23 ديسمبر، 2024 2:29 م

الإعلام الوافد وتأثيراته على المتلقي العربي

الإعلام الوافد وتأثيراته على المتلقي العربي

أحدثت ثورة المعلومات والاتصال التي يشهدها العالم نقلة نوعية كبيرة وتحولاً واسع النطاق لما كان قائماً في السابق، وهو تحول لايمكن تجاهلة أو التقليل منه، فقد أزالت القنوات التلفزيونية الفضائية الحواجز بين المجتمعات المختلفة ، وتدفقت كميات هائلة من المعلومات بسرعة كبيرة من الدول المتقدمة الى مختلف بلدان العالم، وفق سياسات محددة مسبقا من الدول المصدرة لتلك المعلومات والافكار.
 ويبدو أن هذه المعلومات مرشحة للزيادة فهناك مايزيد على خمسمائة (500) قمر اصطناعي تدور حول الأرض مرسلة إشارات لاسلكية تدعو الى العولمة وهذه الاشارات تلتقطها شاشات أكثر من مليار جهاز تلفزيون، تتشابه فيها الصور، وتتوحد الأحلام والاماني، وتتحرك الافعال. وقد دخلت الاطباق (Dishes) الى حياة الملايين من البشر وأثرت على حياتهم التي اعتادوا عليها بالرغم من اعتراض الحكومات على الصور ،والمعلومات ، والايحاءات وكل مايبث، فالثورة المعلوماتية لم تدع للدولة امكانية حماية سيادة فضائها الجوي ، أو التحكم فيه، فالمراقبة أصبحت شبه مستحيلة عملياً مما سهل سريان الاتصال، والاعلام لصالح الشبكات العالمية التي يقوم مديروها بوضع أسس التحكم في الصور والمعلومات، وفي عملية تداولها ، والاشراف على معالجتها ، وتخزينها، وتنقيحها وإحكام السيطرة عليها ، وتوظيفها لتحقيق الأثر المطلوب في مواقف الانسان وسلوكه .وقد أفرزت هذه الثورة مشهداً اتصالياً فضائياً جديداً لايعترف بالحدود السياسية للدول وفتحت مجالاً كبيراً لوصول الصورة من والى جميع دول العالم، وبالتالي أصبح الوطن العربي مجالاً مفتوحاً لاستقبال العديد من القنوات الدولية الحكومية ، وغير الحكومية بشتى الوسائط التي تحمل في طياتها انموذجاً ثقافياً وحضارياً مختلفاً عن الانموذج العربي في مقوماته وادبياته، في قناعته وأهدافه مما أثار جدلاً ثرياً حول ماسمي بالغزو الثقافي ، والاختراق الاعلامي للبلدان العربية فالكم الهائل من طوفان المعلومات الاعلامية التي دخلت المنطقة العربية ، ضمن مخطط مبرمج ، شكل جبهة عريضة من المعارف والأفكار والعقائد لاختراق العقل العربي، وإشاعة الانماط الثقافية المستوردة، ضمن عمليات دعائية – نفسية – استهدفت غسل العقل العربي،  وإعادة تشكيل الذاكرة العربية من جديد.
ومما لاشك فيه، أن حال المنطقة العربية التي أضحت منذ حوالي عقد في قلب الأحداث الكبرى جعل من مسألة مخاطبتها مسألة جوهرية، بغض النظر عن الأهداف المرتجاة، وهي كلها للتأثير دون شك، ولا سيما أننا أسواق مهمة بالمعنى الاقتصادي للكلمة..ولهذا السبب كان ظهور القنوات الفضائية الموجهة للمنطقة العربية قد جاء في ظل حالة تذمُّر يعيشها المواطن العربي من إعلامه عموما، وبالتالي جاءت هذه القنوات لتملأ فراغا قائما. كما أن الوافد الجديد أتى لأن ثمة مجالا خصبا لتمرير هذا التصور أو التمثل أو ذاك… وقد تجددت ثورة الإعلام الأجنبي الموجه نحو المنطقة العربية بعد أن كادت نهاية الحرب الباردة تنشر الانطباع بأن المنطقة العربية لم تعد محلاً للتنافس الإعلامي الأجنبي.
 والواضح أن المشاهدَ العربيَّ أينما كان أصبح صيدا ثمينا، فالجميع يحاول اصطياد ودِّه لتشكيل عقله، والأداة هذه المرة هي الصورة (في عصرها الذهبي) التي تنطلق صَوب مشاهد يشتاق إليها بحق غير أن المصداقية لا تقاس بالشعارات، أو بإعلان النوايا، بل بالقدرة على إثارة القضايا الكبرى، وبالاحتكام إلى المهنية في المعالجة، وهذا ما يحتاج لتحليل مضمون كل قناة على حدة لنكتشف أدوارها وأهدافها الأصلية.
والواضح والمؤكد أن البث الفضائي الأجنبي الوافد قد كشف ما هو مستور وسحب البساط من تحت أقدام الإعلام العربي المتردي ، واوجد حالة من الاضطراب والإرباك طالت كل الأوساط الرسمية ، والشعبية ، وشملت المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والروحية واهتم بها الفكر والتشريع ، وتعددت الاستجابات، واختلفت ردود الفعل. وهذا يعكس العجز العربي عن التنبؤ بالمستقبل، وبالتالي العجز عن الاستعداد لملاقاته وبمعنى آخر يؤكد هذا الوضع عدم امتلاك العرب لمشروع يستجيب لمعطيات المستقبل الذي وصل الينا وأصبح راهناً  .
ان المحطات الإذاعية أو التلفزيونية، الأرضية كما المبثوثة عبر الأقمار الصناعية، تعبر قطعا عن الجهة أو الجهات الثاوية خلفها، الموجهة لها بهذه الصورة أو تلك، أو المموِّلة لها، أو الداعمة لتوجهاتها وإن كان عن بعد.
ويستند الخطاب الإعلامي الموجّه للمنطقة العربية إلى متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة، فمثلما دفعت به عجلة الحروب الساخنة والباردة بالأمس، فإن سواعد أخرى تدفعه اليوم، وخاصة بعد انهيار سياسة القطبين، وهجوم الحادي عشر من سبتمبر، وازدهار الدعوات الأصولية في المنطقة.
ان البث التلفزيوني المباشر يحمل -أيضاً- معنى النظرية الامبريالية ، أو نظرية التبعية التي يمكن تلخيصها في : أن القوى الغربية بمعاونة المؤسسات متعدية الجنسيات تقوم باختراق مجتمعات العالم الثالث ، واخضاع شعوبها لأنماط المعيشة الغربية ، من خلال المواد الاعلامية الغربية مثل : الاخبار ، والافلام، والانشطة الترفيهية التي تهدف الى التأثير على هذه الشعوب ، وصبها في قالب الفكر الغربي .
