قامت الشرطة البريطانية، يوم 11/4/ 2019، بالقاء القبض على جلياناسانج، مؤسس ويكيليكس، في سفارة اكوادور في لندن، التي كانيعيش فيها منذ سبعة أعوام، لتجنب الترحيل الى الولايات المتحدة. لقدتم اعتقال جوليان اسانج بعد سبع سنوات من الاعتقال التعسفي،بدعوة من السفير الاكوادوري.
وبهذا العمل، لقد قام مجرمو الحرب، في عملية غير قانونية، وتخلو منأدني حد من الحياء، بالقاء القبض ومحاكمة الشخص، الذي فضحجرائمهم وتجاوزاتهم على الحقوق المدنية للجماهير. تكشف هذهالقضية، التي تعتبر انتهاك صارخ لمواثيق حقوق الانسان وقوانينالأمم المتحدة حول اللجوء واللاجئين وحرية التعبير وحرية الصحافة،أي مستوى وصل اليه الوضع الدولي تحت سطوة الإمبراطوريةالامريكية من استهزاء بابسط المعايير والقوانين الدولية. انها ضربةجدية للادعاءات الغربية بصدد حقوق الانسان وحرية التعبير. لقد تمتهذه العملية، بتواطئ مخجل من الاعلام الرسمي، الذي قام بمحاولةجدية لاغتيال شخصية جوليان اسانج، والحكم عليه حتى قبل ان يتممحاكمته قانونيا، وهي المحاكمة التي تهدف الى تغييبه في الزنازينالامريكية مثل معتقل عوانتانمو سيئ الصيت.
لقد كان يوم 11 نيسان، يوم اسود لحرية التعبير والصحافةوالصحفيين، ليس لاعتقال صحفي كشف الحقيقية فحسب، بل لانهذا العمل، تم في ظل حملة تشهير، يقوم بها الاعلام ضد صحفيلايخدم الخط الرسمي، أي الخط الذي يمثل لسان حال مصالحالشركات الاحتكارية.
ماذا قام به اسانج؟
لقد قام جوليان اسانج، من خلال التسريبات، التي نشرها، بتقديمخدمة كبيرة للمجتمع على المستوى العالمي.
يجب ان نوضح، بان كل ماقام به اسانج، هو نشر معلومات مهمة عنجرائم حرب وفساد وخروقات ضد حقوق الانسان والحقوق المدنية. تمكن ويكيليس، من كشف جرائم أمريكا، اكثر من أي مؤسسة اعلاميةأخرى. وبذلك، شارك اسانج ، في الجهود الساعية الى محاسبةالسلطات على الجرائم، والاكاذيب، والسرقة والفساد والقمع التيتمارسه.
لم يقم جوليان اسانج بسرقة معلومات من اجل المال، ولم يخدع احد ،ولم يكذب على احد. ولم يحتاج موقع ويكيليكس في يوم من الأيام، الىسحب أي شيء قام بنشره، لانه ببساطة لم يقم بنشر أي اخبار كاذبةمثل الاعلام الرسمي.
ان اهم ما قام به جوليان اسانج، كان المساعدة في كشف حقيقةحكام امريكا وحروب أمريكا وجرائم الحرب التي ارتكبها الجيشالأمريكي خاصة في العراق. واهمها كان نشر مقطع الفيدو المشهورالذي يظهر مروحية أمريكية تقوم بقتل مدنيين بما فيهم أطفال واثنينمن صحفيي رويترز في العاصمة العراقية، بغداد، وسط قهقهة افرادالطاقم. وكشفت الوثائق التي سربها ويكيليكس، عن قتل الجيشالأمريكي الاف المدنيين، دون الإبلاغ عن ذلك، اثناء حرب افغانسانوالعراق.
وكشف عن اخضاع المواطنين في أمريكا وحول العالم الى حملةمراقبة شاملة. وكشف عن عمليات تجسس واسعة من قبل أمريكا ضدالأمم المتحدة و البلدان الأخرى بما فيهم دول تعتبر صديقة لامريكا،وكذلك عن التدخل في انتخابات البلدان الأخرى، بما فيهم فرنسا مثلا. وكشف عن أدوات الاختراق والقرصنة التي تستخدمها سي أي أيووكالة الامن االقومي ضد الجهات الأخرى.
