بين الحين والآخر يتحدث البعض من مثقفي الأسلام السياسي، وعلى مواقع التواصل الأجتماعي، عن أنتشار ظاهرة الألحاد بالعراق، متهمين الحزب الشيوعي بذلك!، بأعتبار أن موضوع الألحاد يدخل ضمن فلسفة الحزب الفكرية وأيديولوجيته.
ولو أن هذا الفهم عن فكر الحزب الشيوعي فيه مغالطات كثيرة! لا مجال لتوضيحها هنا، وليس دفاعا عن الحزب الشيوعي العراقي فأن الحزب الشيوعي بريء من مثل هكذا تهمة براءة الذئب من دم بن يعقوب!، وبتعريف بسيط وبعيدا عن أية مفاهيم ونظريات فيزيائية عن ماهية هذا الكون وتكوينه ووجوده، فالألحاد يعني عدم الأيمان بالله.
والسؤال هو : هل أنتشرت ظاهرة الألحاد بين بعض العراقيين فعلا وباتوا لا يؤمنون بالله؟ وهل جاء هذا الألحاد الذي يتحدث عنه البعض من مثقفي الأسلام السياسي، عن ثقافة وفهم وعن أطلاع وقراءة للفلسفات والنظريات التي كتبت في هذا المجال وعن كيفية وجود هذا الكون العظيم؟
وهل هذا الألحاد منتشر بين جميع شرائح المجتمع؟ أم فقط بين شريحة المثقفين؟ أم أنه لا توجد مثل هذه الظاهرة أصلا بين الشعب؟ أم أن الأمر لا يتعدى كونه تساؤل بسيط وبريء، جاء على لسان الكثير من العراقيين، بسبب ما جرى ويجري في العراق من ظلم كبير منذ 2003 ولحد الآن،
والتساؤل جاء بعبارة (أين الله من كل ماجرى ويجري بالعراق؟) ، ولا أدري كيف يتحول مثل هذا السؤال البريء والعفوي الى كفر وألحاد بنظر البعض من مثقفي الأسلام السياسي؟!.
في حقيقة الأمر أن الفقر هو رديف الكفر وقرينه، وصدق الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري (رض) عندما قال (أذا ذهب الفقر الى بلد قال له الكفر خذني معك)، كما وأننا كثيرا ما نسمع دعاء (اللهم أني أعوذ بك من شر الفقر والكفر).
فالفقر هو الذي يولد الكفر، وهو أساس كل الجرائم!، وصدق الأمام علي (ع) عندما قال (لو كان الفقررجلا لقتلته)، فما بالك أذا أقترن مع الفقر المرض والجهل والظلم والخوف والفساد كما هو واقع وموجود في العراق والذي يعاني منه الكثيرين!.
فمن الطبيعي أن الأنسان الذي يقع تحت سطوة كل هذا ستهتز لديه الكثير من القيم السماوية والدينية!، خاصة أذا طال أمد ذلك!، وبعد أن يتيقن بأن ما هو فيه من فقر ومن ضيم هو بسبب الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق من بعد 2003 ولحد الآن وليس من الله!.
الذي نريد أن نقوله هو أن الأنسان مهما بلغ من أيمان ومن قوة وتحمل وصبر على الضيم والملمات، فأنه يبقى في الآخر محدود القابلية في كل تلك الصفات، لكونه انسان عادي، وليس نبيا أو أماما!.
ولا يخفى على أحد بأن الأمريكان عندما أحتلوا العراق في 2003 عرضوه، في المزاد السياسي العالمي والأقليمي والعربي بثمن بخس!، وفتحوا كل ابوابه أمام العالم للتدخل في شأنه كل حسب مصالحه، ولنهب ثرواته وخيراته، ولم يكتفوا بذلك بل عملوا على تدميركل شيء فيه الحجر قبل البشر ولازال منهاج تدمير العراق مستمرا وحسب ما مرسوم ومخطط له!.
ومن الطبيعي أن سياسة الفوضى الخلاقة التي أنتهجتها أمريكا وبريطانيا وباقي دول الغرب ومعهم دول الجوار والدول الأقليمية للعراق منذ 2003 ولحد الآن ، أدت الى خلق المزيد من الأزمات حتى أصبح حلها شبه مستحيل أن لم يكن مستحيلا!.
فالعراق الآن في ظل الأحتلال الأمريكي له ومن خلال تدخل الدول الأقليمية المجاورة له في شؤونه الداخلية يعد البلد الأول عالميا في الأزمات! بدأ من البطالة ومرورا بالفقر والجهل والتخلف والأمراض والسكن والمرور و و و و وأنتهاء بأزمة الفساد التي كانت السبب وراء كل هذا الخراب الذي حل بالعراق!، فكل شيء في العراق هو أزمة، وكل أزمة تجر ورائها أزمة، حتى أصبح البلد الأول عالميا في كثرة أزماته!!.
ومن الطبيعي أن كل هذه الأزمات أدت ليس لتدمير وأنهيار الوضع السياسي والأقتصادي والأجتماعي فحسب بل أدت الى تدمير وأنهيار المنظومة الفكرية والأخلاقية للأنسان العراقي وهذا هو عز الطلب وهذا هو ما مطلوب من قبل أعداء العراق من الداخل والخارج!.
أن غالبية العراقيين مصابين بالأحباط ليس بسبب من سياسة الاحزاب والطبقة السياسية التي قادت البلاد من بعد 2003 ولحد الآن، والتي أدت الى كل هذا الضياع والخراب والدمار العميم فحسب، بل من اليأس من أن أصلاح الأمور بات أمرا مستحيلا!.
