22 نوفمبر، 2024 10:18 م
Search
Close this search box.

البحث عن رؤوس الخيوط .. الدوري يُقايض برأس صدام ..

البحث عن رؤوس الخيوط .. الدوري يُقايض برأس صدام ..

في هذا المقال أطرح فرضية تقول أن عزة الدوري تبنّى رأيًا يُقدِم صدام حسين للإدانة ومن ثم الى الحكم وأخيرًا يدفع برأسهِ الى المقصلة ، فصدام وبحسب فتوى الدوري أرتكبَ كبيرة ؛ بل أتى بسُنة سيئة ، فكان عليه وزرها ووزر من عَمِلَ بها ، والفتوى تواجه السُنة السيئة بسُنة حسِنة تُزهقها وتبطِلها والدوري يرجو أجرها وأجر من عمِلَ بها ، ومقالي يعتمد بالأساس على ما اعتقده إشارات وردت في خطاب الدوري الاخير تحمل وبرأيي قدرًا من الوضوح يكشف صفقة الدوري مع أطراف خارجية أودت بنظام صدام ورأسه ..
تناول العراقيون بإهتمام فاتر خطاب عزة الدوري الذي صرّحَ فيه أن احتلال الكويت من قِبل العراق خطأ اخلاقي .. !! وهنا اتوقف ، فماذا عنى الدوري بالخطأ الأخلاقي ؟؟!!
( جاء الخطاب في الذكرى الثانية والسبعين لتأسيس حزب البعث ، وأذيع في ٧ نيسان ٢٠١٩ عبر تسجيل صوتي . وقد خصص الدوري خمسة دقائق تقريبًا كتسجيل فيديو ليؤكد عائدية الخطاب الصوتي له )
في مقال لي سابق بعنوان ( غزوة أم انقلاب ) والمنشور على موقع الحوار المتمدن قلت أن الدوري استغل سذاجة صدام .. فأنا أعتقد أن حزب البعث مُنشق منذ سنوات طويلة قبل عام ٢٠٠٣ ، وهو إنشقاق قسّم الحزب بين صدام والدوري ، وأن الدوري أستغل صدام وتعامل معه بمنتهى التبجيل وغاية الدقة في الإعتناء بالعلاقة التي جمعتهم فظل الدوري نائبًا لصدام لعقود دون أن يتخلى عنه أو يبطش بها كما حصل مع كل الذين تقربوا منه بحكم المنصب ، فعزة وكذلك علي حسن المجيد لم يلاقوا مصير عدنان خير الله وبرزان وعدي وحسين كامل وساجدة خير الله وأرشد ياسين وصباح مرزا وعدنان الحمداني وحسن العلوي واحمد حسن البكر والقائمة تضم الكُل باستثناء عزة وعلي المجيد وطه ياسين ، واعتقد رغد كذلك ، بل أن سلطة صدام اعتمدت على هولاء ، الرجال ، أضف لهم طارق عزيز ، وأنا أشعر بأن هذه المجموعة ( القيادة ) تمتعت بحصانة لا مثيل لها في صفوف حزب البعث العراقي على مستوى الدرجات العُليا ، ومن حقنا أن نتسائل عن سر تلك الحصانة الغامضة حتى أنها شملت طارق عزيز وعزة ورغد بعد الإطاحة الامريكية بصدام ونظامه ؟؟!! .. قد نجد جواب شافٍ عند يونس الأحمد .
