تتفرد مجتمعات”الدستوبيا “غير الفاضلة عن سواها من المجتمعات اﻷخرى بظاهرة مدح السراق والسفلة والانتهازيين على لسان السوقة ، إما خوفا منهم ، وإما نفاقا وتملقا ، وإما إتقاء شرهم ، أو طمعا بما عندهم ، وكلما زاد الممدوح طغيانا كلما زادت قصائد المديح والإطراء بحقه على ألسنة – اللوكية – وبناء عليه فإن كثرة المديح المتوارث بشأن شخوص سياسية معينة لهي خير دليل على إنحطاطهم وليس استقامتهم ، على جبنهم وليس شجاعتهم ، بخلهم ﻻ كرمهم ، ظلمهم لا عدلهم ، و ﻻريب ان المجتمع الذي يكثر فيه المداحون وتزدحم فيه قصائد المديح ودواوينه بحق المزيفين ومن حولهم ، مجتمع غير فاضل عموما يحمي نفسه من الظلم بالثناء على الظالم عينه والترنم بأعواده وحباله وسياطه وخوازيقه والتشفي بالمظلوم بدلا من الثورة على الواقع مدلهم الخطوب لتغييره في كل العصور !
شخصيا لا أجد حرجا من توصيف أشباه تلك المجتمعات الغارقة في العتمة والتي تتبلور في ظل انعطافات تأريخية عادة ما تعقب سقوط حضارات وتسبق نشوء أخرى بـ” عصر الكراث والفجل ” ومن صفاته وبإضاءة عاجلة لعتمته على طريقة الملا عبود الكرخي هي ” ناس بالخيام مهجِرة تتمنى بيوم يلم الشمل..وناس محمرة ومكحلة تطلع من سهرة وإطب بحفل ..آآآآه ياعصر الكراث والفجل هم الك يوم وتنتهي وتطلع علينا شمس الحرية والكرامة والعدل؟! ناس جوعانة تفتر علحاويات إدور أكل،وناس شبعانة فلوسها تلال بكد الزبل ، تحجي يكلك صاير خبل ، تسكت يلعب بذيله النذل ، هم يجي يوم و ذيل الجلب ينعدل ؟!جوقة الممدوحين واحد جوة اباطة مصلاية ، بكصته بصلاية ،والثاني مطوطح شايل بعبة بطل ، وزمرة المداحين نوبة حصار، نوبة تهجير ، نوبه نزوح ، ونوبة سحل، اييه ياعصر الكراث والفجل بيك محروم الكهربا والماي يموت بوسط السيل بليلة ظلمة بكيبل مدندل ..نتل !”.
في عصر الكراث والفجل ليس غريبا أن توجه دعوة الى ألمانيا لبناء مراكز لعلاج المدمنين على المخدرات في العراق وتأهيلهم بدلا من كبح جماح الكارثة ومطاردة تجارها ومهربيها ومروجيها ومتعاطيها قبل استفحالها اكثر وأكثر بما لا تحمد عقباه وآخرها وليس أخيرها إحباط عملية لترويج 40 الف حبة مخدرة في البصرة والقبض على تجار مخدرات لمادة الكرستال في بابل !
في عصر الكراث والفجل الاحزاب التي تزاح عن السلطة تسارع لتغيير عناوينها بهدف الوثوب اليها ثانية بما يصدق فيه قولهم ” نفس الحصان بس السرج مبدل “!
في عصر الكراث والفجل اﻷحزاب والجماعات وبعيد سقوطها المدوي وفشلها الذريع بدورة إنتخابية أو اكثر لا تحاول تصحيح أخطائها،تجاوز عثراتها ،تقويم أدائها ، تغيير قياداتها ، تحسين خطابها ، تمتين تحالفاتها ، بقدر التغني بماضيها وانجازاتها ونضالاتها وإن كانت تلكم الانجازات والنضالات مجرد حبر أحمر على ورق أصفر !