كما قام بنشر 70 الف ايميل من ايميلات جون باديستا، مدير حملةهيلاري كلينتون. كشفت هذه الايميلات، بان السعودية وقطر قامتابالتبرع بملايين الدولارات لمؤسسة كلنتون. وكشفت بان بانك غولدمنساكس دفع مبلغ 657000 دولار لهلاري كلنتون، مقابل خطب والقاءكلمات، والتي اعتبرت رشوة مبطنة. وكشفت بان هيلاري كلنتون كانتتكذب على المواطنيين، حيث كانت تصرح للنخبة المالية في الخفاءبتصريحات تتناقض تماما مع تصريحاتها العلنية اثناء الحملةالانتخابية، فمن بين ماقالته للنخبة المالية، انها تامن “بتجارة مفتوحةوحدود مفتوحة” وبان وول ستريت كان افضل من يمكنه إدارةالاقتصاد .
كما كشف بان حملة كلنتون حاولت التاثير على الانتخابات الأوليةللحزب الجمهوري من اجل ضمان ترشح دونالد ترامب. وبانها قامتبسرقة الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي من بيرني ساندرز. وبينت بان هلاري كلنتون كانت مهندس حرب ليبيا، اعتقادا منها بانالحرب سوف تعزز من فرصها كمرشحة للحزب الديمقراطي. كمافضح ويكيليكس، التأمر الداخلي ضد رئيس حزب العمال البريطاني،جيرمي كوربن، من قبل أعضاء هذا الحزب في البرلمان. وكشف انخطة الغرب، لزعزعة استقرار سوريا واشعال الحرب في هذا البلد منذ2006.
موقف الاعلام
كانت قضية جوليان اسانج من المسائل التي بينت بشكل واضح، بانالاعلام الرسمي هو أداة لخدمة الطبقة الحاكمة وامتداد لدولتهاوحكمها وايدولوجيتها.
اذ لم تبقى وظيفة الاعلام كشف الحقيقية وتحدي السلطة واحراجهاوتشجيع الجدال والنقد والآراء المتباينة، بل تحول الاعلام بشكل كاملالى ماكينة دعائية للطبقة الحاكمة وحكومتها. لقد كشفت هذه القضيةبان حرية التعبير هي شكلية الى ابعد الحدود، حيث يمكنك تحديالطبقة الحاكمة على مسائل ثانوية، ولكن ما ان تاتي المسالة الىتحدي السلطة على الحرب ومصالح المجمع الصناعي العسكري، فمنالمرجح ان يكون مصيرك الاختفاء في اقبية معتقل غوانتانامو.
اصطف الاعلام الرسمي منذ اليوم الأول، مع المؤسسة الحاكمة،بالضد من جوليان اسانج، لان هذا الاعلام ممول من قبل المؤسسةالحاكمة، ويعمل لصالحها، من جهة، كما ان ويكيليكس يحاسبالاعلام الرسمي أيضا ويفضح نموذج عمله امام الرأي العام. لذلك لقدشارك الاعلام الرسمي في حملة دعائية منظمة لضرب مصداقيةاسانج وويكيليكس.
وشملت هذه الحملة اتهامه بكونه يعمل لصالح المخابرات الروسية،دون تقديم أي دليل، او انه ليس بصحفي بل هاكر او قرصان كومبيوتريسعى للشهرة. في وقت ان جوليان اسانج قام بكتابة عدة كتبوالكثير من المقالات وله قدرة هائلة على فهم الوثائق المسربة وشرحهاللاخرين. كما اتهم بانه قام بنشر معلومات تؤدي بحياة ناس يخدمونفي الخارج. ورغم ان المقصود من هؤلاء هو عملاء سي أي أي والجنودالا انه لايوجد أي دليل بان أحدا توفى نتيجة تسريبات وكيليلكس.
يجدر الإشارة، بان الحملة المنظمة لتشويه سمعة اسانج وويكيليكس،التي يشارك فيها الاعلام الرسمي، قد شرحت بشكل مفصل في وثيقةللبنتاغون، تم تسريبها، والتي اعدت من قبل فرع تقييم مكافحةالتجسس السبراني والمؤرخة 8/3/ 2008. لقد دعت الوثيقة الحكومةالامريكية الى القضاء على ” الشعور بالثقة” تجاة وكيليكس وتدميرسمعة اسانج.
وكما كان متوقعا، لقد قام الاعلام الرسمي بالهلهلة لاعتقال اسانج.
ليس لدي ادنى شك بان هذه القضية سوف تؤدي الى المزيد من عدمالثقة بالاعلام الرسمي. ان مشكلة الاعلام الغربي هو انه يدافع عنالمؤسسة الرسمية التي تفقد شرعيتها بشكل مستمر وعن امبراطوريةفي مرحلة تقهقر وفقدان لمكانتها.
الحجج المقدمة!