في أكثر من تسجيل متلفز يظهر الدوري وهو مُحرض لصدام يشد من عزمه لمحاربة الأعداء وأن هناك عناية إلهية تحفه وجماهير أمة الاسلام تقف خلفه ، وطبيعة صدام المتعطشة جدًا ودومًا لإرتداء دور القائد العروبي البطل فارس الأمة وأمل الفلسطينيين بل وكل الإنسانية حيث ما وجِدَ الخير والحق ؛ ساقته وبقوة نفسية قوية للإستمرار في ارتداء الدور بإشراف مباشر من الضربات الأمريكية والحصار التي خدمت ديمومة الدور ورُفِضَ أي تنازل عنه أو قبول بمعاهدة أو اتفاق لإنهاء توجه واشنطن العنيف تجاه صدام ، فأمريكا وبشهادة صدام كانت قد قسمّت فترة حكم صدام الى حلقات بينها مفاصل كل مفصل يُمثِل خلق أزمة يُمنع من خلالها صدام للتوافق مع ايران أو الكويت وصولًا الى مرحلة جعل صدام عدو كل نفوس البشر على وجه الأرض ، وصدام بطبيعته الإنفعالية ونزعاته النرجسية وبتأثير من عزة الدوري وخوفًا من استبداله بزعيم آخر ( وصدام قد أبدى هذا التخوف من ناحية الملك فهد ) ولعلمه أن دوره وبقرار غربي قاطع ينحصر في هذا المسار ولا يجوز له إتخاذ أي مسار آخر ؛ استجاب وحاول اللعب بأي ورقة لإطالة مدة حكمه ، ولم يكن بغافل عن دور المجموعة ( القادة ) وأنهم ايضًا يرون دورًا يرافق دوره فكانوا خاصته التي تدعم شخصية البطل الأسطوري فيه ، وتنفخ فيها ، وعبثًا كان صدام يحاول التخلص من المجموعة وأول اللاجدوى أنه لا يستطيع التعايش مع قيادة صادقة أو ناقدة ، فتركيبة صدام النفسية شريك فعال للمشروع الغربي الذي وضعه في هذا الدور ، وهي كذلك شريك لدور المجموعة التي يترأسها عزة ، ويبدو أن قاعدة علاقة صدام بالمجموعة توصف وفق هذه العبارة : التعايش مع السيئين ما داموا متملقين ، وهذا القسم الاول من القاعدة ، أما القسم الثاني فوصفه هذا : القرار الغربي يُحرِم على غير صدام عرش السلطة . والمجموعة تعلم بالقرار الغربي وتأقلمت معه ، وظل الدوري ينتظر تدخل السماء لينقض على صدام وهنا نرجع الى ما توقفنا عنده ( احتلال الكويت من قِبل العراق خطأ اخلاقي ) ومن السذاجة والسطحية أن تُهمل كلمة ( اخلاقي ) فهي تفسر شئ من دور الدوري ، فالدوري كما كل مؤمن عقائدي لا يتوانى عن ارتكاب أي عمل وقول خدمةً ( للجهاد ) ومثل هكذا مؤمن صادق يُضحي بكل نفوس البشر ويقف بعد ذلك وحيدًا على وجه الأرض يحمد الله على الفتح العظيم ، إذن ؛ فالنظرية التي نسوقها عامةً هُنا تزعم أن عزة الدوري ضحى بصدام حسين ، بل تخلّص منه ودفعه ليد أمريكا ، ومعه رغد صدام التي فقدت زوجها مقتولًا بمكر صدام قبل الرصاص ..
عزة المتدين ، المؤمن الصادق ( المؤمن الصادق ؛ عنوان كتاب للكاتب الأمريكي أريك هوفر ) مُشبعٌ خطابه دومًا بالإشارات الدينية ومرتبط بالنبؤات الشخصية ، أما ما الأدبيات التي دفعت شراع عزة الدوري طوال الفترة البعثية في حكم العراق فهذا ما يتطلب بحث متأني وعميق وأمكانيات لا تتوفر بين يدي ..
كان على الدوري أن يستل صدام وطوال فترة حكمه من صنارة الكُرد المتربصة ، وصنارة الشيعة ، والسُنة الطامعين بالسلطة ، والعائلة وفيها من انقلب بصدام ، والقادة العسكريين ، وأن يظل هذا الاستلال يحمل جرس الإيمان ، وأن يُشبّع صدام بتطمينات نبؤاتية بصوت وديع بليغ ساحر بشكلٍ دوري من فم الدوري ، وقد نشعر بالدافع النفسي المضطرب الذي دفع صدام لتقريب عبد حمود الصامت ، وقصي الصامت ، واعتقد أن صدام كان يحمل شعورًا عميقًا بأن كُل ما في العالم يقف ضده فلا بد من انتخاب أقل الشرور وتقبّله وفق قاعدة بسيطة تقول : لن يكون الرئيس رئيسًا أن أباد كل الشعب ….
((القابضين على جمرة المبادئ . مبادئ الأمة ، الرسالية . الأمة المُجتباة ، التي جعلها الله سبحانه خير أمة أخرجت للناس ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتؤمن بالله / عزة الدوري )) وردت هذه الكلمات في نهاية خطاب قصير للدوري تجاوز الخمسة دقائق بثوانٍ قليلة ، وكان الدوري يرتدي كوفية بيضاء وعقال ، وعباءة بحافة صفراء فاقع ، وأمامه منضدة بسيطة بيضاء مربعة الشكل ويبدو أن مكان التسجيل غرفة متواضعة . والمُلاحظ عدم وجود صورة لصدام حسين ولم يأتِ الدوري على أي ذِكر لصدام !!! ..
