19 ديسمبر، 2024 12:56 م

الإسلام بين بين المساواة والتسايد

الإسلام بين بين المساواة والتسايد

وعودا إلى مبدأ المساواة بين الناس، فهنا أيضا نجد مبادئ تُثَبَّت، ثم تنقضها التفاصيل والتطبيقات. فمثلا نقرأ في الحديث النبوي «لا فَضلَ لِعَرَبِيٍّ على أَعجَمِيٍّ، وَلا لأَبيَضَ على أَسوَدَ إِلاّ بِالتَّقوى»، كما نقرأ «النّاسُ سَواسِيَةٌ كَأَسنانِ المِشطِ»، وهذا تأييد لما ورد في القرآن كنص «وَجَعلَكُم شُعوباً وَقَبائلَ لِـ[ـتَـ]ـتَعارَفوا؛ إِن أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقاكُم». ولكن سرعان ما يُنقض هذا المبدأ بنص «كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاس»، بالرغم من أن القرآن يدين دعوى اليهود بأنهم وحدهم أولياء الله وأحباءه، وذلك في أكثر من نص، نذكر منه ما جاء في سورة الجمعة: «قُل يا أَيُّهَا الَّذينَ هادوا إِن زَعَمتُم أَنَّكُم أَولِياءُ للهِ مِن دونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوتَ إِن كُنتُم صادِقينَ». ولدينا أيضا من نصوص الحديث، وآراء الفقهاء وأئمة المذاهب، ما ينقض مبدأ المساواة، فالمسلمون هم سادة الشعوب، كما في النص آنف الذكر أو في «وَكذلِكَ جَعلناكُم أُمَّةً وَّسَطًا لِّتَكونوا شُهَداءَ على النّاسِ»، كما لا يُكتفى بتسييد المسلمين على كل الشعوب، بل يتواصل سُلَّم التفاضل، بِعَدّ العرب سادة المسلمين، وقريش سادة العرب، وبني هاشم سادة قريش، وأبناء عليّ وفاطمة عند الشيعة سادة بني هاشم، وتتواصل نصوص التسييد، فمحمد سيد المرسلين وسيد الخلق أجمعين، وفاطمة سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، والحسين سيد الشهداء.

أرجع وأقول لا اعتراض على كل ذلك، لو ثبت لنا أن الإسلام هو دين الله، وإن هذا التفاضل والتسايد، إنما هو بقرار من الله، وفقا لمعايير إلهية لا تخطئ موازين العدل ومعايير القسط، ولكن إذا ما وصلنا إلى قناعة بأن الإسلام هو بشري الابتكار والابتداع، يكون من حقنا أن نطرح السؤال، من أين جاء واضع هذه النصوص بهذه البديهية النهائية في وضع سلم التفاضل والتسايد الذي وضعه، أو ما وضعه منه تابعوه من بعده، مستوحين وضعهم مما أسسه باجتهادهم، سواء أصابوا فاستحقوا الحسنتين، أو أخطأوا فاستحقوا حسنة الاجتهاد، دون حسنة إصابة الصواب، حتى لو كلف اجتهادهم بحارا من دماء.

أحدث المقالات

أحدث المقالات