17 نوفمبر، 2024 7:41 م
Search
Close this search box.

تركيا وجرائم الإبادة الجماعية بحق الأشوريين والأرمن بين الذكرى والتذكير

تركيا وجرائم الإبادة الجماعية بحق الأشوريين والأرمن بين الذكرى والتذكير

في الرابع والعشرين من نيسان الحالي تمضي على الأمة (الأشورية) و (الارمنية) أكثر من مائة عام على مذابح عام 1915 التي راح ضحيتها الملايين من أبنائهم على يد الدولة التركية ( العثمانية ) الغاشمة، اثر إعلانها الجهاد بنزعة دينية عرقية عنصرية ضد المسيحيين (الأشوريين) و(الأرمن) ومن (اليونانيين)، حيث تم سفك دماء الملايين من الأبرياء العزل بدون رحمة و ضمير؛ مستعملين أبشع أساليب القتل والتنكيل التي لم ينجو منها حتى الأطفال الرضع، فاستباحوا أعراض النساء وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الصغير قبل الكبير في مجازر لم يعرف التاريخ الحديث مثيلا لها، ويكفى مشاهدة ألاف الصور الموثقة على مواقع الانترنيت لتلك الجرائم القذرة التي ارتكبها الأتراك بحق (الأشوريين) و(الأرمن) أن ندرك حجم الكارثة وهول المأساة التي حلت على هؤلاء الأبرياء، حيث التهجير والتشريد مئات ألألوف في أبشع عملية التهجير والاستيلاء على أراضي وممتلكات المسيحيين و لينشروا هؤلاء (العثمانيين) الأوغاد الخراب والدمار في كل مناطق (الأشوريين) و(الأرمن) التي اجتاحوها ومارسوا شتى أنواع التدمير والنهب والتخريب والقتل والاغتصاب والسبي بحقهم .

لقد مر على (الأشوريين) و(الأرمن)، و قبل مذابح عام 1915 فترة عصيبة – والتي مهدت لها – ما بين عام 1894 و 1896 وهم تحت كنف الدولة (العثمانية) المريضة؛ حيث فرضوا عليهم خوض صراعا مريرا ذاقوا الذل والهوان بمجاز التي نفذها السلطان المجرم (عبد الحميد) ضد (الأشوريين) و(الأرمن) في عام 1896 والتي أودت بحياة أكثر من مائتي ألف شخص، هذه المجزرة التي اقترفها (الأتراك) كانت تمهيدا لتمادي في جرمهم أكثر في ظل حكومة (تركيا الفتاة) عام 1915.

فالأسلوب القذر واضطهاد الذي مارسته الدولة (العثمانية – التركية) لشعوب الخاضعة لسيطرتهم من (الأشوريين) و(الأرمن) والمسيحيين (اليونان) و ممارساتهم القمعية والتميز العنصرية أدى إلى نمو الوعي القومي والفكر السياسي الوطني للشعوب المظلومة ليس في (تركيا) فحسب بل امتد تأثيره إلى عموم منطقة الشرق الأوسط؛ فاخذ المثقفون والمفكرون في عموم الشرق من المسيحيين العرب والعرب المسلمين الخاضعين للسلطات العثمانية؛ بإنشاء حركات التحرر وتأسيس أحزاب وطنية التي طالبت وناضلت من أجل التخلص من وطأة حكم (الأتراك – العثمانيين) وبدأ يتصاعد النضال التحرري والكفاح المسلح لهذه الشعوب، خاصة لدى (الآشوريين والأرمن) الذين عانوا الأمرين من سطوة (العثمانيين – الأتراك) عليهم، دينيا وقوميا، ونتيجة لهذا السبب دفع (العثمانيون – الأتراك) حينما أحسوا بتفاقم الأوضاع الأمنية في (( 24 نيسان من عام 1915 )) للقيام بحملة اعتقالات وإعدامات لرواد الفكر القومي (الأشوري) و(الارمني) وبحق رموز النضال التحرري و القيادات الدينية، حيث بدءوها من داخل حدود (تركيا) قبل بلدان (الشرق الأوسط) ، ولكل الذين دعوا إلى تحرير الشعوب المظلومة من حكم (الأتراك)، فتم نفيهم إلى داخل (الأناضول) وهناك تم تصفيتهم .

فبعد إن تغيبت القوة السياسية والإدارية والفكرية المسيحية (الارمنية) و(الأشورية) الفاعلة، وأصبح المسيحيون بلا حماية، بدأت الخطوة التالية في تنفيذ خطة الإبادة الجماعية بالأهالي عبر عمليات ترحيل (الأشوريين) و(الأرمن) في قوافل جماعية سيرا على الأقدام، قسم باتجاه (روسيا) والأخر بالاتجاه (إيران) والثالث إلى (بلاد الشام)، وبهذه الممارسات القمعية برهن قادة الحزب التركي (الاتحاد والترقي)، حجم أحقادهم وتعصبهم الشوفيني ضد الأديان والقوميات الأخرى، فبعد إن قام حزب (الاتحاد والترقي) بحركة الانقلابية عام 1908 ضد السلطان (عبد الحميد) والذين حكم تركيا بين عامين 1908 و 1918، وهي الجهة المسئولة عن عمليات الإبادة الجماعية سنة 1915، فبنزعتهم العنصرية أمروا الجيش (التركي) بتجريد كافة الجنود المسيحيين من (الأشوريين) و (الأرمن) من سلاحهم ورتبهم العسكرية والذين كانوا يخدمون في الجيش (التركي)، فكونوا منهم طوابير للخدمة العمل الشاق أي بما يسمى (فرق السخرية) التي أجبرت على تعبيد الطرق وبناء الجسور ومد الخطوط الحديدية، في وقت الذي قطع عنهم الأرزاق وتناول الغذاء أو شرب ماء، وبعد إن ينهوا أعمالهم ينفذ الجيش أوامر حكومته بقتلهم جميع، هذه البربري نسقت بأوامر وتنفيذ ما بين (طلعت باشا) وزير الداخلية (التركية) والمسئول عن المدنيين، وبين (أنور باشا ) وزير الدفاع (التركي) والمسئول عن طوابير السخرة، وبالطبع نالت المجاعة والأمراض قسطها من الضحايا لتزيد من عظمة المأساة، ونتيجة لهذا الأوضاع والظروف الشاذة قضي على ألاف المؤلفة من (الآشوريين) و (الأرمن) و من الأقليات المسيحية الأخرى مثلا (اليونان) و(الروم) ممن كان يخدم في الجيش (التركي) ليقوم بعد ذلك هذا الجيش الغاشم بتنفيذ مجازر بحق المدنين من الأسر (الأشورية) و(الأرمنية) .

لقد بدأت عمليات المجازر وإبادة بحقهم منذ (( 24 نيسان من العام 1915)) ولعامين كاملين بعد انتهاء (الحرب العالمية الأولى)، ليتم تسجيل أسوأ فصل من فصول التاريخ في تاريخ الدولة (التركية) بارتكابها أبشع جرائم التاريخ في إبادة (ألأرمن) و(الأشوريين) في (تركيا) ولأسباب دينية وقومية – كما ذكرنا سابقا – فقد أعطى( طلعت باشا ) وزير الداخلية حينذاك الأوامر ببدء المجزرة، بناء على قرار من حكومة (الاتحاد والترقي) التي أصدرت إنذارا لجميع أفراد الشعب (ألأرمني) و(الأشوري) المسيحي بلا استثناء من المقيمين في (الأناضول) الشرقية، والبالغ عددهم أكثر من مليونين نسمه، بمغادرة منازلهم خلال 24 ساعة وإلا تعرضوا لعقوبة الإعدام، فقد أدين جميع (الأرمن) و(الأشوريين) المسيحيين في بيان للحكومة (التركية) بأنهم أعداء داخليين خالفوا القوانين وقاموا بالتسلح بقصد الثورة ومساعدة الجيوش (الروسية) التي تخوض حربا ضد (تركيا)، فالحكومة قررت معاقبتهم وسوقهم إلى ولايات (الموصل) و(دير الزور) و(حلب) لإسكانهم فيها حتى تضع الحرب أوزارها.