خصصت ساعات من يوم ١٤ نيسان للتمعن في خطاب الدوري الصوتي ، وقد تنبهت لاشارات وردت في الخطاب تستحق أن نلتفت لها بتأن وتمعن وأدعّي إنها إشارات تدعم نظرية أن الدوري تواطئ في التخلص من صدام ولنتذكر أن أكثر من مؤتمر عربي وخليجي يحضره عزة بعد أزمة الكويت لربما أتاح له إبرام صفقات خفية لإرضاء الكويت والسعودية والتضحية بالرئيس لإتمام الصفقات فإذا تيقن الدوري من حتمية معادلة صدام أو الحزب في فرصة البقاء فما عساه أن يُضيف من خيار آخر وهو وحزبه ونظامه ودولته في أقصى حالات الضعف والتهديدات تكاد أن تتحول لفعل على الأرض ؟؟..
ستكون صفقة : تلبية الثأر الخليجي بقتل صدام مقابل اعفاء الدوري وخطه من الثأر صفقة مقبولة . فعاد عزة لبغداد ليدفع صدام لحتفه ويُكمل الصفقة (( قيادة البعث التي صححت وهي ماضية الى مزيد من التصحيح ولكي تستطيع هذه القيادة في التصحيح والإصلاح في الحزب حتى إزالة كل الأحقاد والأضغان التي خلفّها احتلال العراق للكويت / عزة يُخاطب الخليجيين )) ويبدو إنه ماضٍ في إتمام الصفقة حتى النيل من كل المشاركين بغزو الكويت تلبية للثأر (( لقد أعلنا بجدٍ وشجاعة وبمبدأية عالية بعد استلامنا لمسؤولية الحزب الأولى ، بعد غزو العراق واحتلاله . أعلنا إدانتنا لإحتلال الكويت ، وقلنا ؛ ونقول اليوم أن أحتلال الكويت يُمثل خطأً مبدئيًا وستراتيجيًا وأخلاقيًا ، والسبب الأول لإدانتنا لهذا الموقفة من الكويت ، وبهذا العمق ، وبهذه القوة هو لأن احتلال الكويت يتناقض مع عقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي ، ويعتبره البعث خروج عن العقيدة والمبادئ ، …… ، وعقيدة البعث تُحرِم استخدام السلاح تحريم مطلق )) ليس أفصح من هذا المقطع من الخطاب يدل على دور للدوري في إنهاء عهد صدام إلتزامًا بصفقة خفية ، والواضح أن الدوري ( يُفتي ) بكتفير صدام عبر استخدام مفردات مثل ( خروج ) و ( يتناقض مع عقيدة حزب البعث ) و ( تُحرِم ) و ( تحريم مطلق ) وأن صريح الفتوى يتمثل في ( أعلنا إدانتنا ) وبهذا يُعتبر صدام حسين مُكفَرًا بفتوى الشق الدوري من الحزب ، وأعتبرُ المقطع التالي تأكيدًا يُعزِز حقيقة ما أقول ، فالدوري يُخاطب الأنظمة الخليجية قائلًا : (( وقد يأتي يوم سترون فيه أن الدول التي غزت العراق وأسقطت نظام البعث وحرضتكم على اجتثاثه ومحاصرته ومطاردته ستجدونها تقف الى جانب البعث وتحرضه عليكم وتشجعه على العدوان عليكم )) ويصف الدوري سياسة الدول المعنية مستكملًا المقطع آنف الذكر (( وتقتل الصديق والرفيق قبل العدو )) !!!! .. يبدو أن الدوري يُذكِر دول الخليج بوقائع ، بماضٍ جرت فيه صفقة بين صدام والدول التي تعهدت بالوقوف بجانبه وشجعت ( عدوانه ) على الكويت والسعودية ، والدوري يستخدم مفردة ( عدوان ) مما يؤكد فتوى ( الإدانة ) وتكفير صدام الذي شق عصا المسلمين ومال لغواية الغرب الكافر (( وأن البعث يؤمن بأن ما فعله الظلمة الطُغاة سفاكي الدماء من امبرياليين واستعماريين وصهاينة وصفويين وحكام طغاة لا علاقة له بالإنسانية …. يُقاتله البعث بكل الوسائل المُتاحة حتى لو دخل داخل الحزب / عند الدقيقة الواحدة والعشرين من خطاب الدوري )) ..
كان الدوري حذِقًا في تمرير مقاصد خطابه ، فأستخدم لغة السياسة والحزبية لتمرير وجهة نظر دينية ، واستخدم التحذير من المستقبل لتذكير الخليجيين بالماضي ..
يستحق هذا الطرح أن تُجمع له الوثائق والشهادات للوقوف على تفاصيل أدق عن عملية الدوري التي أستهدفت صدام وشاركت بإسقاطه ومن ثم تسليمه وما يأتي بعدها من مراحل إستكمال بنود الصفقة مع الخليجيين ، وكيف تواصل عزة ورغد وجرى التوافق لهذا الغرض ، ويظل هذا الطرح فرضية ، ولكنها فرضية تستحق البحث والنقاش ..

أحدث المقالات