية والطريقة البرغماتية التي تنتهجها دول الخليج ومن ورائها اميركا ، اذ ان اعادة البناء والاعمار وعمل الشركات العملاقة وتنافسها واتفاقاتها كلها ستكون في مناطق السنة المحررة و المدمرة الامر الذي يحتاج الى سنة موالين لتحقيقها على النحو الامثل بالنسبة لها وبالتالي فلاتعجب من ولاء – ساسة شيعة – من الان فصاعدا للسعودية – وسفريات ولقاءات واجتماعات متواصلة ، في ذات الوقت الذي عليك ان لاتستغرب فيه من ولاء ساسة سنة الى ايران وبنفس الطريقة ، لقد تغيرت اللعبة واصبح العنوان المرحلي الحالي للجميع بما فيهم روسيا وتركيا واوربا والهند والصين ممن تتقاطر وفودهم ليل نهار الى بلاد مابين النهرين ، تقاطر الاكلة على قصعتها هو ” لو يفيد باللعب لو ما نريد صرف فلوس وتعب ” فلا تستغرب من ذلك مستقبلا اغاتي .
ورب سائل يسأل ، ولكن لماذا تجنح السعودية وحلفاؤها الى قوى شيعية مؤثرة وقوية بخلاف ايران التي تلجأ الى قوى سنية ضعيفة ؟ الجواب ببساطة ﻷن السعودية لاتمتلك اذرعا قوية في العراق بخلاف ايران على الارض وبالتالي فان الاولى – السعودية – تريد قوى تضمن لها التوسع والنفوذ داخل هذا البلد الذي تحول الى جبنة سويسرية من كثرة الحروب المتعاقبة بعد ان فشل من راهنت عليهم طويلا في السابق بتحقيق ذلكم الهدف ولو بالحد الادنى ، في الوقت الذي لاتحتاج فيه الثانية – ايران – الى قوى سنية قوية لوجود البديل والحليف القوي على ارض الواقع ، وهي تكتفي بكسب ولائهم ربما للحيلولة من دون الاتحاد بين الاحزاب العربية السنية فيما بينها والعمل على تشظيها ، شق صفوفها ، إضعاف مواقفها ، تشتيت اصواتها ، ضمانها الى جانبها في تمرير القوانين ، التأثير في انتخابات مجالس المحافظات ، الانتخابات البرلمانية ، بما ان حلم اغلبهم وشعارهم هو ” لو العب لو اخربط الملعب ، وماهي حصتي ، ما هو نصيبي ومنصبي وليكن بعدي الطوفان ؟ !” .
ولايفوتني الاشارة هنا الى ان صراع ” نانا ” و ” رغد ” ومن والاهما ويواليهما ويؤيدهما سرا وجهرا في الخارج والداخل ، بعد ان اصبحت سيناريوهات صراعهما المقرف والمتواصل حديث وسائل الاعلام العربية والمحلية وسخريتها داخل في لعبة تشتيت الافكار وسلب الوعي وتشكيل العقول وإلهاء الجمهور في أخطر مرحلة يمر بها العراق ، وانصح الاثنتين بالتفرغ للطبخ والخياطة والتطريز والحياكة ورعاية الابناء وربما اﻷحفاد ان وجدوا وكتابة المذكرات واليوميات وليدعن السياسة وليطلقنها بالثلاث ، فلا نانا التي تزعم بأن صدام والدها وانها ابنته الصلبية من امها سلمى أسعد سعيد، وﻻ رغد التي تنكر على نانا ادعاءها سيكون لهما شأن سياسي مؤثر في العراق مستقبلا بتاتا، لا اليوم ولا بعد 100 عام …!
