28 نوفمبر، 2024 12:39 م
Search
Close this search box.

صبري الربيعي في مكاشفات سياسية لا تنقصها الصراحة  ‏

صبري الربيعي في مكاشفات سياسية لا تنقصها الصراحة  ‏

مر العراق خلال العقود الخمسة السابقة للاحتلال الامريكي الغاشم , وكذلك في ما بعدها بظروف ‏وتعقيدات وأحداث سياسية خطيرة , ما كانت لتحدث في بلد مماثل آخر, بسبب من طبيعة وحجم ‏التناقضات بين الأيديولوجيات والأهواء السياسية , حيث اقيمت وسقطت انظمة ونشطت وذهبت ‏ولاءات داخلية وخارجية , وحيكت وكشفت مؤامرات ,وأشعلت حروب خارجية وداخلية , وسالت دماء ‏‏, وجرت تعديات طالت الحريات ألشخصية وبرزت شخصيات مؤهلة وغير مؤهلة , تسنّمت السلطة ‏وتمتعت بالنفوذ, وهدرت أموا ل عامة, كان يمكن استثمارها في انشاء أكبر دولة حديثة , لو تصرف ‏الحكام المتعاقبون بروح المسئولية.‏


وفي سياق هذه المتناقضات والأحداث الجسام , كانت عين الكاتب والصحفي الرائد صبري الربيعي ‏‏,ترصد , وتوثق , بعقل تحليلي من دون هوى ..ليعكف على كتابة سفره المستل من ذاكرته الحيّة  عن ‏مواقف وأحداث وشخصيات لم يعرف عنها الكثير, حكمت البلاد والعباد , أو أثّرت في مجريات الحياة ‏اليومية للشعب العراقي سلبا أو ايجابا , كما ننتقل مع مضامين الكتاب الى رؤيا متنوعة لخلفيات ‏طواها النسيان لم يطلع عليها الجيل الحالي , ربما توفر العبرة والتبصر , ولا تخلو مضامين هذا ‏الكتاب من مرور على موضوعات ثقافية وصحفية , تتوفر على تقويمات موضوعية لما جرى ‏بصراحت الكاتب المعهودة ,حيث سنقرأ عن طه الفياض المحامي فيما يخص سمات جريدته (الفجر ‏الجديد) وعبد القادر البراك صاحب جريدة (البلد) وجريدة (الأيام)  كونه اديبا وصحفيا لامعا وسجاد ‏الغازي  في جهاده المهني لتشريع قانون تقاعد الصحفيين في القطاع الخاص, وصادق الأزدي (ابو ‏التحقيق الصحفي ) وسعد قاسم حمودي في ملاحظات لاتخلو من صراحة وكريم المطيري الذي انتقل ‏من وظيفة (المعلم) الى تحديد مصائر الصحفيين وصاحب حسبن رئيس تحرير جريدة (الجمهورية) ‏الذي كان أول من علم بتدفق القوات العراقية للسيطرة على المخافر الحدودية في القاطع الأوسط بين ‏العراق وايران , وظروف تنفيذ ونشر اول التحقيقات والصور الميدانية عن (الحرب العراقية الإيرانية ‏‏) ومقابلاته للفريق الركن عدنان خير ومعايشته للعميد صلاح القاضي  قائد الفرقة الخامسة  الذي كان ‏سينفذ حركة 17تموز قبل موافقة الرائد سعدون غيدان على فتح  ابواب قصر الرئيس الأسبق عبد ‏الرحمن عارف  لمجموعة الحركة , وصلاح الدين سعيد نائب نقيب الصحفيين لجهة تصريحه  في ‏‏(لندن)”ان الذي يعارض الحكم يستحق اعدام” وصباح ياسين وايام لاتنسى في ظل طموحه لنيل ‏المراكز المرموقة وسامي الموصلي وضياء حسن و داوود الفرحان وسامي مهدي وكامل الشرقي الذي ‏عدت رئاسته لتحرير مجلة (الف باء) أطول فترة أمضاها رئيس تحرير صحيفة عراقية في مهمته ‏ورشيد الرماحي وزهير الدجيلي وعشرات الصحفيين الذين زاملهم الكاتب , فيما يستمتع القارئ الكريم ‏بما يستذكره الكاتب , من أجواء رافقت مقابلاته مع امراء ورؤساء ووزراء عراقيين وعرب ‏‏,  بالإضافة الى جولاته ونشاطه الصحفي , وآراءه فيما يتعلق بمسببات فقر الصحفي , وحاجته التي ‏لازالت قائمة الى اكسابه المهارات  , وتوفير ظروف الحياة الكريمة له .‏
