كشفت وثائق تعود إلى الفترة ما بين عامي 2007 و2009 أن فريق تحقيق رفيع المستوى أوصى في العام 2009 بإيقاف شراء جهاز كشف المتفجرات، وحصر استعماله في القاعات والمواقع المغلقة، فيما أشارت رسالة من شركة بلجيكية إلى مكتب الوكيل الأقدم في الداخلية إلى أن “الجهاز قادر على حماية الإنسان في جميع المواقع وتحت أي ظرف”.
وتُظِهرُ بعض من تلك الوثائق أن لجنة تحقيقية دعت وزارة الداخلية إعادة المبالغ المدفوعة لشراء جهاز كشف المتفجرات، مشيرة إلى أنها استقت جزءاً من معلوماتها من منشورات الانترنيت.
وحصلت “السومرية نيوز” على وثيقةٍ صادرةٍ من مكتب الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية، عدنان الاسدي، وحملت الرقم 795، في 6 حزيران2007، تضمنت عرضاً من شركة “كارسام” البلجيكية وفيها تفصيلات عن مواصفات جهازها الخاص بالكشف عن المتفجرات.
وأشارت الوثيقة إلى أن “الاسدي بعث إلى دائرة العقود في وزارة الداخلية نسخة من عرض الشركة الذي حصلت عليه الوزارة بواسطة السفارة العراقية في باريس”، وطالب الاسدي من الدائرة مخاطبة السفارة للإطلاع على مزيد من التفاصيل”.
وقضت محكمة بريطانية، في 2 آيار الحالي، بحبس رجل الأعمال البريطاني المليونير جيمس ماكورميك، 56 عاما، بالسجن عشر سنوات بعد إدانته ببيع أجهزة مزيفة للكشف عن القنابل، وقالت في حينها المحكمة إن ماكورميك، الذي يعيش في لانغبورت الواقعة في سمرست، ارتكب “حيلة قاسية”.
وفي رسالة من السفير العراقي في باريس، موفق مهدي عبود، والتي لم تحمل رقماً رسمياً لكنها مؤرخة بالـ 14 من آيار 2007، جاء أن”الجهاز الذي تعرضه الشركة البلجيكية يستعمل في المملكة العربية السعودية وكذلك من قبل القوات الفرنسية في جنوب لبنان”.
الوثيقة تضمنت أيضاً نسخة من عرض الشركة البلجيكية كان قُدِمَ إلى موفق مهدي عبود سفير العراق في باريس، في 2 آيار 2007، وحملت توقيع مدير المفوض للشركة سامي كرم.
وقال كرم إن “جهاز ade651جزء من منظومة كشف المتفجرات والمواد الممنوعة الأخرى كالمخدرات”، مشيراً إلى أنها “منظومة متقدمة قادرة على حماية الإنسان، وقد أثبتت فاعليتها، في كل الظروف والمواقع”.
لكن مدير الشركة وجد، كما ورد في رسالته إلى السفير العراقي، أن “الأهم في المنظومة هو القدرة على استعمالها بصورة كفوءة من خلال تدريب مستخدميها من رجال الأمن في موقع العمل”.
وحدد سامي كرم ثلاثة مراحل لتجهيز العراق بالمنظومة الأمنية يعتمد الأول منها على “اختيار رجال الأمن المؤهلين نفسياً وجسدياً”، و”التدريب على استعمال الجهاز لمدة لا تقل عن خمسة أيام، وتحضير كتاب دليل الاستعمال”.
وفي ختام الرسالة اقترح سامي كرم “تشكيل خلية أزمة بالتعاون مع الجهات الرسمية العراقية لتطوير الأداء بشكل مباشرة وبما ينسجم مع التطورات الأمنية”.
وبعد ستة أشهر من رسالة العرض البلجيكي، جاء في خطاب”سري وشخصي” من المفتش العام في وزارة الداخلية، إلى وزير الداخلية، حمل الرقم 1122، في 27 كانون الأول 2007، أن “الجهاز يتألف من عشرة كارتات، كل منها يشير إلى نوع معين من مواد التفجير ويبلغ ذلك ثمانية كارتات، فيما يختص الكارت التاسع بأسلحة من نوع المسدس والبندقية، فيما يكون العاشر مخصصاً للمواد الأولية الداخلة في التفجير”.