هنا
سألني جليسي سؤالا عن كيفية خروج الشعب العراقي سالما منعما وغانما مكرما من أتون صراع محموم تجري وقائعه وتدق طبوله اليوم على قدم وساق في أرض العراق بين أميركا ومن تقودهم من شقر الغرب من جهة ، وبين ايران ومن تعولهم من سمر الشرق وسود الشعر ؟
قلت : لقد سألت سؤالا وجيها وسيأتيك مني الخبر بمقطوعة نثرية مسجوعة تجمع بين الفصحى والعامية برغم ما ستكشفه لك من شر مستطير وبرغم ما سيتطاير من بين سطورها من شرر ، عراق بين امريكا وايران – إنحشر- ﻻبد من أن يشعر مواطنوه بعظيم الخطر، بعضهم مات غرقا بسيل ، طوفان ، ونهر ، وبعضهم قضى بسكتة قلبية ، بجلطة دماغية وودع الحياة من الضيم والقهر ، وبعضهم يتأهب وأهله للهجرة بلا عودة بثاني أسوأ جواز عرفه العالم للسفر ، بعضهم مصاب بالقلب والقرحة والضغط والسكري ، زاده بلا ملح ، قهوته وشايه مُران بلا شكر ، وبعضهم من العراق في ليلة ظلماء هربا من ذل تجار الحروب ..طفر ، بعضهم بالنيران ، بالسم الزعاف ، بقطع الشرايين ، بالمسكنات ، بالرصاص ، من أعلى الجسور ، بحبل معلق في سقف بيته المستأجر من شدة الإحباط وقلة الإيمان بحبل مستورد شنق نفسه وإنتحر ، بعضهم في خيام النزوح بأنتظار فرج قريب يأتي به من حيث لايحتسب القدر ، بعضهم في المقاهي ، في الكافتيريات ، في المولات ، في الحانات ، أو مع البوبجي والفورتنايت ، حتى مطلع الفجر يقضيها سهر ، وبعضهم أرغم على المديونية من وطأة البطالة الخانقة وظاهرة التوظيف بالمحسوبية والمنسوبية والعشائرية والحزبية – والدفترية – حتى تعلم المسكين وهو الخريج على الخده والخدر ، بعضهم صار مدمنا على الكرستال والترياك والكبتاغون وكان قبل إدمانه اذا شم رائحة خمر على بعد ميل سكر .. وبعضهم اصبح – لوكيا – في عالم السياسة المعتم ودهاليز السياسيين – الانتهازيين – انحدر ، وبعضهم بكل التحالفات واﻷحزاب والائتلافات والتيارات ..كفر ، فيما اكتفى قسم منهم ببوستات وتغريدات يشفي بها غليله ، يرضي بها فضوله ، يشغل بها وقته الضائع على مواقع التواصل وكل ظنه أن ما يدونه من سطور سيوقف سيل العرم ويغير بعد عمر طويل لصالحه مجرى النهر، يطارده قانون جرائم المعلوماتية ومئات الهاكر وعشرات مثلهم من الكراكر ،اضافة الى ثلة من المخبرين- السرسريين – الالكترونيين الخفر ..تصوروا ان عراقا أبيا ، قويا ، شامخا هزم امبراطوريات مترامية الاطراف ذات يوم وازاح ملوكا وأقصى ممالك في شتى أصقاع المعمورة قد هان اليوم على الخليقة كلها وانكسر ..واصبح وكان يطلق عليه أرض السواد يستورد الطماطة والبصل والباذنجان ، البطاطا والخيار والجزر ، في سابقة لم يشهد لها العراق مثيلا من ذي قبل ما طلعت شمس وما أنار في السماء قمر …ايييييه حقا أن من يرضى بزج نفسه بجل إرادته وبكل همته وبنصف وعيه وقصر نظره وضآلة أمنياته وضحالة أحلامه ، في صراع كسر عظم تأريخي لم يتوقف يوما بين الفرس والروم ، لن تقوم له قائمة ولو في المنام .. ياقوم !
قال : ستوب ..انهد حيلي يابشر ، قلبي وجعني وراسي إنفطر !
قلت :ﻻ خلاص إلا بمسك العصا من الوسط ، والابتعاد عن سياسة المحاور ، والتفاوض من موقع الاقتدار والقوة مع الجانبين لا من موقع الضعف والهوان والتبعية والبطر ، والابتعاد كليا عن سياسة – الطسات والحفر- مع شركاء الخبز والكرامة والوطن ، فما حفر إمرء ﻷخيه غيلة إرضاء للاجنبي اﻻ وهوى يوما لامحالة في ذات الدهليز والبئر العميق المظلم الذي حفر . اودعناكم اغاتي