وهكذا فان البيان – عمليا – شرع للإبادة الجماعية، فعند خروج العائلات المسيحية من منازلهم وهم في طريقهم إلى المنفى – ( وهذه الوقائع كلها موثقة ومصورة يمكن الاطلاع عليها بمواقع الانترنيت ) – تم قتل جميع الرجال الأصحاء وسبي النساء وترك الباقي للجوع والعطش يرحلون لمئات الكيلومترات في مناطق صحراوية وجبلية وعره، كانت النساء تضطر للتخلي عن الأطفال الصغار الرضع لمساعدة أبنائهم ممن يستطيعون السير؛ فكانوا يتركون أطفالهم تحت الجسور وعلى الطرقات ونظرات الحزن لا تفارق أوجه تلك الأطفال التي تركت لمصيرها المحتم وهو الموت، وقد شارك في هذه الإبادة المروعة، إلى جانب القوات النظامية (التركية)، بعض من عشائر (الكردية) بتأثير التحريض العنصري الطائفي وبطمع الاستيلاء على ممتلكاتهم (الأشوريين) و(الأرمن)، مما أدى إلى قتل وموت (مليونين ونصف مليون من ألأرمن والأشوريين) أي ثلاثة أرباع الشعب (ألأرمني) و(الأشوري) المقيمين في (تركيا) منذ آلاف السنين، أما الناجين من الكارثة فقد توزعوا في الشتات في الدول القريبة والبعيدة .

ونظرا لبشاعة المجزرة وارتفاع عدد الضحايا اثأر سخط الدول الغربية التي أدانت هذه التصرفات وطلبت من (تركيا) توضيح الأمر وإيقاف جميع الإجراءات القمعية فورا؛ وعكسه فإنها ستقوم باتخاذ ما يلزم، مما أسرعت (تركيا) توضيح موقفها بالادعاءات كاذبة لتبرير جرائمها بكون (الأشوريين) و(الأرمن) قد انضموا في الحرب إلى جانب (روسيا)، وهذا أمر يشكل لها خطرا؛ وحفاظا على امن وسلامة الدولة فان (تركيا) اتخذت هذا الإجراء ضدهم، ولكن الحقيقة (التركية) هي أن (الإبادة الجماعية) كانت خطة مبيتة منذ عهد السلطان (عبد الحميد)، مما اضطر (الأشوريين) و(الأرمن) آنذاك طلب الحماية (الروسية) التي تلت مجازر السابقة ولم تكن سببا لها، فبين عامي 1894 و1896 اندلعت مجازر ضد (الأشوريين) و(الأرمن) بحجة سعيهم للاستقلال الذي سبقهم إليه (اليونانيون) و(البلغار) في (البلقان)، وكان يمكن لعدد القتلى في هذه المجازر أن يتجاوز إلى ربع مليون إنسان لولا تدخل الدول الكبرى الأوروبية لمنع استمرارها، ومع ذلك لم يتغير شيء بعد خلع السلطان (عبد الحميد) عام 1909 ومجيء سلطة (الاتحاد والترقي) التي اتبعت سياسة الـ(تتريك) المتطرفة تجاه جميع المكونات من القوميات والديانات الغير التركية – الإسلامية، والتي رأت بان (الأشوريين) و(الأرمن) هم أكبر عقبة أمام قيام دولة (تركيا) خالية من الوجود (المسيحي)، وأن التطهير العرقي هو أفضل طريقة للوصول لهذا الهدف، فنال (الأرمن) و(الأشوريين) في أول أعوام حكم (الاتحاد والترقي) حصتهم في مجزرة ( أضنه)، وصل عددهم إلى ثلاثين ألف قتيل، مما أدى لتدخل الدول الأوروبية لوقف الإبادة الجماعية، ألا أن جهودها تعطلت بعد اندلاع (الحرب العالمية الأولى) عام 1914 ، لتستمر المذابح والمجازر الجماعية وإذلال (المسيحيين) وإبادة وجودهم من (الإمبراطورية العثمانية) والتخلص من مشكلة وجودهم كقضية قومية ودينية .

وبعد تنفيذ سياسة التطهير العرقي بحق (الآشوريين) و(الأرمن)، قامت حكومة (تركيا الفتاة) بإسكان (الأكراد) و(الأتراك) في مناطقهم وأماكنهم، وفي الأجزاء الخاضعة للحكم (العثماني) من (أرمينيا) و(بلاد ما بين النهرين – العراق)، حيث تم تغير أسماء المدن والقرى، وقاموا بهدم الكنائس والمدارس والأديرة وحولوها إلى جوامع، وإذا قارنا الخارطة الديمغرافية للمناطق (الأشوريين) و(الأرمن) قبل مذابح عام 1915م وبعدها؛ سنكتشف هول الكارثة وحجم المأساة التي حلت بالشعبين (ألأرمني والآشوري)، بكون حكومة ( تركيا الفتاة) عبر أساليبها القمعية من القتل والإبادة استطاعوا إزالة (الآشوريين) و(الأرمن) من حدود إمبراطوريتهم الغاشمة وتدمير أصالة هذين الشعبين التاريخية فيها، وتحريف خارطة المنطقة جراء مذابح (الإبادة الجماعية) التي نفذتها القوات (التركية) عام 1915 بحق (الآشوريين) و(الأرمن) والتي تشير إلى القتل المتعمد والمنهجي من قبلهم خلال وبعد (الحرب العالمية الأولى)، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل والترحيل ألقسري في مواكب النزوح الجماعية والسير مشيا على الإقدام أميال وأميال في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة اكبر عدد من المبعدين، حيث يقدر الباحثين بان أعداد الضحايا الأرمن تتراوح ( ما بين 2،5 مليون نسمة وعدد الأشوريين بحدود 750 ألف نسمه)، والتي تعتبر من أبشع جرائم البشرية مرتبكة في تاريخ المعاصر بحجم الكارثة الإنسانية وثقل جريمتها وبأعداد القتل التي وصلت إلى حدود ( ثلاثة مليون) نسمه ، نعم (ثلاثة مليون نسمه)، تم إبادتهم بأبشع طرق وبوسائل التنكيل الجماعية .

ونتيجة لسوء التصرف و وحشية الدولة (التركية – العثمانية) باتجاه (الآشوريين) و(الأرمن) وما جرى لهم من ويلات ومآسي؛ هو ما جعل الحلفاء (إنكلترا وفرنسا وروسيا) في 16 أيار عام 1916 وضع مسودة صيغة لاقتسام الدولة العثمانية (الرجل المريض)، عرفت بمعاهدة ( سايكس بيكوا ) بين ممثل بريطاني ( السير مارك سايكس) و مثل فرنسا (مسيو جورج بيكو)، والتي ظلت سريه لغاية عام 1917حين قيام الثورة في (روسيا)، وقد تحدد أهداف الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وروسيا) ضد (العثمانيين وألمانيا) من الحرب والأسباب موجبه، وهنا نقتطف من المعاهدة الفقرة التالية التي تتناول القوميات من رعايا (الإمبراطورية العثمانية) ما يلي:

((.. نظراً لسوء إدارة الأتراك لرعياهم من الشعوب الأخرى والمجازر الرهيبة التي ارتكبوها ضد الأرمن والأشوريين خلال السنوات الأخيرة، فإن الحلفاء والقوى المرتبطة بها وافقت على وجوب اقتطاع أرمينيا وسورية وبلاد مابين النهرين وشبه الجزيرة العربية بصورة نهائية عن الإمبراطورية العثمانية التركية..)) .

ومع ذلك فقد ظلت مأساة الشعبين (الآشوري) و(ألأرمني) على فظاعتها وأحداثها المروعة لعقود طويلة طي النسيان والكتمان من قبل المجتمع الدولي، و لكن مع ازدياد الاهتمام الدولي في قضايا الشعوب المظلومة والجرائم الإنسانية التي اقترفت بحقها، تم تأسيس العديد من المحاكم الدولية من أجل هذا الغرض، منها (محكمة الجزاء الدولية) في كانون الثاني من عام (2001) المختصة بجرائم (الإبادة الجماعية)، و(الجرائم ضد الإنسانية)، و(جرائم الحرب)، والتي بدأ تنظر بهذه الملفات نتيجة الفعاليات السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية التي يقوم بها (الأرمن) و(الأشوريين) في شتى إنحاء العام لتحريك قضية مذابح عام 1915 في (تركيا) على الساحة الدولية وعرض ملف هذه القضية على المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والشعوب والبرلمانات الأوربية، وعليه فقد ناقش (الكونكرس الأمريكي) عام2000 قضية مذابح (الأرمن) عام1915 في (تركيا)، وبعدها أقرت الجمعية الوطنية (الفرنسية) بمسؤولية (تركيا) عن المذابح، وفي (السويد) تم مناقشة قضية مذابح (الآشوريين) في تركيا في أكثر من جلسة، كانت أخرها في آذار 2002 ونسبة المؤيدين هي في ازدياد مستمر في داخل البرلمان (السويدي) .
لقد مضى عن( 24- نيسان 2015 ) أكثر من قرن كامل من الزمن على ((المذبحة الكبرى- مذابح عام 1915 )) أكبر مذبحة في التاريخ البشري الحديث التي ارتكبها الأتراك ضد (الأشوريين) و(الأرمن)، ومع بشاعة تلك الجرائم مازالت (تركيا) تتشبث بعنجهيتها وعقليتها الشوفينية التي خططت ونفذت المذابح الجماعية بحق المسيحيين و تسيء التصرف لكل من يحاول فتح هذا الملف .

نعم إن أكثر من قرن كامل مضى على مذابح المسيحـيين (الأشوريين) و(الأرمن)، التي وصفها الكثير من الباحثين والمؤرخين العالميين و بينهم (أتراك) أنفسهم، بأنها كانت جرائم (التطــهير العرقي)، وهي ما زالت حيـة محفـورة في الذاكـرة التاريخـية (الأشوريين) و(الأرمن)، ولعـموم مسيحيي المشرق، حيث يحيون ذكراها في 24 من نيسان من كل عام، لتذكير العالم بها وتجديد المطالبة بالضغط على الدولة (التركية) وريثة الإمبراطورية الرجل المريض الدولة (العثمانية) وإرغامها على الاعتراف بالمذابح وتحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية تجاه ضحايا المذابح وتعويض المتضررين وإرجاع المسيحيين من (الأشوريين) و(الأرمن)، إلى أراضيهم و قراهم، فسكوت العالم الحر على تلك الجرائم الفظيعة، دون محاسبة رادعة شجع وسيشجع الأنظمة العنصرية والفاشية على ارتكاب مثل تلك الأعمال البربرية بحق الشعوب المستضعفة .

فبعد أكثر من مائة عام من تلك الجرائم في إبادة المسيحيين من (الأشوريين) و(الأرمن)، ها اليوم تأتي ذكرى تلك المذابح وسط استـمرار مشـاعر القلق والخوف من إن يعاد التاريخ نفسه لحصول مذابح جديدة شبيهة بتلك المذابح بحـق مسيــحيي (الأشوريين) و (الارمن) في العراق و(سـوريا) و(مصر)، هذه المخاوف تعود بشــكل أساس إلى الدور (التــركي) الخطير الذي يتجدد اليوم في دعم فصائل من المجرمين الخطرين لإقامة (الدولة الإسلامية) في العراق وبلاد الشام والتي أصبحت تعرف بـ(دولة الدواعش )، لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط ولإعادة الخلافة الإسلامية وطرد المسيحيين منها بدعم وتمويل (التركي) وبعض أقطار الخليج، و يبـدو أن (العثـمانيـين) الجدد من ( الدواعش) الذين هم أذيال في حكومة (حزب العدالة والتنمـية) الإسلامية الحاكمة في تركيا، والذين يجـدون في ظروف الحرب (سوريا) الراهنـة الفرصة التي لطالما انتـظروها لإخـلاء الجـانــب (السـوري) من الحــدود المتاخمة لها من (الآشورييــن) و(الأرمـن) من جهة، ومن جهة أخرى توسيع نفوذ الإسلاميين المتطرفين في (سوريا) و(العراق)، وفي إطـار تنـفيذ هـذه الأجندة (التركية) يندرج غزو المجموعـات الإسلامية المتـشدد في الشهر شباط و آذار ونيسان من عام 2015 لمنطقة ذات الغالبية (الآشورية) و(الأرمـنية) في منطقة (فيش خابور) و(قامشلي) و(حسكة) السورية المتاخمـة للحـدود (التركـية) بدعــم عسكري ولوجستي واستخباراتي من الجيش (التـركي)، وكان في حزيران من عام 2014 قد دفعوا هؤلاء (الدواعش) المجرمين لدخول واحتلال مدينة (موصل) العراقية، فتم قتل وتهجير (الأشوريين) من المدينة ومنطقة (سهل نينوى) الأشورية، ومن قبل المجموعات الإسلامية ذاتها، وبدعم (تركي) والتي تعيد ذاكرة التاريخ إلى حقبة (الإبادة الجماعية) التي ارتكبتها (تركيا) بحق (الآشورييــن) و(الأرمـن) قبل أكثر من مائة عام .

ومن هنا تأتي أهمية فضح هذه المؤامرات التي ترتكب ضد (مسيحيي الشرق) والتي تثار بين فترة وأخرى ويذهب ضحيتها مئات ألاف من الأبرياء، ومن هنا تأتي أهمية إدراك خطورة الأوضاع في المنطقة، ولابد للمجتمع العربي والغربي إن يعالج مشكلة استهداف (مسيحيي الشرق) بتوفير مناطق تحضي بحماية دولية، لان (مسيحيي الشرق) ليسوا دخلاء فيه، بل هم سكان الأصلين؛ وجذورهم التاريخية تعود إلى الحضارة (الأشورية) التي قوامها سبعة ألاف سنة قبل الميلاد .

واليوم إن يستعيد كل من (الآشورييــن) و(الأرمـن) في الرابع والعشرون من نيسان من كل عام ذاكرتهم التاريخية؛ ليس من أجل استعادة الماضي بكل مآسيه ونكباته، وإنما لتذكير (تركيا) ومن يلف لفها من الإسلاميين المتطرفين، والذين ينفذون جرائمهم الإنسانية ضد (مسيحيي الشرق)، والتي اقترفوها في السابق، ومطالبتهم الاعتراف بمسؤوليتهم اتجاههم والاعتذار لشعب (الارمني) و(الأشوري)، وتحمل كل ما يترتب على ذلك من نتائج و لإيقاظ الضمير العالمي اتجاه ما يجري من جرائم الإنسانية بحق (مسيحيي الشرق) بين فترة وأخرى، لإيجاد حلول جذرية لقضيتهم .

أحدث المقالات