رسالة المفتش العام حملت عنوان “لجنة تحقيقية”، وأشارت إلى أن ما ورد فيها هو عبارة عن نتائج أعمال التحقيق في ملف جهاز كشف المتفجرات.
وتوصلت لجنة التحقيق إلى “وجود سوء استعمال لجهاز الكشف، ما يتطلب الاهتمام بالتدريب في مناهج كليات الشرطة ودورات الضباط والمراتب”.
ومن خلاصات عمل لجنة التحقيق التابعة إلى المفتش العام في وزارة الداخلية، أن “الجهاز قادر على الكشف عن المتفجرات بأنواعها، لكنه لا يستطيع تعطيلها أو إبطال مفعولها، وبذلك لا يتم الاستغناء عن التفتيش اليدوي”.
ولم يكن عرض الشركة للجهاز أشار إلى أن واحدة من مواصفاته تعطيل المتفجرات، بل الكشف عنها، بينما لا يعرف معنى إشارة لجنة التحقيق عن عدم قدرته على إبطال مفعول العجلات المفخخة”.
لكن الأبرز في تقرير المفتش العام توصيته بإعادة النظر بأسعار الجهاز، بعد أن ظهر له “تباين الأسعار حسبما يرى الجانب البريطاني في تقرير العقيد أولد فيلد من الفريق الاستشاري للوزارة، وكذلك ما تم تزويده من فريق الدعم الأميركي من معلومات منشورة في الانترنيت”.
وتابع التقرير “سعر الجهاز يتراوح بين 8000 دولار و35000 دولار، في حين أشارت إلى أن الكلفة النهائية للتجميع والإنتاج تبلغ 25 ألف دولار”، في حين “قامت مديرية العقود في وزارة الداخلية بدفع قيمة الجهاز الواحد 66 مليون دينار عراقي”.
وفي وثيقة أخرى، حصلت عليها “السومرية نيوز”، حملت الرقم 214، في 2 آب 2009، والصادرة عن مكتب الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية، عدنان الاسدي، وكانت عبارة عن رسالة سرية للغاية لمكتب القائد العام للقوات المسلحة، وتضمنت توصيات لجنةٍ وزارية خاصة بشأن كفاءة جهاز كشف المتفجرات.
يشار إلى أن “المدعي العام البريطاني في القضية ريتشارد ويتام قال إن وزارتي العدل والخارجية في بغداد تعرضتا لتفجيرات بشاحنات مفخخة مرت عبر نقاط تفتيش كانت تعمل فيها هذه الأجهزة دون جدوى”، موضحاً بأن “النتيجة الحتمية”كانت مقتل عراقيين بسبب استخدام هذه الأجهزة.
وفي سياق التوصيات أشرت الوثيقة وجود “تباين في نتائج فحص كفاءة أجهزة كشف المتفجرات ميدانياً وفنياً تتراوح نسبته بين 20 بالمئة إلى 60 بالمئة”، ما دفع اللجنة الخاصة إلى أن توصي، كما جاء في الوثيقة، بأن”يتم إيقاف شراء أجهزة ade651 مع ضرورة التأكيد والإيعاز إلى المديرية العامة لمكافحة المتفجرات لتحديث كارتات الأجهزة المتوفرة حالياً والمستعملة في نقاط التفتيش”، وتايع تقرير التوصيات “بضرورة إيقاق جهاز fido والاستمرار في عمل الأجهزة العاملة في السيطرات لحين الحصول على أجهزة أكثر كفاءة”.
يذكر أن العراق اشترى ستة آلاف جهاز خلال الفترة ما بين2008 و2010. وجرى استخدام تلك الأجهزة عند نقاط التفتيش في جميع أنحاء البلاد مما هدد أمن المدنيين والقوات المسلحة.
وعادت رسالة التوصيات التي وقع عليها سبعة من كبار الضباط في المؤسسات الأمنية إلى دعوة مكتب القائد العام للقوات المسلحة باعتماد جهاز الـ” fido” في القاعات المغلقة والمختبرات وعدم استخدامه في كشف العجلات في السيطرات لاستغراقه وقتاً طويلاً في الكشف”.