نائب رئيس مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق / الاسبق
ان الديمقراطية ليست قناع تستبدله نخبة او حزب استولى على سلطة البلاد فالديمقراطيه بمفهومها البسيط هي حكم الشعب بنفسه عن طريق ممثليه الذين فازوا في الانتخابات. ولا اريد الاسهاب في موضوع معنى الديمقراطية والانتخابات لكني اريد التركيز على مستلزمات بناءها حيث أن لكل بناء اسس ومستلزمات.
وودت هنا ان ادون فقط المستلزمات التسعه التي ينظر اليها ” والتر مورفي ” بأنها اساسية يجب توافرها في اي مجتمع لنجاح الديمقراطيه فيه … ولكن يجب ان نعرج قليلاً على هذا الموضوع ونخصص شي منه عما يجري لبلادنا فيجب ان نعلم بأن تغير الحكم الفردي او الحزب الواحد ومجئ حاكم جديد لا يعني تم تحويل المجتمع الى مجتمع ديمقراطي والنظام الى نظام ديمقراطي او بناء المؤسسات الى بناء ديمقراطي فثورات الشعوب قد تغيّر الحكام و لكن لن تغير بناء تم تشيده منذ عشرات السنين و بالاخص البناء الامني و الاداري و الثقافي وما تلاها من كبت للحريات في جميع جوانبها. فقد و لّد استبداد الحاكم ثورة عارمه قد غيرت الحاكم بأيام معدودة او شهور و لكن لن تتحول هذه البلدان الى بلاد ذات طابع ديمقراطي بأقصاء الحاكم او نفيه او سجنه فكما يقول جلال عامر ” غيرنا الملوك …….. و لم نغير السلوك !!!! ” و هذا مانراه جلياً في البلاد العربية التي تشهد تحولات في انظمة الحكم او في شخص قائد البلاد او الحزب الواحد …. فنرى ان الجميع تهدف الى تغير الحاكم ولكن هذه الجموع الغفيرة التي خرجت للتغير وطالبت بالديمقراطية والحرية وانهاء الحكم الشمولي نجدها بعد سقوط الحاكم تختلف جميعها بقبول البديل وتتصور ان الديمقراطية فقط بتغير الحاكم او بأجراء اول انتخابات وقد نسيت بأن هناك اسس وقواعد للديمقراطية وبناءها السليم وان انهيار الحكام لايعني الا خطوة اولى ومهمة للتحول اذا توافرت مستلزمات التغير الديمقراطي الصحيح واذا تكاتفت جهود الجميع في المرحلة الانتقالية و جعلها سنين معدودة لاعقود تطول !!. ولابد ان نعرف بأن كل بلد له خصوصياته وما يصلح لهذا البلد لايمكن تطبيقه حرفياً في بلد اخر وهذا مانراه جلياً في البلاد الديمقراطية فكل بلد له نظام انتخابي وله قانونه الخاص فنرى دولة تكون فيها الانتخابات بدوائر متعددة واخرى في دائرة واحدة فقط , ودولة نظامها برلماني واخرى رئاسي و ثالثة مختلط , وهناك دول فيها نظام القائمه المفتوحة واخرى القائمة المغلقة …. الخ.
وكل البلدان التي ترسخت فيها الديمقراطية قد توافرت فيها مستلزمات هذا البناء ومرت بسنين طويلة حتى ترسخت جذوره وثبتت اسسه. وقد جمعها واكد على توفرها في المجتمع ”والتر مورفي ” حيث أكد على تسع مستلزمات اساسية لبناء النظام الديمقراطي الدستوري السليم وهي :-
وجود شريحة واسعة من الطبقة الوسطى متعلمة واعية لحقوقها وواجباتها في المجتمع.
اقتصاد قوي قادر على درء خطر المجاعه والحرمان المدقع للسكان.
وجود منظومة ثقافيه داعمة لقيم الديمقراطية الدستورية ومعزِزَة للمارسات المدنية المتحضرة.
وجود قوات مسلحة قادرة على التصدي للعدوان الخارجي او تلقين المعتديين والخارجي على القانون درساً لاينسى.
عدم وجود معارضة قوية للديمقراطية الدستورية في صفوف القوات المسلحة ووجوب ابداء العسكريين المحترفيين الاستعداد الكامل للتعاون مع حكومة مدنيه تتولى السلطة.
وجود عدد كافٍ من النخب السياسية المؤمنة بالعملية الديمقراطية ذات مهارات وخبرات جيدة لادارة حكومة فعّالة.
وجود وسائل اعلام مختلفة وفعالة تتيح للجميع فضح انتهاكات حقوق الانسان أو خرق بنود الدستور.
انعدام الامية مع وجود مستوى مقبول من الوعي يصلح للعمل الديمقراطي وتوفر معلومات كافيه عن متطلبات الترشيح والانتخاب.
تجانس اقتصادي وأثني وديني وثقافي مقبول يؤسس لشعب متماسك وليس لمجموعات متناحرة ضعيفه الصلات لا ان يجمعها الموقع الجغرافي فقط.
عندما نُمعِن النظر في هذه المستلزمات التي تفتقر لها الشعوب العربية عموما وطبقتها الحاكمة خصوصا وحتى قواتها الأمنية ولعض من نخبها المثقفة نجد انفسنا اننا لا زلنا في الخطوات الأولى من عمر الديمقراطية وكم نحتاج من سنين لتتبلور هذه الثقافة وتصبح جزء رصين مما نكتبه ونلمسه ونطبقه في حياتنا اليومية. قد نحتاج لعقود من السنين ان بقينا على حالة النقد وعدم تبني النخب المثقفة زمام المبادرة بالوسائل الدستورية والقانونية المتاحة لتريسخ الديمقراطية فعلى كاهلهم يقع ذلك البناء وبجهودهم نختصر المسافات وتذلل العقبات بتكاتفهم.