في عصر الكراث والفجل فقط ممكن ان تكشف مفوضية حقوق الانسان عن وقوع ( 132 ) حالة ومحاولة انتحار خلال 3 اشهر من عام 2019 في اغلب محافظات العراق ، سجلت خلالها كركوك 15 حالة انتحار ، فيما سجلت ذي قار(14) حالة ، أحدها تم بثها مباشرة عبر مواقع التواصل في الحلة ، وثانيها كانت لرجل خمسيني اضرم بجسده النار داخل مؤسسة الشهداء بمنطقة الجادرية وقيام الموظفين والمراجعين بأطفاء النيران المشتعلة في جسده ، ليقصم معهد غالوب ظهر البعير بإحصائية تقشعر لها الابدان مفادها ، ان ” العراق يحتل المركز الرابع عالميا بنسب الانتحار بسبب الكآبة والحزن والقلق ! والاغرب هو ان يكون الحل – الكراثي والكارثي – ببناء أسيجة حول الجسور لمنع المنتحرين من إلقاء أنفسهم في النهر ، وبدلا من ترفعوا أسيجة الجسور لمنع حالات الإنتحار ، إرفعوا سقف اﻷمل وردوا للمواطن العراقي إستحقاقه من خيرات بلده وبعض الإعتبار !
ومن مفارقات عصر – الفجل – أنني كنت في طريقي الى شارع حيفا قادما من المنصور لبعض شأني وبعد أن تشرفت برؤية اكبر عدد من المجانين والمعتوهين المساكين الذين يذرعون الشوارع أسوة بالمتسولين والمشردين احدهم – يعشق شرب الشاي بمعدل 3 اكواب كل 15 دقيقة – واخرى تفترش رصيف العلاوي وتسند ظهرها المحني الى جدار المتحف الوطني الذي يضم اثارا ترجع الى 7 الاف عام في عمق التأريخ – سرقت 16 الف قطعة منها ابان الاحتلال الاميركي الغاشم للعراق – اعيد 6 قطعة الاف منها ، بعضها – جبس وبورك -فيما ظلت الباقية في ضمير الغيب بإنتظار العودة الميمونة – بصندوق طماطة – كما هو الحال مع رأس سنطروق الاول (ثاني ملوك مملكة الحضر ) الذي اعيد قبل سنوات بإحدى صناديق الطماطة المستوردة من بيروت بعد تهريبه الى هناك ، ربما ﻷن سنطروق هذا قد هزم الفرس والروم ذات يوم ومعلوم ان أي قائد عربي هزم هاتين الدولتين ذات صباح فإنه سيظل يلعن في كتبهم عبر التأريخ ، وسيبقى هدفا ومرمى لسهامهم ما تعاقب ليل ونهار ..مررت بعربة لبلبي واذا بأمرأة محجبة تقف للعمل عليها في منظر هو اﻷول من نوعه في حياتي كلها اذ لم يسبق لي أن شاهدت منظرا كهذا تعتصر له القلوب ألما وتذوب لهوله الإفئدة كمدا وأنا – عاشق اللبلبي – والزبون الدائم لجل عرباته في رصافة بغداد من دون مبالغة ..محجبة تبيع اللبلبي بعربة خشبية وسط الشارع؟ لعلها ارملة ، لعلها مطلقة ، لعلها عانس ، لعلها مهجرة ، لعلها نازحة تريد أن تكفي نفسها وعيالها بالحلال ، تدفع إيجارها ، مصاريفها ، علاجها ، كهرباءها ، مواصلاتها ،تحفظ عفتها وكرامتها مترفعة عن ذل السؤال .. مشهد مؤلم كهذا يجعلني – أنا المعلم على الصدعات قلبي – لا اقول أصاب بالاحباط ذاك أن الإحباط والقلق أصبح عند العراقيين مرضا مزمنا وغير قابل للشفاء على ما يبدو ، ومتلازمة تكاد تلازمهم طوال حياتهم البائسة ولاتفارقهم بفعل توسيد اﻷمر الى غير اهله على الدوام وتبادل اﻷصنام للمسؤولية منذ قرون ما دفعني الى اعادة حساباتي في كثير من الامور وفي مقدمتها منع نفس من محاولة التصديق بوجود سياسي حريص على ابناء جلدته طائفته وقوميته على وجه الارض اﻻ ما رحم ربك وقليل ماهم !”.
عذرا اختاه فإن الرجال قليل وان الذكور واشباه الرجال في عصر الكراث والفجل كثير !اودعناكم اغاتي