أن مشهد العراق هذا المأزوم بالظلم وغياب القانون، وضعف هيبة الدولة وضياع أبسط الحقوق للأنسان ، أدى الى أهتزاز القيم السماوية والدينية لدى الكثير من العراقيين، ولم يعد ينظروا الى الكثير من المقدسات و الرموز الدينية بنفس النظرة السابقة!، وهذا بالتالي أدى الى ضعف الأيمان الديني لديهم بشكل عام!.
وما أدل على ما نقول هو، ذلك المشهد الذي نقلته أحدى الفضائيات، قبل سنوات، عن رجل كبير في السن من أحدى قرى محافظة ميسان وهو يقول بلهجة أهل الجنوب السيطة الدافئة ( جا لا ماي عدنا ولا كرهباء جا شلون؟، نظل نتاني علما يطلع المهدي!).
طبعا هذا الرجل يتكلم بكل بساطة وبالفطرة وهو يخاطب الحكومة ورجال الدين مطالبا أياهم بتوفير الماء والكهرباء له بعد أن سئم الأنتظار والوعود الكاذبة، فلم يعد يطيق التحمل والصبر على هذا الضيم فقال ما قال بعد أن أهتز وضعف أيمانه بالمقدسات والمفاهيم التي كان يؤمن بها منذ أن كان طفلا!.
أن ضعف الأيمان وأهتزازه لدى العراقيين قلة كانوا أم كثيرين، جاء بسبب المشهد الآخر الذي يرونه ويسمعون به ويعيشونه يوميا، والمتمثل بوجود طبقة من السراق والأفاقين والكذابين والمنافقين والوصوليين والأنتهازيين والفاسدين من سياسيين وغيرهم، ممن نهبوا كل ثروات البلاد وفصلوا الأمور حسب مقاساتهم ومصالحهم الشخصية والحزبية.
أن وجود مثل هذه الشريحة والطبقة السياسية التي أثرت وأغتنت وأتخمت بطونها من السحت الحرام وعلى حساب جوع العراقييين وفقرهم، وعدم وجود الحساب الدنيوي لهم المتمثل بأجهزة الدولة الرقابية وبالقضاء، وكذلك تأخر الحساب الألهي عليهم!، هو الذي أثار تساؤلا لدى الكثير من العراقيين وهو: أين الله من كل ما يجري بالعراق؟،
والى متى ستدوم هذه الحالة؟ وهل سيبقى الظالم سالم وكذلك السارق والناهب والفاسد؟ وهل ستبقى( عتبة الكافر من ذهب)، كما في أمثلتنا الشعبية الدارجة؟، ولماذا كل الفاسدين ومن سرقوا ونهبوا وفسقوا سالمين غانمين بما سرقوا، لا يأتيهم الهم ولا الغم ولا المرض ولا القلق من يمين أو شمال، هم وعوائلهم وبعد أن أمنوا لهم عيشا رغيدا آمنا، في دول العالم وفتحوا لهم الحسابات والأرصدة في كبريات البنوك العالمية، كله وجله من السحت الحرام!!.
في حين أن أكثر من 30% من الشعب العراقي يعيشون بالعشوائيات وتحت خط الفقر!، وفي عيشة ضنكى من العوز والحاجة وبعد أن عز عليهم حتى رغيف الخبز!، منتظرين أن يلتفت أليهم الله بشيء من رحمته بعد أن أصابهم اليأس والأحباط من أن الدولة ممكن أن تعطيهم ولو الشيء البسيط من حقوقهم الأنسانية؟، كما انهم لم يجدوا جوابا وتفسيرا مقنعا! عن معنى صبر الله على الفاسدين والضالمين الى كل هذا الحد؟ ومتى سينتقم الله منهم ليعتبر الآخرين؟، فصرخاتهم كانت بحق صرخات مظلومين ونداء أستغاثة الى الله!،
كل هذا وغيره الكثيرمما جرى ويجري، هو الذي أثار تساؤلا لدى الكثير من العراقيين وهو: أين الله من كل ما جرى ويجري بالعراق؟ لأن الله هو الحق وهو العدل وهو الرؤوف بعباده وأليه ترجع الأمور.
نعود الى صلب الموضوع، فأنتشار ظاهرة الألحاد على حد زعم بعض من مثقفي الأسلام السياسي، سببه ليس أيمانا بالنظريات والفلسفات التي كتبت وتناولت موضوع خلق الأنسان ووجوده وخلق الكون، ولا بسبب الحزب الشيوعي العراقي(المكرود)!،
بل هو تساؤل بريء ومشروع! ( أين الله من كل ماجرى ويجري بالعراق منذ 2003 ولحد الآن) وهذا لا يدخل ضمن مفهوم الألحاد لا من قريب ولا من بعيد!، كما أن هذا التساؤل جاء بسبب تأخر الأقتصاص الدنيوي والسماوي من الفاسدين كما ذكرنا سابقا!( لا الله اخذ حق المظلوم ولا بنيادم) كما يقال في لهجتنا الدارجة.
ومن الطبيعي أن سبب كل هذا التساؤل هو الحكومات التي قادت البلاد من بعد 2003 ولحد الآن والتي لم تقم العدل ولا تعيد للمظلوم حقه حيث لم تكن على مستوى المسؤولية والطموح والأمل مع الأسف .
وأعتقد أن السؤال( أين الله من كل ما جرى ويجري بالعراق)، هو ليس كفرا ولا ألحادا، وقد بات ينتشر أكثر واكثر بين العراقيين كلما ازداد حجم الظلم وضاعت الحقوق. ولله الأمر من قبل ومن بعد.