ليس بإمكان أمريكا، محاكمة جوليان اسانج على نشر الوثائقالمسربة، اذا ان هذا العمل لايعتبر جريمة حسب القانون الأمريكي. كما ان محاكمة اسانج على نشرهذه الوثائق، يعني محاكمة واشنطنبوست ونيويورك تايمز والغارديان وغيرها من وسائل الاعلام التيقامت بنشر نفس الوثائق التي نشرها ويكيليكس. لذا يحاكم علىأساس التآمر مع جلسي مانينغ ( المعروفة سابقا باسم برادليمانينغ، التي سربت الوثائق الى ويكيليكس، والتي عفى عنها، باراكأوباما، بعد قضاء سبع سنوات في السجن) ومساعدتها على سرقةمعلومات عسكرية .
اذ قالت ادراة ترامب بانها تسعى لمحاكمة اسانج بتهمة التامر معجلسي مانينغ ومساعدتها في 2010 لسرقة السجلات المتعلقة بحربافغاسان والعراق التي حصل عليها ويكيليكس.
من جهتها تقول الحكومة البريطانية، انها تعتقل اسانج بسبب مخالفةشروط الكفالة. بينما، تقول الحكومة الاكوادورية، التي قامت بأجراءغير مسبوق وغير قانوني وهو سحب اللجوء السياسي من اسانج الذيمنح له في 2012، انها ساعدت على اعتقال جوليان اسانج، لعدممراعاته لشروط الإقامة في سفارة الاكوادور في لندن.
تدعي حكومة لينين مورينو، المتورط في فضيحة فساد، قد تؤدي الىاقصائه من الحكم، بان صبر حكومته نفذ بسبب عدم التزام جولياناسانج بشروط الإقامة في السفارة الاكوادورية، بما فيها التدخل فيشؤون الدول الأخرى وزعزعة استقرارها. واتهم لينين مورينو، جولياناسانج، بانتهاك خصوصيته الشخصية وباختراق هاتفه الشخصيوتسريب اسرار وصور شخصية به وبعائلته. ووصلت الأمور الى الحدالشكوى من عدم الاهتمام بالنظافة في السفارة و امتلاكه قطة الخ.
في البداية، يتبين انه لم يكن هناك أي لائحة مكتوبة بشروط وقواعدتوجب على اسانج الالتزام بها. كما ان الشروط التي تحدثوا عنها،فرضت بعد سنوات من منحه حق اللجوء. وعندما طالب محامو اسانجلائحة مكتوبة بالشروط التي يجب ان يلتزم اسانج بها، امتنعتالسفارة عن تقديم هكذا لائحة. لانه ببساطة البرتوكول الذي تحدثتعنه الحكومة الاكوادورية للاعلام كان يعني مصادرة كل حقوق اسانجكلاجئ وكانسان.
ان حق اللجوء لايكون مشروط باي شروط بما فيه الكف عن ممارسةالنشاط السياسي وحرية التعبير، او عدم قبول الزوار و الزيارات. منالسخافة القول،لانك أصبحت لاجئا، يجب ان تفقد كل حقوقك ويجبان تسكت عن الجريمة والمجرميين.
من جهة أخرى، لم يكن لجليان اسانج أي اتصال بالعالم الخارجي،منذ 28 اذار 2018، اذ تم مصادرة هاتفه وحرمانه من خدمة الانترنيت. ولم يسمح له الا بزيارات محدودة من طبيبه ومحاميه.
من جهة أخرى، لقد كشف ويكيليكس مؤخرا عن خطة مكثفة للتجسسعلى جليان اسانج داخل السفارة، من ضمنها نصب كاميرات داخلمكان اقامته قادرة على القيام باتسجيل الصوتي، إضافة الىالتصوير. ولذلك تم تصوير وتسجيل كل أحاديثه بما فيها ما دار بينهوبين محاميه وطبيبه. لقد كان هذا ليس خرق ضد حقوق جولياناسانج فحسب، بل ضد طبيبه ومحاميه ايضا. وكان اسانج يخضعللفحص بالأشعة لمجرد الانتقال من غرفة الى غرفة أخرى. ونتيجة هذهالخروقات، كان من المفترض ان يقوم ممثل الأمم المتحدة بزيارة اسانجخلال هذا الشهر للتاكد من صحة هذه الادعاءات.
بالإضافة الى هذا، أي خلاف بين جوليان اسانج وطاقم السفارة اوالحكومة الاكوادرية لايعطي الحق للرئيس الاكوادوري الحالي، لينينمورينو لسحب حق اللجوء من اسانج. كما يقول السفير الاكوادوريالسابق لدى سفارة لندن ان حق اللجوء هو ليس عقد بين جهتين بل هوقضية عالمية.