وإذا ما حاولنا تصفح مضامين الكتاب , سنمضي وقتا ممتعا ومفيدا مع تلك المضامين التي كتبت ‏بأسلوب روائي عرف به الكاتب حيث سنجد عروضا لأحداث ومواقف سياسية وثقافية واجتماعية , ‏عايشها او اسهم فيها او اقترب منها خلال العقود الخمسة الأخيرة قبل هجرته الأوربية عام 1999 , ‏حيث يتناول خلفيات احداث تتعلق  بشخصيات مؤثرة في تلك العقود, ك(الزعيم) عبد الكريم قاسم ‏والرئيس الأسبق عبد السلام عارف, ومواقف الشيوعيين من عبد الكريم قاسم وبالعكس, وصراعهم مع ‏البعثيين والقوميين  , وحركة 8 شباط 1963 , وحركة مراتب العسكريين من الشيوعيين واعتقالهم ‏لعدد من قياديي (البعث) , حازم جواد وطالب شبيب ونجاد الصافي , ويجيب عن تساؤل هام ..ماذا لو ‏قدر لهذه الحركة النجاح  ؟ ولقاءه بعد اكثر من عقدين مع (منظر الحركة الفكري) .والأجواء الخفّية ‏لحركة 8 شباط 1963 , والصراعات الدامية بين اطراف الحركة الوطنية العراقية في اعقاب ثورة ‏‏14 تموز, وما جرى ليلة سقوط العهد الملكي , وتفاصيل وشهادات لم تنشر عن مقتل الملك فيصل ‏الثاني آخر ملوك العراق , وولي العهد الأمير عبد الإله , مسهبا في تفاصيل تعليقه وسحله واذابة جثته ‏على اسفلت شوارع بغداد, كما يتناول في تفاصيل مثيرة ومؤلمة في الوقت نفسه مقتل الفريق نوري ‏السعيد , احد قادة (الثورة العربية) ضد الإحتلال العثماني , ورئيس وزراء العراق المزمن منذ اقامة ‏الدولة العراقية عام 1921 , حتى سقوط النظام الملكي , وكيفية سحله في شوارع بغداد ؟ وحرق جثته ‏المتهرئة , كما يعرض لواجبات الضباط الأحرار المشاركين فيها , والمسئول عن  مقتل العائلة المالكة ‏‏, هل هو عبد الكريم قاسم ؟  أم عبد السلام عارف ؟ كما يتناول الكتاب من خلال شهادة الكاتب الذي ‏عايش خير الله طلفاح خال الرئيس الأسبق صدام حسين ووالد زوجته وجد اولاده لأمهم وعرابه , ‏عارضا تصرفات طلفاح , مجيبا عن سؤال متداول ..فيما اذا كان (طلفاح) يرى احقيته برئاسة ‏الجمهورية ؟.. وترد في هذا شهادة لصديق مقرب لأحمد حسن البكر ,عن ماهية نصيحة الأخير ‏للرئيس الأسبق أحمد حسن البكر في اعتماد صدام حسين ضمانة لحكمه  .‏
‏ وفي عروض لا تنقصها الصراحة نجد حضور اسماء ناظم كزار,الذي (خطف) الكاتب من الشارع  , ‏وجذور وأوضاع هذا الرجل الذي تناقضت المعلومات بشأن حركته  الخاتمة لحياته المثيرة  على ما ‏تنطوي عليه من (مثالب) تخص قسوته فرادته في انتزاع اعترافات السياسيين من جميع الأصناف ‏والعقائد المعارضين لنظام (البعث , وصدام حسين .. وحركة (كزار) التي قيل انها (استهدفت قتل ‏البكر وصدام  وحماد شهاب وسعدون غيدان وعدان شريف) , وما هو نصيب التحليلات التي تقول ‏بتخطيط هذه الحركة وتوجيهها من قبل  (النائب الطامح) صدام حسين  لتسلم الرئاسة  وإقصاء (البكر) ‏؟, وبديات لطيف نصيف جاسم  الدليمي في المكتب الفلاحي وجريدة (صوت الفلاح) , وما هو سر ثقة ‏صدام حسين به  ؟ وكيف اتيح للكاتب انقاذ مستقبل لطيف نصيف جاسم ؟ بعد إسالته الدماء من عين ‏احد الصحفيين عام 1972 ,و كيفية سقوط  رئيس الوزراء الفريق طاهر يحى في نهر دجلة .‏