أن الخبر لم يعد وحده القادر على تشكيل الرأي العام، وإنما يجب أن تساهم المواد الإعلامية الترفيهية في صياغة وجهات النظر عن الذات والآخر.سيما وان هناك ميزانيات ضخمة مرصودة لهذه القنوات، قد تتحملها الدول، ويساهم بها دافعو الضرائب، وقد تقوم بها مؤسسات اقتصادية مستقلة، ترغب في إيصال رسائلها الإعلانية.مع اقرارنا ان الاستقلالية عن الخط الرسمي ليست واضحة في معظم هذه القنوات، حتى وإن أعلنت ذلك.
من هنا لايمكننا أن نتصور أنه ثمة حيادية تذكر، أو موضوعية في التناول من لدن هذه المحطات سواء بلغتها الأصلية، أو عندما تكيف إرسالها بلغة هذه الجهة أو تلك من العالم ،لكن تبقى زاوية المعالجة، وفي هذا الجانب تحاول كل محطة أن تضبط خطابها وفق الجمهور المستهدف والغاية المرجوَّة.وما يصدُق بالتحليل العام يصدُق حتما عندما تحاول مقاربة هذه المحطة أو تلك، وتحديدا من قبل الفضائيات التي نحن بصددها (الحرة الامريكية،فرنسا24،روسيا اليوم،بي بي سي،الصينية العربية،دويتشه فيله وغيرها).
وبالتالي، فالقنوات التي سنتحدث عنها ونحلل خطابها وبنيتها، لا تخرج عن توجهاتها العامة، بقدر ما تتفيَّأ بتوظيف اللغة للوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور العربي، سواء بلغته أو باللغة التي تتحدث بها شرائح واسعة من مكوناته.
يُثار حاليا جدال حول ما يحققه الهجوم الفضائي الذي تقصف به معظم دول العالم الناطقين بالعربية، وكأن العالم بأسره بات يريد التحدث مع العالم العربي الأخرس، فالبعض يرى في ذلك غزواً ثقافياً وسياسيا بل واقتصاديا، في حين يراه آخرون انفتاحا غربيا وعالميا يرفد الجمهور العربي بثقافات جديدة ويفتح أمامه خيارات واسعة لم يكن ليحلم بها قبلا.
فها هي (bbc) العربية – التي أغلقت ثماني محطات إذاعية في أوروبا كي توفر الميزانية المطلوبة للتلفزيون العربي- تحاول جاهدة احتلال مجد اذاعتها الغابرة، والتي اعتمد عليها المشاهد العربي في تحري المصداقية في العديد من القضايا والأحداث لسنوات طويلة. وتلك فضائية ‘الحرة’ الامريكية التي تعمل وفق مبدأ إعادة هيكلة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية، التي تمثل مصدراً رئيسياً لظهور الإرهابيين. بينما يقول الروس انهم يريدون من ‘روسيا اليوم’ أن تشرح للناس موقفهم من القضايا العربية والعالمية بشكل لا لبس فيه. أما الفرنسيون فيريدون تعزيز روابط الفرنكفونية العربية واستثمار العلاقات مع العرب اقتصاديا وثقافيا، عبر ‘فرنسا 24’ العربية. والحال نفسه ينطبق على الألمانية ‘دويتشه فيلله’، التي تقول ان هدفها هو تعميق الحوار الاستراتيجي مع العرب والمسلمين بعد ان تضاعفت الجاليات العربية والاسلامية في كبريات مدنها.
وتدخل الصينية عبر ‘الصينية العربية’ على خط المنافسة، لتعزيز توجهها الاقتصادي والانفتاح السياسي على دول المنطقة العربية وقولبة دورها المقبل في العالم. اما الإيرانيون فيرون في قناة ‘العالم’ نافذة لتوضيح وجهة النظر الايرانية للمشاهد العربي في مواجهة ما يرون انه إعلام غربي يريد شيطنة صورتها في المنطقة.واذا كان الأتراك آخر الواصلين عبر (TRT) الا ان طموحهم ان تصل محطتهم ما انقطع من وصل مع العرب ينوف عن سبعين عاما في كافة المجالات. وهنالك دول أخرى تسعى لحجز نصيبها عبر إطلاق برامج تلفزيونية وإذاعية موجهة للعالم العربي كالدانمارك وهولندا وربما اليابان وايطاليا وغيرها.
لكن ماذا حققت هذه القنوات فعلا؟ فالمشاهدون العرب – وهم يذهبون إلى معظم هذه القنوات الأجنبية التي يرون فيها ما لا تقدمه القنوات الرسمية، والتي تحاول التعتيم على ما يحدث داخل المجتمع والشارع العربيين – ما زالوا لا يفرقون بين سياسات هذه البلدان وقنواتها، مهما كانت المغريات التي تعرضها.
ويطرح المشاهد الكثير من علامات الاستفهام حول، لماذا تذكّر الغرب فجأة أهمية المشاهد العربي الآن، أم أن لهذه القنوات أهدافاً أخرى ابعد من ترف المشاهدة والتنوع؟ والى اي مدى يشاهدها المشاهد العربي ويعول على صدقيتها؟ وإن كان يشاهدها فما الجديد الذي تقدمه عن باقي القنوات العربية الاخبارية مثل ‘الجزيرة’ او ‘العربية’؟
شكّلت الإذاعات المُوَجَّهة نقطة البداية لمخاطبة العرب من شرقي العالم وغربه، ففي العام 1938انطلقت أشهر إذاعة غربية ناطقة بالعربية على الموجات القصيرة، ونقصد بها محطة هيئة الإذاعة البريطانية التي باشرت خدمتها العربية في العام المذكور، وقد أصبحت علامة فارقة على الخدمة الصحفية، بغض النظر عما كانت تخطئ فيه أحيانا بعدم حيادها في بعض جولات الصراع الإقليمي.
وكان تاريخ بدء القسم العربي في الـ BBC مثيرًا للانتباه، فقد كان هناك هدفان مختلفان آنذاك، إذ على الرغم من أن الحكومة البريطانية طلبت من الـ BBC أن تبدأ في عام 1938 بثها باللغة العربية، لأن الحكومة البريطانية حينئذ كانت قلقة حول مدى تأثير البرامج الألمانية والإيطالية، التي كانت تبث من إيطاليا، وتأثيرها على العالم العربي. كان رد الـ BBC الرفض، لأنها لم تُرِد أن تمارس ما يمكن أن يوصف بأنه دعاية سياسية، وقد استمر الجدل بين الحكومة والـ BBC على مدى عامين، التزمت الـ BBC خلالهما بأنها – وكهيئة إذاعة عامة – يجب أن تقرر ما هو خبر يمكن إذاعته، ولذلك وفي المادة الخبرية الأولى بإذاعة عام 1938 التي نشأت على هذا الأساس، في الثالث من يناير عام 1938 أذيعت قصة بطلتها السلطات البريطانية التي قامت بشنق عربي في فلسطين صبيحة ذلك اليوم لامتلاكه بندقية وذخائر، وكانت تلك قصة حقيقية، ولكن الحكومة البريطانية استشاطت غضباً لأنها لم ترد لـ BBC أن تنشر مثل هذه الأخبار.أما النسخة التلفزيونية من القسم العربي في الـ BBC فبدأت بعد أكثر من 50 عاماً على النجاح الإذاعي، وبعد أن أصبح العالم يتنفس تلفزيونيا. لكن تلك النسخة التلفزيونية من BBC العربية التي انطلقت في يوليو عام 1994 فشلت، وأُجهضت بعد أقل من عامين عندما اصطدمت سياستها الإعلامية بحساسية الشركاء العرب.