يجب ان نتذكر ان مادفع اسانج على دخول سفارة اكوادور و طلب حقاللجوء كانت مطالبة السويد بترحيله بسبب قضية اعتداء جنسي تمإسقاطها.
كل هذه الادعاءات، هي حجج سخيفة، لالقاء القبض عليه وتسليمه الىأمريكا. فاذا كان عدم تنظيف براز قطته الخ هو سبب سحب اللجوءمنه ، لماذا برزت هذه المشكلة بعد وصول الرئيس لينين مورينو الىالحكم. فالسفير الاكوادوري السابق يعتبر اسانج صديق قريب له،وهو من اشد المدافعين عنه. كما انه، تبين حاليا بان الاكوادور ساومتعلى تسليمه من اجل الحصول على قروض من بنك النقد الدوليوشطب ديون عليها. كما ان بريطانيا التي تدعو بانها تحاكمه بسببعدم الالتزام بشروط الكفالة، لم تضمن يوم من الأيام بانها لن تسلمهالى امريكا. لقد ضمنت شيء واحد وهو انه لن يتم إعدامه عند تسليمهالى أمريكا.
أسباب ومعاني محاكمة جوليان اسانج
يتم محاسبة جوليان اسانج، لاستخدامه الصحافة ، من اجل قولالحقيقية وفضح جرائم حرب واكاذيب وفضح القتل والتدمير التي تقومبه الماكنة الحربية الامريكية. لقد كشف للرأي العام، كيف تعملامبراطورية في مرحلة تعفن من الداخل. يتم محاسبته لان العمل الذييقوم به يقوض جهودهم في بناء قضية لشن المزيد من الحروب. .
لايقوم جوليان اسانج وويكيليكس بالتحليل السياسي، او التنظيم اوبعمل يؤدي بشكل مباشر الى تغير الواقع. بل يكتفي بكشف الحقيقةالتي هي خطوة أولية لتوعية الجماهير وتمكينها من الوصول الى قرارواعي حول القضايا المختلفة.
يقول الذين يحاكمون جوليان اسانج، وبشكل علني ان كشف الحقيقةهي جريمة يحاكم عليها. يقولون لايمكن تحدي السلطة الا على مسائلسطحية. تقوم أمريكا، من خلال محاكمة اسانج، على تسجيل سابقةتكون بداية لمحاسبة المخالفين وكل من يجرؤ على كشف الحقيقة التيتضر بمصالح جهات ذات نفوذ، مثل المجمع الصناعي العسكري. اذستجعل من اسانج، مثالا للأخرين.
لايحاكم جوليان اسانج على الاحراج الذي سببه للطبقة الحاكمةفحسب، بل لانه يشكل خطر جدي على مصالح هذه الطبقة وخاصةفي أمريكا لانه يقوض قدرتها على التلاعب بالرأي العام ووعيالجماهير. ولانه أصبح شوكة في عيون الذين يريدون إخفاء الفساد،التامر، والتلاعب بالرأي العام الخ.
في نفس الوقت، يجب ان يكون واضحا، بان الحملة المسعورة ضداسانج، هي دليل اخر، على الصعوبات التي تواجه أمريكا في سعيهاللمحافظة على مكانتها كقطب وحيد في العالم، وهي دليل على تداعيمكانتها عالميا.
نتيجة لهذا الواقع، تحتاج أمريكا الى فرض نفسها بالقوة العسكريةومن خلال الحروب والمجازر والقتل والتدخل في شؤن الدول الأخرىبشكل علني وسري. وكل هذا يتطلب قدر كبير من السرية و ان تكونقادرة على التحكم باي معلومات تكشف واي معلومات تبقى سرية. كماانها باشد الحاجة بان لايكون بمقدور الاعلام محاسبة الحكومةالامريكية على الحروب والكذب والسرقة والفساد والقمع الذي تمارسه. وهي بحاجة الى وجود مواطنين لايعرفون الحقيقة ولايمكنهم اتخاذالقرارات بشكل واعي.
ولهذا السبب، نجد بانه في الوقت الذي لا يتم محاكمة أي شخص علىجرائم الحرب التي اقترفها الجيش الأمريكي، يتم محاكمة صحفيقام بكشف هذه الجرائم، في عملية قذرة تقوم بها ثلاث حكومات يمينيةعلى درجة كبيرة من الوقاحة وهي حكومات أمريكا وبريطانياوالاكوادور.