كما سنقرأ عرضا موضوعيا  لخلفيات خروج سعد البزاز من العراق متمتعا باجازته , ليتحول بعد أيام ‏الى معارض لنظام صدام حسين  , ودور هاجس الحرية في الكتابة في صياغة مشكلته مع المنظومة ‏الإعلامية , وكيفية تنشيط محاولات تسقيط البزاز من قبل زملاءه رؤساء المؤسسات الإعلامية ؟ ‏ويطرح كاتبنا تساؤلا اسباب اعدام محافظ (الكوت) الذي شغل ايضا من قبل مهمة المدير العام لشركة ‏الجلود , وهل كان ينفذ شعار صدام حسين ؟ في انه “جاء الى السلطة والعراقي حافي ” حيث كان ‏يسعى لتوفير الأحذية الرخيصة للعراقيين  , وما هي قصة كريم حسن رضا الذي وصفه الرئيس ‏الأسبق لأهل ( العمارة) أنه شبيهه في الأخلاق ؟ ليلقي به بعد عدة أشهر في سجن (ابوغريب) ؟ ‏ومشاهدة اغتيال عبد الكريم الشيخلي من قبل سبعاوي ابراهيم الحسن , وينتقل بنا الكتاب الى ظروف ‏تنظيم ما دعي ب(مؤامرة الرجعيين) عام 1970 المعلن ان عرابها اللواء عبد الغني الراوي بدعم ‏ايراني , التي طالت بالإعدام أو السجن المؤبد عددا من وجوه المجتمع العراقي من بينهم  د,حسن ‏الخفاف , وصالح السامرائي , وشيخ  قبائل (آل فتله) راهي الحاج سكر , وسعدية صالح جبر ود . ‏فاطمة الخرسان ..وبأسلوب روائي جزيل نقرأ عن خلفيات مقابلته الملا مصطفى البارزاني في (حاج ‏عمران) ومرافقة ادريس ومسعود البارزانيان له .. كما سنجد انفسنا في اجواء المهنة الصحفية ‏‏,ومتاعب الصحفيين وظروفهم الصعبة .‏
كما يتضمن صورا لأبراهيم الحسن والد برزان وسعاوي ووطبان في ذات (الدامات الطينية) التي نشأ ‏فيها صدام حسين .‏
ويطرح الكتاب بشهادة من يمت بصلة المصاهرة مع الفريق راجي التكريتي , تخص استدعاءه من ‏قبل الرئيس الأسبق صدام حسين الى بغداد , وتنفيذ حكم الإعدام به  وبعدد من الضباط  بتهمة اعداد ‏مؤامرة تستهدف حياة صدام ,وما اثير من أن  التكريتي قد عرض لكلاب مفترسة جائعة ,حيث ‏افترسته اما مرأى من الرئيس صدام حسين  إذ  ترد شهادة شاهد عيان وهو احد الضباط المقربين من ‏عبد السلام عارف قام بغسل التكريتي الشرعي , عن وما شاهده على جسد التكريتي من آثار تحسم ‏جدلا طويلا شهدته آثار هذه القضية !‏