أن الـ BBC لا تبدو مستقلة، بل هي مستقلة فعلاً، إنها هيئة إذاعة عامة تعمل بموجب ميثاق ملكي تبث داخل المملكة المتحدة وإلى مختلف أنحاء العالم، ويتم تمويلها عبر قنوات مختلفة، الأقسام الداخلية عن طريق الإجازة لشراء أجهزة التليفزيون، اما القسم الدولي أو العالمي يتم تمويله عن طريق تجاري، وأيضاً القسم الإذاعي عن طريق وزارة الخارجية والحكومة عن طريق قرض مالي، ولكن من حيث الإدارة فهي مؤسسة واحدة ومن حيث المصداقية فهي المحك الأساسي ومن خلال الإجماع داخل بريطانيا على أن الـ BBC على الصعيدين الداخلي والدولي الخارجي يجب أن تبقى مستقلة ويجب أن تظهر مستقلة دائماً، وعليه يجب أن تؤدي عملها بشكل فعال وفق هذه المعايير، ولذلك فالناس حسب ما يروه داخل بريطانيا، ومن خلال ما يدفعونه من أجور لها أيضاً يرون نفس الشيء كما هي الحال مع المشاهدين والمستمعين في الداخل والخارج، فهي ليست محطة حكومية، ولا تمثل صوت بريطانيا ولكنها هيئة عامة وهذا يؤثر في منتوجها النهائي.
كما وجدت خدمات تلفزيونية أخرى الطريق إلى المشاهد العربي عبر البث الفضائي في المنطقة العربية في شبكة قنوات (اليورونيوز) الإخبارية، التي تبث بأكثر من لغة من بينها العربية، والتي انطلقت في العام 1997 بدعم مالي محدد المدة من المفوضية الأوربية، لكن حظها لم يكن أوفر من سابقتها، فتوقفت بعد ذلك بعامين تحت وطأة أزمة مالية!
وبعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، بما شكله من علامة تاريخية فارقة ، حاولت القنوات الفضائية التي دخلت سماء العلاقات العربية الغربية الملبدة بغيوم الحساسية المتبادلة والنفور من كلا الجانبين، بل والشك فيهما، حاولت أن يكون لها دور في حوار حضاري، لذا بدأت القوى (الكبرى) في كشف ستار محاولاتها الإعلامية لذلك الحوار.
وحسب رأي إيريك بيترمان مدير عام إذاعة وتلفزيون ألمانيا، فإن العالم الإسلامي بات يمثل أحد أهم محاور التركيز لدى مؤسسته، ولكون الدول العربية جزءًا مهمًا من هذا العالم، فقد سعى إلى تيسير فهم ألمانيا على المتلقي العربي من خلال ترجمة برامج ألمانية. وهكذا بدأت مؤسسة التلفزيون الألماني “دويتشه فيلله DW” أو(صوت ألمانيا الحر) خدمتها الناطقة باللغة العربية عام 2005، بتوليفة تستمر ثلاث ساعات يوميا من الأخبار والبرامج المنوعة المترجمة، موجهة إلى النخب العربية، والشباب العربي، من أجل توضيح الرؤية الألمانية. يُجرى تباعا زيادة ساعاته في إطار خطة المؤسسة لتفعيل الحوار الحضاري مع العالم العربي، حيث تسعى المحطة للوصول لأكثر من 10 ملايين مشاهد في أكثر من 20 دولة عربية.وقد دشنت في القاهرة خلال شهر مارس 2007م نسختها الجديدة، بعد أن تم رفع الموازنة لتوسيع ساعات البث في القناة عبر بث يصل إلـى 12 ساعة يوميا .وفي إيطاليا أطلقت شبكة عبر ساعتين يومياً خدمة تترجم إلى اللغة العربية مختارات من برامج (Rai) المختلفة تعاد مرةً أخرى في صباح اليوم التالي.
ثم أتت قنوات «الحرة» و«الحرة عراق» و«الحرة أوربا» وشبكة راديو «سوا» التي تعادل ميزانياتها السنوية قرابة 750 مليون دولار ممولة من قبل الكونجرس، وأوصت دراسات أجريت في الكونجرس بضرورة إطلاقها لمواجهة مشاعر العداء العربي المتنامية ضد واشنطن، في ظل حرب ملتبسة ضد ما يسمونه الإرهاب. ويضن القائمون عليها أن إنشاء القنوات أفضل من الإنفاق على حملات دعائية، فقد ذكر إدوارد جيرجيان، وهو مسئول أمريكي سابق في لقاء مع محطة «CCN» عن أن أمريكا أنفقت مليار دولار على الدعاية لتحسين صورتها في العالم الإسلامي ولم تفلح!
وكان من أهم أهداف الإدارة الامريكية من تأسيس قناة (الحرة)الناطقة باللغة العربية،ليس فقط التأثير على العقل العربي،وانما أيضاً إضعاف تأثير الفضائيات العربية التي تروج للمشروع العربي الرسمي والذي لم يعد يلائم مخطط ادارة الرئيس السابق بوش وتوجهاته نحو المنطقة،وإذا كانت المنافسة هي أمر مشروع ومطلوب لتحسين الأداء الصحفي،الا ان المنافسة هذه المرة لاتقتصر على التميز في الأداء واستقطاب المشاهدين كمعيار للنجاح،وانما تتعداه الى الصراع السياسي حول المشروع الأمريكي الجديد في المنطقة . بيد اننا نرى ان مشروع (الحرة)ليس سوى محاولة لتجميل وجه امريكا وتحسين صورتها بعدما ارتبطت بذهنية العرب والمسلمين كأداة للقتل واستباحة الأوطان وتهجير الشعوب،فضلا عن ان هذه القناة قد جاءت لتسويق السياسات الامريكية في المنطقة وفرض الهيمنة والقطبية الاحادية وتجريد العالمين العربي والاسلامي من قيمه الذاتية وانتاج نسخ عربية جديدة تتماشى مع العولمة الأمريكية من خلال بث القيم ونمط الحياة الامريكي.ومعلوم ان تمويل الحرة يتم عبر مخصصات الكونغرس الذي لايتوانى في ما يتعلق بمسائل الشرق الأوسط عن التماهي مع الرؤية الصهيونية في تل أبيب.
وكان الكونغرس الأميركي قد أقر تمويلاً بقيمة 62 مليون دولار لتغطية نفقات الحرة في عامها الأول، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2003 خصص الكونغرس أيضا 40 مليون دولار إضافية لبدء محطة أخرى موجهة إلى العراق فقط, أنفقت إدارة الحرة 20 مليون منها لشراء معدات بث وتكنولوجيا وتجديد الاستديو فيما ذهبت بقية الأموال كنفقات وعمولات ورواتب, فيما زادت موازنات الاعوام اللاحقة تباعاً.
كما تقدم العضو الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ (جوزيف بايدن) بمشروع قانون يدعو إلى إنشاء محطات بث مماثلة للحرة باللغات الفارسية والكردية والأوزبك من بين لغات أخرى, ما يتطلب 222 مليون دولار في بداية التمويل، إضافة إلى 345 مليون دولار موازنة سنوية زيادة على موازنة صوت أميركا وهي 570 مليون دولار في العام 2005.
ورغم تأكيد تقرير مجلس علوم الدفاع على فشل الجهود المبذولة “في الحرب الإعلامية” فإن موازنة الإنفاق الشاملة التي أقرها الكونغرس والتي خصصت 600 مليون دولار لتغطية كلفة التوسع في البث الدولي للإذاعات والتلفزة المملوكة للحكومة الأميركية والموجهة إلى المنطقة العربية وجوارها، ومن بين تلك المحطات إذاعة سوا وقناة الحرة.
وهناك أصوات تنطلق من داخل الكونغرس وخارجه تدعو إلى وقف مشاريع “الحرة” و”سوا” ومجلة “هاي” الممولة من قبل الإدارة الأمريكية(لاحقاً تم بالفعل وقف مجلة (هاي)عن الصدور)، والتركيز على دعم المؤسسات الإعلامية العربية والمحلية, وقد نُشرت معلومات عن دعم برامج مشتركة مع محطة الإل بي سي الفضائية اللبنانية وصحيفتي الغد والبلد الأردنية واللبنانية على التوالي إلى جانب عدد من المحطات الإذاعية المحلية التي تروج للثقافة والمواقف الأمريكية في المنطقة.
ولعل من المفيد هنا ان نورد ماذكرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في تقرير نشر على صدر صفحتها الأولى اتهاماً لقناة الحرة بالبعد عن الحيادية المهنية متسائلة إن كانت “الحرة” حرة أو مستقلة؟…وقد استشهدت كاتبة التقرير إلين ماكارثي في رأيها بحدثين مهمين أوردتهما كمثالين، لم تقم المحطة الأمريكية ببثهما, الأول عندما قامت طائرة “هليوكوبتر” عسكرية أميركية بقصف حشد من المدنيين في شارع حيفا في بغداد فإن معظم قنوات الأخبار العربية بثت شريط فيديو عن هذا المشهد يحمل آخر كلمات مراسل قناة “العربية”، الصحافي الفلسطيني مازن طميزي وهو يصيح: أرجوكم ساعدوني!
أما الحدث الثاني فكان اغتيال قوات الاحتلال الإسرائيلي لمؤسس حركة “حماس” الشيخ أحمد ياسين،حيث قطعت معظم القنوات العربية برامجها لنقل وتغطية الخبر على الفور بينما استمرت “الحرة” في بث برامجها الترفيهية المعتادة في الغناء والطبخ والأزياء وغيرها.
تبث (الحرة) من استوديوهاتها في سبرينغ فيلد وهي إحدى الضواحي القريبة من العاصمة الأميركية “واشنطن” إلى المنطقة العربية عبر قمرين اصطناعيين: نايلسات وعربسات اللذين يتيحان لها الوصول إلى 70 مليون مشاهد عربي في 22 بلدا عربيا، غير أن مصادر متنوعة تجمع على أن أقل من أربعة في المئة من المشاهدين العرب يتابعون برامجها الإخبارية, إذ أن استطلاعا قامت به مؤسسة زغبي انترناشيونال الأمريكية في ست دول عربية رئيسية لحساب جامعة ميريلاند الأميركية أظهر أن الحرة بالكاد مسجلة كمصدر رئيسي للأخبار.
وفي أبريل 2007، تم تدشين فضائية فرنسية جديدة هي قناة «فرانس 24» التي ركز مسئولوها على أن هدفهم هو معالجة أي قضية بشيء من الانفتاح. وأساس قناة «فرانس 24» صيغة هجينة تضم مشاركة القطاعين العام والخاص معا، وتستثمر في الطاقات البشرية والإعلام الجديد، بميزانية ضخمة، ساهمت في رفع ساعات البث باللغة العربية للقناة إلى 10 ساعات يوميا، بعد أن كانت بداياتها بـ4 ساعات فقط، وهناك نية لرفع عدد ساعات بثها باللغة العربية إلى 24 ساعة، في ظل اعتمادها على البرامج الإخبارية أولا، إضافة إلى شبكة برامج تركز على البث المباشر والتفاعلية، اعتمدتها «فرانس 24» في شكلها الجديد.
وحسب موقع القناة، ففرانس 24 هي قاعدة إعلامية حقيقية للأخبار تبث برامجها على الهواء مباشرةً و عبر الانترنت بثلاث لغات : الفرنسية و الانجليزية و العربية .وهي تتناول الأخبار الدولية برؤية فرنسية معتمدة على تباين الآراء، تنوع النقاشات وتناقض وجهات النظر و تقدم تحليلاً معمّقا للأخبار مع عناية خاصة بالثقافة.وهي قناة مجانية وغير مشفرة يمكن مشاهدتها بلغاتها الثلاث على مواقع الأقمار الصناعية الرئيسية وضمن باقات العروض التجارية الرقمية في أوروبا والشرق الأدنى والأوسط وأفريقيا وآسيا وواشنطن ونيويورك.
وفرانس24 هي فرع تابع للإعلام المسموع و المرئي الخارجي لفرنسا (l’Audiovisuel Extérieur de la France)وفريقها يشمل أكثر من 530 موظفا من بينهم 205 تقنيين و65 متخصصا في الإعلان والتوزيع و 260 صحافيا من 35 بلدا يتقنون لغتين على الأقل ومؤهلين لاستعمال التقنيات الحديثة.وتتعامل فرانس 24 مع أكثر من 1000 مراسل في جميع أنحاء العالم من بينهم مراسلون حصريون إلى جانب صحفيين آخرين من شبكات مؤسسات شريكة وقّعت معها عقود تعاون مثل …(France Télévisions, TF1, RFI, GRN).
أما (روسيا اليوم) ففي الرابع من مايو عام 2007، بدأ بث القناة التلفزيونية الفضائية الروسية (روسيا اليوم) إلى العالم العربي، من أجل إنشاء جسر إعلامي بين روسيا والعالم العربي في مجالات الثقافة والسياسة والاقتصاد، وتشمل أخبار التطورات الروسية والدولية وبرامج الثقافة والأفلام الوثائقية، ويعمل بها نحو 100 متخصص بين عرب ومستعربين ومراسلين روس.ويقع مقرها فيFlag of Russia.svg بروسيا..ومديرها هو مرغريتا سيمونان. وتبث عبر الساتل،نايل سات، بدر 4، هوتبيرد.
وقناة روسيا اليوم هي قناة أخبارية فضائية روسية تبث برامجها باللغة العربية، وتتبع محطة روسيا اليوم إلى مؤسسة “تي في – نوفوستي” المستقلة غير التجارية. وتتضمن برامجها بث الأخبار السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية إضافة إلى الأفلام الوثائقية والجولات الصحافية والتحقيقات المصورة.وتبث القناة على مدار الـ 24 ساعة يوميا خلال سبعة أيام في الأسبوع ويستطيع أكثر من 350 مليون مشاهد في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا تلقي موجة البث التلفزيوني للقناة الفضائية.ويتألف فريق القناة من صحفيين ومترجمين ومستشرقين من الروس والعرب المحترفين.
وتوجد مكاتب للقناة في أوروبا (باريس ولندن) والشرق الأوسط (بغداد ودمشق وبيروت وغزة والقدس والقاهرة ورام الله) وفي الولايات المتحدة (واشنطن ونيويورك). وتتطور شبكة المراسلين المستقلين في روسيا وفي رابطة الدول المستقلة وبلدان الشرق الأوسط.وتتكون هيئة تحرير القناة من إدارة الأخبار وإدارة البرامج وإدارة الأفلام الوثائقية والتحقيقات المصورة ومكتب تحرير البث عبر الإنترنيت وهيئة كبير مخرجي القناة التي تؤمّن عمل القناة من الناحية الفنية.
وتعد الأخبار أساسا لبث قناة “روسيا اليوم” حيث تقدم آخر أهم الأخبار في روسيا والعالم. إضافة إلى ذلك تقدم أخبارا اقتصادية ورياضية وثقافية في نشرات مستقلة. تتطرق الأخبار الاقتصادية إلى أوضاع الاقتصاد الروسي والعالمي وقضايا التعاون الدولي في هذا المجال وخاصة العلاقات الروسية العربية. وتتم تغطية أخبار الأسواق المالية الروسية والبورصات ومؤشراتها الأساسية وأسعار العملات العالمية والمعادن الثمينة بصورة واسعة.
ومن ابرز برامجها (أصحاب القرار الذي يستضيف عادة شخصية بارزة من كبار المسؤولين الروس أو الأجانب).و(حديث اليوم برنامج مقابلات مع رجال السياسة والخبراء والاقتصاديين ورجال الثقافة وغيره).وبرنامج (بانوراما وهو برنامج حواري يومي مدته 26 دقيقة تتطرق المناقشة فيه إلى جوانب مختلفة من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من المجالات في روسيا والمنطقة العربية والعالم بشكل يتيح المشاهد امتلاك صورة متكاملة عن موضوع المناقشة ولا يخلو أحياناً من تضارب وجهات النظر، يقدمه المذيع أرتيوم كابشوك).و(برنامج حصاد الأسبوع وهو برنامج إخباري تحليلي يلقي الضوء خلال 28 دقيقة على أهم أحداث الأسبوع).و(نبض المستقبل )و(رشفات برنامج ادبي يحاول الربط بين الأدب الروسي و العربي يقدمه الشاعر السوري أيمن أبو الشعر)وبرامج عديدة اخرى.
وإذا خرجنا من المعطف الإعلامي الأوربي إلى الخيمة الإعلامية الآسيوية، فسنبدأ بالصين. والناظر إلى خارطة الصين الإعلامية العملاقة يرى أنه تم إنشاء 251 محطة إذاعية و272 قناة تلفزيونية و2087 محطة إذاعية تلفزيونية، مما يشكل أكبر شبكة للإذاعة والتلفزيون في العالم، وقد وصلت نسبة تغطية الإرسال الإذاعي إلى 96.31%، ووصلت نسبة تغطية الإرسال التلفزيوني إلى 97.23% في بقاع الصين الشاسعة.
وحين نتحدث عن محطة التلفزيون المركزية الصينية – العربية الدولية، التي تكتب اختصارا العربية CCTV- فقد بدأ بثها في 25 يوليو عام 2009 بهدف واضح هو (الحفاظ على روابط أقوى مع الدول العربية، ولكي تكون القناة الجديدة بمنزلة جسر مهم لتعزيز التواصل والتفاهم بين الصين والدول العربية). وتبث القناة باللغة العربية مع برامج من أربع فئات من الأخبار، وتقارير إخبارية والترفيه والتعليم. ويعاد بث البرنامج ست مرات في اليوم الواحد، في حين تبث التقارير الإخبارية بانتظام على مدار الساعة.
وقد ذكرت صحيفة (ساوث تشاينا مورنينج بوست) ان محطة التلفزيون المركزية الصينية على استعداد لإنفاق 45 مليار يوان (9.5 مليار دولار أمريكي) في تطوير القناة، وهو ادعاء غير مؤكد من قبل مصادر رسمية.ويقول مسئولو الشبكة الأم، إنهم لا ينشرون المعلومات ولا يقدمون المواد الترفيهية فحسب، بل يتحملون أيضا مسئولياتهم عن التعليم والحفاظ على التعددية الثقافية وتعزيز الانسجام والتقدم داخل المجتمع الصيني، وتعزيز وتوسيع التعاون مع المؤسسات الإعلامية في مختلف دول ومناطق العالم على أساس الثقة المتبادلة والتنسيق والمكاسب المشتركة.
بعض المراقبين يرى تعقيبا على سؤاله عن أهداف تلك القناة الإعلامية، أن الصين ليست بحاجة إلى قناة لتسويق تجارتها، فهذا الغرض حاصل بالفعل، على الأقل في الوقت الحالي، كما أن الصفقات التجارية أو التسليحية الكبرى تتم غالبا بالتفاهم بين القيادات الحاكمة الصينية ومثيلتها العربية، لكنها قد تستخدمها لاحقا لتحسين صورتها في العالم العربي، خاصة أن الإعلام العربي ينقل انتهاكات طالت حقوق وحريات مواطنين مسلمين بالصين.
وقد انطلقت فكرة القناة قبل أكثر من أربع سنوات ضمن أعمال منتدى التعاون الصيني العربي، الذي حث على إقامة قناة صينية بالعربية، وأخرى عربية باللغة الصينية، وخلال زيارة الرئيس هو جينتاو رئيس جمهورية الصين الشعبية لمقر جامعة الدول العربية في 30 يناير عام 2004 التقى بالسيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، ليعلن لاحقا وزير الخارجية الصيني لي تشاوشينغ والسيد عمرو موسى تأسيس منتدى التعاون الصيني – العربي، مع إصدار بيان مشترك بشأن تأسيس منتدى التعاون الصيني – العربي. وقد طرح هذا المنتدى فكرة إنشاء القناة في الدورة الأولى في بكين عام 2005، وفي الدورة الثانية للمنتدى بالرياض مارس عام 2007 أشار المشاركون إلى ما يقوم به الإعلام الصيني بالتعريف بالحضارة الصينية، وشجعوا فكرة إقامة جمهورية الصين الشعبية قناة متخصصة تُبث باللغة العربية على غرارCCTV-9التي تبث باللغة الإنجليزية وتشجيع الجانب العربي على إقامة قناة مماثلة أو أكثر.
وتبث القناة (الصينية)على مدار 24 ساعة يوميا وتغطي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال قمري عربسات ونايلسات.ويعمل في القناة مجموعة من المذيعين العرب والصينيين الذين يتحدثون العربية، وتركز القناة على نشرات الأخبار بالإضافة إلى البرامج الثقافية والخدمية والترفيهية. وتنقسم  برامجها إلى أربعة  أنواع وهى: نشرات الأخبار والبرامج الخاصة والمنوعات والبرامج التعليمية.
 ـ تقدم القناة تسعة برامج رئيسية منها:  “الحوار” و”نافذة على الصين” و”أفلام وثائقية” و”الفنون الصينية” و(تعلم معي) و ( الصين والشرق الأوسط) و(السياحة في الصين)  بالإضافة إلى مجموعة من الأغاني والمسلسلات الصينية التي يتم ترجمتها إلى العربية .
وتتناول الأخبار الأحداث المحلية والدولية والقضايا العالمية الساخنة، كما تركز على زيارات القادة العرب للصين ونشاطات البعثات الدبلوماسية العربية في الصين ومختلف التبادلات والنشاطات ومشاريع التعاون الاقتصادي بين المؤسسات الصينية والمؤسسات العربية في الصين. ويجمع برنامج (تعلم معي)بين التسلية والتعليم حيث يساهم في نشر الحضارة الصينية من خلال تعليم اللغة الصينية.
ويستضيف برنامج “الحوار”الخبراء العرب و الصينيين الذين يتحدثون اللغة العربية للمشاركة في النقاش حول القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية لتعزيز سبل التفاهم والتبادل بين الصين والعالم العربي.ويقدم برنامج (الفنون الصينية)  فقرات فنية متنوعة من مختلف الأشكال الفنية الصينية ويهدف إلى تعريف المشاهد العربي بالفنون الصينية سواء الحديثة أو التقليدية،كما يقدم برنامج (نافذة على الصين) تعريفاً بالحضارة الصينية ، ويأخذ المشاهدين في رحلات ثقافية إلى مختلف مناطق  الصين.
وتسعى القناة لأن تكون أداة لنشر نمط الحياة الخاص بثقافتها في المحيط الدولي،ويبدو ذلك من خلال عديد البرامج التي تتناول طرائق المأكل وأنواع المشرب وألوان الملابس المختلفة وممارسة الرياضات الخاصة وسبل الاحتفال التقليدية لأعراقها، فضلا عما يمكن أن نصفه بالصورة الموازية.ولاتخلو لائحة برامجها من برنامج يعرض للطعام ومكوناته وطرائق تقديمه وتناوله، وجميعها عناصر تمثل نمط الحياة اليومي الشائع، والذي يكسب جمهورا يومًا بعد يوم، إذ تنتشر المطاعم النوعية في العالم العربي لاحقًا، وليس جمهورها وحده من أبناء هذه الثقافات، بل من هؤلاء الذين شغفوا بطعام تلك الثقافة كنمط من أنماط حياتها.
وللقناة موقع إلكتروني على الشبكة يقدم جدولاً عن الأقمار الصناعية التي تبث عليها القناة والترددات،كما يقدم جدولاً  بأسماء البرامج ومواعيد بثها ومواعيد إعادتها ويعرض الأخبار والتقارير مكتوبة ومسجلة لمن أراد مشاهدتها والاستماع إليها ويعرض البرامج التي تقمها القناة مسجلة فضلا عن تغطيات وملفات خاصة عن بعض الموضوعات ويعرض أيضاً معلومات عن المذيعين العرب والصينيين العاملين في القناة وسيرهم الذاتية.
ومن تركيا، ففي الرابع من أبريل 2010 بدأ بث قناة فضائية ناطقة باللغة العربية من مؤسسة الإذاعة و التلفزيون التركية (تي آر تي)، بحفل رسمي شارك فيه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، في ظل ازدياد الاهتمام ازاء تركيا في العالم العربي خلال الأعوام الأخيرة بعد سياسة الانفتاح التي بدأت الحكومة التركية بانتهاجها في السنوات الماضية تجاه العالمين العربي والإسلامي، مؤكدة في بياناتها الرسمية على العلاقات المشتركة في التاريخ والثقافة والفن والموسيقى والدين والعادات والتقاليد، فضلا عن سعيها لعرض صورة واضحة لرجال الأعمال والمستهلكين العرب، عن المستوى الذي بلغته تركيا في قدراتها الاقتصادية والتنموية والصناعية.ويبدو ان سعي تركيا لأطلاق هذه القناة جاء رداً على قيام جارتها إيران بتدشين«قناة العالم» الإخبارية الناطقة بالعربية في العام 2003 والتي لسنا بصدد الحديث عنها هنا.
وتسعى هولندا لإطلاق قناتها العربية «هنا أمستردام» بعد نجاح القسم العربي في إذاعة هولندا العالمية، والذي يقدم يوميا على مدار ساعة كاملة مجموعة من التقارير والأخبار في شتى الميادين، منذ 60 سنة. مثلما نسمع عن قنوات فضائية معادية ستبثها دولة الاحتلال الإسرائيلي باللغة العربية في القريب العاجل.
كما تسعى الدانمارك التي خرجت من أزمة عالمية بين الشرق والغرب على اثر الرسوم المسيئة للرسول محمد (ص) لحجز نصيبها، حيث يدور حديث في أوساط “حزب الشعب الدانماركي” عن إطلاق برامج تلفزيونية وإذاعية موجهة للعالم العربي.
وقد يتساءل متابع لهذه القنوات، على قلتها، عن مدى تأثيرها وسط المشهد الإعلامي التلفزيوني العربي، الذي تغرقه مئات الشاشات المتناحرة على جذبه؟!…والحقيقة أنه في الإحصائيات التي اعتمدها اتحاد إذاعات الدول العربية، جاءت القنوات الإخبارية باعتبارها الأقل حضورا عند الجمهور العربي بين نظيراتها الأخريات، بحيث بلغ عددها 34 قناة، بينما تنفرد القنوات التي تتعلق بالموسيقى والمنوعات من قضايا تنمية وبيئة وفكر وتعليم بأعلى نسبة في مجموع القنوات المتخصصة في البث الفضائي العربي، بحيث يصل عددها إلى 115، أي بنسبة مرتفعة تصل إلى 23.4%.
كما يستأثر قطاع الدراما والسينما والمسلسلات والثقافة العامة بعدد مرتفع من القنوات يصل إلى 75 قناة. وتأسيسًا لهذه الميول والاتجاهات المتنوعة، شكلت هذه المسألة نوعًا من التخصص في الإعلام يحسب للمواطن العربي، فرضتها رغباته واتجاهاته الملحة، ولا يغيب عن الأذهان أن الرياضة والنشاطات الشبابية هي الأخرى تشكل مقاسًا نوعيًا مهمًا لدى خبراء الإعلام عند قياس توجهات الجمهور عليها، الأمر الذي جعل عدد القنوات الفضائية الرياضية في عالمنا العربي يبلغ بنهاية 2009 نحو 56 قناة من مجموع القنوات المتخصصة.
ويتحدث المختصون العرب عن 696 قناة متعددة اللغات والتوجهات تُبث عبر سبعة عشر قمرًا صناعيًا، وفي مقدمتها الأقمار الصناعية العربية (عرب سات ونايلسات ونور سات)، بالإضافة إلى الباقة العربية الموحدة لتغطية كل مناطق العالم، كما بلغ عدد الهيئات العربية التي تبث أو تعيد بث قنوات فضائية على شبكاتها نحو 398 هيئة، منهـــــا 26 هيئة حكومية و372 هيئة خاصة، وهو كمّ بدأ يفرز نوعًا واختيارًا لدى المشاهد العربي. واليوم تتركز ملكية تلك القنوات بالخصوص بين أيدي أربع هيئات خاصة من عمالقة البث الفضائي العربي، هي: «شبكة راديو وتلفزيون العرب 88 – شبكة شوتايم 48 – شبكة أوربيت 33». ويعكس اتحاد اذاعات الدول العربية، الذي يتخذ من تونس مقرًا له، في مضمون تقريره السنوي لنهاية 2009 قراءة ورصدًا موضوعيًا حول إحصائية ومعلومات إضافية تحصي القنوات وتصنّفها، وتبيّن نظام بثها، ومداه الجغرافي، واللغات التي تستعملها.
أن اكثر من(515 ) قناة تتناول خطابها باللغة العربية بنسبة 74% تقريبا، ووجود 142 قناة تتحدث باللغة الانجليزية، وبمرتبة ثالثة ومن خلال 14 قناة تأتي اللغتان الفرنسية والهندية. ويشمل البث أيضا باللغة الإمازيغيّة في أربع قنوات، والإسبانية في ثلاث قنوات، والعبرية في قناتين، والفارسية في قناتين، والأوردو في قناة واحدة، والماليزية في قناة واحدة.
وقبل ان نختم، فلابأس من إيراد تلخيص للملف الذي أنجزته مجلة الإذاعات العربية حول الفضائيات الناطقة بالعربية بأقلام نخبة من الأساتذة والاكاديميين من خبراء الاعلام المختصين العرب:
1- تقديم الأستاذ محمد رؤوف يعيش لملف المجلة حول الفضائيات الناطقة بالعربية:
متسائلا هل جسور للتواصل أم ترويج لثقافة أجنبية؟ حيث قدم لمحة عامة حول التزايد المتسارع لظهور هذه الفضائيات الموجهة للمواطن العربي، ثم تطرق إلى بداية ظهور هذه الفضائيات بداية من قناة الحرة سنة 2003 ونهاية بقناة تي آر تي التركية، خاتما تقديمه بعدة أسئلة تساؤلا من أهمها دواعي إحداث هذه القنوات، وإلى أي مدى استطاعت استقطاب المشاهد العربي، وما الذي ترمي إليه الدول من إطلاق مثل هذه القنوات ؟
2- الخطاب التلفزيوني الأمريكي الموجه للعالم العربي للدكتور علي جابر الشمري :
حيث بين فيه أن الدول على اختلاف ايديولوجياتها تعمد إلى صناعة خطاب تلفزيوني يسهم في إيجاد علاقات طيبة مع الجماهير وتعميق الثقة معها، وأكد على أن الخطاب التلفزيوني اليوم احتل مكانة مهمة وأساسية للدول الفاعلة في المسرح السياسي الدولي لكونه سبيل تلك في إحداث التأثير وتغيير الآراء والقناعات، لدى الجمهور المستقبل، وبين أن خير وسيلة لمعرفة دوافع المرسل هي تحليل الرسائل الاتصالة الموجهة إلى الآخر، ثم اعتبر قناة الحرة من القنوات الحديثة التي تعمل على توضيح ملامح الثقافة السياسية التي يريد الأمريكيون نشرها بين الجمهور العربي، وبين أن من أهم وظائف القنوات الموجهة الإخبار والإعلام، تقديم وجهة نظر الدولة القائمة على القناة وتفسيرها تجاه القضايا والأحداث المختلفة على الساحة الدولية، تكوين الآراء والاتجاهات، الترفيه والتسلية للترويح على المشاهدين، وركز على قناة الحرة التي حدد مهمتها الأساسية بأصنافها المختلفة في تهيئة العقل العربي لتقبل النموذج الغربي، أو الترويج للثقافة الغربية الأمريكية، كذلك من بين أهم أطروحاتها التعريف بالمجتمع المدني، الاحتذاء بالأنموذج الأمريكي، تفسير وتبرير السياسة الأمريكية، ومن بين أهم النتائج التي توصل إليها هو ما عبر عنه في الفقرة التالية قائلا :”يبدو أن هناك سعيا من الخطاب التلفزيوني الأمريكي عبر قناة الحرة إلى إيجاد أنموذج حضاري يهدف إلى محو الهويات الوطنية وإلغاء النسيج الحضاري والاجتماعي للشعوب، قصد بسط هيمنة الولايات المتحدة وسيطرتها على العالم”.
3- البي بي سي العربية، خصوصية الإعلام الكلاسيكي وتحدياته في بيئة إعلامية جديدة للدكتور السيد بخيت :
حيث بدأ بملحة تاريخية عن قناة البي بي سي، ثم بين أنها تقدم خدمة متكاملة في مجال نقل الأخبار إلى العالم العربي عبر الإذاعة والتلفزيون والانترنيت والهاتف النقال، وأوضح أن البي بي سي سعت إلى دخول حلبة المنافسة الإعلامية وأطلقت قناة بالعربية في 11 مارس 2008، لبث النشرات الإخبارية والبرامج الحوارية والمنوعة والأفلام الوثائقية، وأقر أن الملامح العامة لخريطة البرامج لقناة البي بي سي تسعى للتطرق إلى مواضيع غير تقليدية على الساحة العربية واختراق المحظورات المتعارفة، ومن أهم الانتقادات التي وجهها لهذه القناة حساسيتها المفرطة في ردودها على مزاعم الانحياز، وبأنها تفقد أعصابها أحيانا في تغطية بعض أحداث المنطقة العربية، وأن التزامها بالتطبيق الميكانيكي للتوازن يتفوق أحيانا على الاعتبارات الحالية للدقة والحيادية والعدالة.
4- البرنامج العربي لتلفزيون دوتشيه فيله ترف إعلامي أم تسويق لألمانيا اليوم للإعلامي المولد الهمامي :
حيث أقر في بداية دراسته أن قناة دوتشيه فيله تسعى إلى تكوين بطاقة تعريف بألمانيا، إلى العالم الخارجي بكل ما فيها من حراك سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، وأن الرسالة الأساسية للقناة تحسين صورة ألمانية في العالم، ويتمحور البرنامج العربي لتلفزيون دوتشيه فيلة في تقديم مادة متنوعة أساسها المجلات والبرامج والمواعيد الإخبارية، والفلسفة البراميجية لهذا التلفزيون تهدف أساسا إلى مساعدة المشاهد العربي على فهم الحياة الأوروبية، والاندماج فيها، بشرح القوانين وتسهيل عملية الانخراط في المجتمعات الغربية، والأهم من ذلك أن دوتشيه فيله تدعو المشاهد العربي بصورة أو بأخرى إلى الانبهار بألمانيا اليوم في جميع المجالات.
ويمكننا القول من خلال قراءتنا المتواضعة لمجموعة من كتابات وبحوث الإعلاميين والمفكرين والباحثين في موضوع القنوات الفضائية الأجنبية الموجهة للعالم العربي أن معظم هؤلاء الكتاب يتفقون في شيء واحد وهو أن الهدف الأساسي لهذه القنوات هو دخول البيت العربي وتحسين صورة الدول المستخفية ورائها، ومحاولة تحسين صورتها لدى المشاهد العربي، بالإضافة إلى نشر الثقافات وانماط الحياة الغربية ومحاولة الدمج والاندماج مع خصوصية المجتمعات الموجهة لها.
وتبقى هذه الدراسات عبارة عن محاولات من هنا وهناك لتشريح هذه الظاهرة، ولا يزال المجتمع الأكاديمي العربي بحاجة ماسة إلى دراسات أكاديمية وعلمية حولها خاصة وأنها شكل من أشكال الغزو الثقافي الحديثة والخطيرة.  
وأخيراً لو وضعنا بروز هذه الفضائيات الأجنبية الناطقة باللغة العربية في سياقها؛ لاتضحت لنا أمور جوهرية كانت خلف هذا البروز، منها:
أولا: تذمَّر المواطن العربي من إعلامه عموما، ومن الفضائيات التي يُراد لها أن تكون تعبيرا عن واقعه أو مستقبله بوجه التحديد. بهذه النقطة، لن تجد على طول الوطن العربي من هو راض عن أداء إعلام له يبجل السلطان ويسطح القضايا، ولا يتناول الإشكالات الحقيقية، هذه الفضائيات الجديدة أتت لتملأ فراغا قائما، بصرف النظر عن طبيعة المعالجة.
ثانيا: الإعلام العربي، الأرضي منه كما الفضائي، لا ينطلق من مبدأ القرب في تناول القضايا المطروحة، ولا يستطيع أن يسبر أغوارها، بحكم الإكراهات الموضوعية المفروضة عليه من لدن النظم والسياسات الإعلامية القائمة، الفضائيات الناطقة بالعربية تستطيع ذلك إلى حد بعيد، أو لنقل تستطيع إثارتها وإبرازها على السطح، بصرف النظر أيضا عن مدى نجاحها في ذلك من عدمه.
ثالثا: تبدو هيئة الإذاعة البريطانية أو “دوتش فيلي”، بعيدة نسبيا عن حساسيات المنطقة العربية،وتحاول معالجتها ببعض “التجرد”، لكننا نتحفظ من بعض الفضائيات ذات المرجعية الفرنكفونية الخالصة المتستترة خلف هذا الشعار أو ذاك.
رابعاً: لتوضيح حدود العلاقة بين هذه القنوات وبين الأنظمة التي تموِّلها وتدعمها، قد يكون من الصعب أن يتلمس المرء بدقة حدود العلاقة بين الفضائيات ومموليها، أولا لأنه من الصعب معرفة الممول الحقيقي، ثم لأنه من المتعذر الوقوف عند الفلسفة التي يريد الممول (دولة كان أم مؤسسة أم قطاعا خاصا) أن يمررها عبر هذه القنوات.وقد يستطيع المرء إدراك ذلك مثلا، في حالة الإعلام الأمريكي أو الفرنسي، لكنه من الصعب إدراكه في باقي النظم السياسية والإعلامية، لكونها إلى حد ما حديثة العهد في سياسة بثها لجماهير واسعة، وبكل الأحوال فليس ثمة تمويل دون مقابل، إذا لم يكن ماديا مباشرا، فحتما عبر وسائل أخرى قد لا ندركها من موقعنا، لكنها قائمة بالتأكيد.
خامساً: بخصوص مستقبل هذه القنوات الفضائية الموجهة؟ وكيف يتعامل معها المشاهد العربي؟..فلو كان المقصود بمعنى التوجيه الذي تبناه “غوبلز”، فلا نتتصور أنه سيكون لها مستقبل كبير في المدى القصير والمتوسط.أما إذا كان المقصود تمرير الخطاب عبر لفه بأساليب رخوة وناعمة، لا تؤتي أكلها إلا مع مرور الزمن ودونما مصادمة كبيرة مع منظومات القيم، فنتصور أنها قد تنجح في بلوغ بعض من أهدافها…
سادساً: لا يمكن أن ننكر أن الفضائيات الغربية (بالولايات المتحدة وفرنسا والمانيا وغيرها كما في العديد من الدول الأوروبية) منحازة ضد العديد من القضايا العربية، لاسيما القضية الفلسطينية، وما مارسته من تعتيم على المقاومة العراقية وغيرها، وهذا أمر معروف بحكم تحكم اللوبي الصهيوني في الإعلام العالمي، وتوجيهه بما يخدم إسرائيل ويغبن الفلسطينيين.