ويشير الكاتب  بالأسماء الى علاقاته وتقويماته لصحفيين زاملهم . ويعرض لتجربته في مجلة (الف ‏باء) وجريدة (الجمهورية ) التي استغرقت عشر سنوات من عمره المهني..ويفرز اوراقا خاصة ذات ‏مضامين تفصيلية , عن رؤيته المهنية لإستراتيجية  تحرير مجلة ( وعي العمال ) , وهو يستلم ارثها ‏العريض في مايس عام 1984 ,  ويعود بنا الى بدايات هذه المجلة التي بدأت نشرة حزبية تطبع بجهاز ‏‏(الرونيو) لتصدرعام 1969 كمجلة اسبوعية تولى رئاسة تحريرها طارق عزيز ثم ناصيف عواد ثم ‏عزيز السيد جاسم  وأخيرا عادل ابراهيم , لتصل اليه  إذ صارع قوى رافضة لإخراجها من اغطيتها ‏الحزبية , وجعلها مجلة ثقافية عامة , والأجواء الدرامية التي رافقت استلامه تحريرها من دون ‏موافقات مكتب الثقافة والإعلام القومي ووزير الإعلام , وتفاصيل عن  الصراع بين ارادته المهنية ‏والقيادات الحزبية العمالية .‏
وربما تحسم شهادة الكاتب الجدل في قضية طالما ناقشها الكتاب والصحفيون. تتعلق بما ردده حسن ‏العلوي  منذ انخراطه بالمعارضة لصدام حسين اثر اعدام صهره عدنان الحمداني وزير التخطيط ‏وعضو القيادة القطرية ل(ح  ب) ,  من أنه “كان سكرتيرا صحفيا لصدام حسين , يتدخل في تصويب ‏قرارات الرئيس الأسبق وتوجيه النصح له”  اعتمادا على صورة له مع الرئيس , حيث حقق ‏ذلك  للسيد العلوي علاقات واسعة ومجزية  بناها مع اعداء صدام حسين , ابتداء من حافظ الأسد ‏وانتهاء بالقادة ألأكراد, على انه يجد في بدايات ومسيرة (العلوي) المهنية قبل تلوثه في السياسة , ‏صحفيا جريئا ذي هاجس قومي يحب مهنته .‏
كما يتناول الكتاب مقابلاته الصحفية  لمعمر القذافي وياسرعرفات والشيخ عيس بن سلمان آل خليفة ‏أمير البحرين الأب , وتقويمه ل(روبرت موغابي) رئيس (زيمبابوي) , وأمراء ورؤساء وزارات ‏ووزراء وشخصيات اجنبية رفيعة , كما سنطل على سفرياته خارج العراق , ومحطات أخرى صغيرة ‏كثيرة ولكنها تلقي الضوء على احداث ومواقف, منها ما اسقطته  الذاكرة ومنها ما علق بها ., ويمر ‏الكتاب على غزو العراق ل(الكويت) , وخلفيات هذا القرار الذي اتخذه صدام وأعرب عن تحمله ‏مسئولية تلك الحرب من خلال شهادة للفريق نزار الخزرجي رئيس اركان الجيش الذي لم يعلم  بدخول ‏القوات العراقية (الكويت) الّا من (التلفزيون) , وتداعيات غزو (الكويت) على الأحداث المدمرة ‏اللآحقة التي أدت الى  العقوبات الدولية وفرض الحظر الاقتصادي على العراق .وقد أدى كل ذلك الى ‏توفير المسببات والذرائع لتنفيذ خطط ضرب العراق عام 1991 عن بعد ,ومن ثم غزو العراق واسقاط ‏دولته الحديثة .‏
وقد تم اعلان اطلاق توزيع كتاب (اوراقي في الصحافة والحياة ) صباح يوم الجمعة الماضي 10 ‏مايس الحالي في المنتدى الثقافي البغدادي بشارع المتنبي بحضور جمع غفير من الصحفيين والكتاب ‏الرواد زملاء الكاتب والشباب كما حضر محافظ بغداد د. صلاح عبد الرزاق وضيوفه السفير ‏الجزائري وسفير رومانيا وسفير اوكرانيا الى جانب نقيب الصحفيين مؤيد اللامي وعميد كلية الاعلام ‏د. هاشم حسن .‏
يقع الكتاب في 460 صفحة من القطع المتوسط , وقد صدر بطباعة فنية حديثة أشرف عليها الصحفي ‏الرائد عماد آل جلال .. وسيتاح لطالبيه اقتناءه من مكتبات شارع  (المتنبي ) .. ولتلبية طلبات اقتنائه ‏من مختلف دول العالم الاتصال على الإيميل:
[email protected]

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة