خاص : كتبت – نشوى الحفني :
تتصاعد أزمة التوترات بين “فرنسا” و”إيران”، وهو الأمر الذي يلوح بنشوب أزمة دبلوماسية أخرى، حيث استدعت “الخارجية الإيرانية”، يوم الأحد الماضي، السفير الفرنسي الجديد لدى طهران، “فيليب تي بو”، على خلفية تصريح للسفير الفرنسي في واشنطن، “غيرارد أرود”.
وكان “أرود” قد قال إنه: “لا سبب يدعو لمواصلة إيران تخصيب اليورانيوم بعد الاتفاق النووي” مهددًا بفرض عقوبات على “طهران”.
وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية، (إيرنا)، ذكرت أن “السفير الفرنسي الجديد لدى طهران، فيليب تي بو، تم استدعاؤه من قِبل، حسين سادات ميداني، رئيس اللجنة الإيرانية لمتابعة تنفيذ الاتفاق النووي مع الغرب”.
تغريدة غير مقبولة..
ونقلت الوكالة، عن “سادات ميداني”، قوله إن: “الحكومة الإيرانية ترفض محتوى التغريدة غير المقبولة من قِبل السفير الفرنسي في الولايات المتحدة”، داعيًا “باريس” إلى “تقديم توضيح بشأن موقفها سفيرها في واشنطن”.
وأوضح المسؤول الإيراني أنه: “إذا كان موقف السفير الفرنسي في واشنطن وافقت عليه الحكومة الفرنسية، سيكون بمثابة موقف صريح للحكومة الفرنسية، وإذا لم تتم معالجة هذه المسألة بشكل مرضٍ ولم يتم حل المشكلة، فستتابع الجمهورية الإسلامية القضية على أساس الآليات المتوخاة في السعي وممارسة حقها عن أي رد فعل مناسب”.
من جانبه؛ أكد السفير، “فيليب تي بو”، الذي وصل “طهران”، أواخر آذار/مارس الماضي، على أن “الإرادة السياسية للحكومة الفرنسية هي تنفيذ بنود الاتفاق النووي”، مضيفًا أنه: “سيرفع تقريرًا فوريًا إلى المسؤولين في فرنسا”.
وكان سفير “فرنسا” لدى الولايات المتحدة، “غيرارد أرود”، قد قال إن: “إنتهاء الاتفاق النووي لا يعني إنتهاء إلتزام إيران بالبرنامج النووي غير العسكري، ومن الممكن أن توضع عليها عقوبات مرة أخرى إذا ما أقدمت على هذا الشيء”.
دعوة لتوضيح موقفها بشفافية..
فيما دعا مساعد الخارجية الإيرانية للشؤون السياسية، “عباس عراقجي”، باريس، لتوضيح موقفها بشفافية إزاء التصريح الأخير لسفيرها في “واشنطن”.
وكتب “عراقجي”، في تغريدة له في صفحته الشخصية على (تويتر): “إن كانت تغريدات، غيرارد ارود، تمثل موقف فرنسا؛ فإننا أمام خرق أساس للهدف المستوحى من وراء برنامج العمل المشترك الشامل، (الاتفاق النووي)، والقرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي”.
مضيفًا أنه على “باريس إبداء الشفافية فورًا بهذا الصدد وفي غير هذه الحالة سنتخذ الإجراء اللازم”.
تذكير بقدرة إيران على تخصيب “اليورانيوم”..
كما وجه وزير الخارجية الإيراني، “محمد جواد ظريف”، أمس الاثنين، “تذكيرًا” لباريس بشأن قدرة “إيران” على تخصيب (اليورانيوم).
وكتب “ظريف”، عبر حسابه على (تويتر): “تذكير إلى شركائنا في الترويكا الأوروبية، (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا): لا شيء يمنع إيران من تخصيب (اليورانيوم)” في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والاتفاق الدولي بشأن الملف النووي الإيراني، في 2015، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231.
مضيفًا أنه: “ربما من المفيد أن يقرأ شركاؤنا الأوروبيون حقيقةً الوثائق التي وقعوا عليها ويؤكدون دفاعهم عنها”.
ومن المقرر أن يتقاعد “أرود”، الذي سبق أن شارك في المحادثات النووية مع “إيران”، في 20 نيسان/أبريل 2019. واختفت تعليقاته عن “إيران”، من على حسابه على (تويتر)، بعد ساعات من احتجاج “إيران”.
وكانت “طهران” قد وافقت، بموجب اتفاق تم التوصل إليه مع الدول الكبرى في 2015، على الحد من برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات التي أصابت اقتصادها بالشلل.
ومن المقرر إنهاء بعض هذه القيود بعد عشر سنوات والبعض الآخر بعد 15 عامًا.
ولكن الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، انسحب من الاتفاق، العام الماضي، قائلًا: “إن أحد عيوب هذا الاتفاق هو بدء إنتهاء القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني”.
محاولة إنقاذ الاتفاق..
ولا تزال الدول الأخرى، الموقعة على “الاتفاق النووي”، وهي “بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا”، تحاول إنقاذ الاتفاق رغم الانسحاب الأميركي.
وتقول “إيران” إن برنامجها النووي للأغراض السلمية والطبية؛ وإن لها الحق في تخصيب (اليورانيوم) لوقود المفاعلات النووية بموجب “معاهدة حظر الانتشار النووي”، التي تمنع انتشار الأسلحة النووية.
شكوى من تأخير تنفيذ الآلية..
وأنشأت “فرنسا وبريطانيا وألمانيا” آلية جديدة للتجارة مع “إيران”؛ دون استخدام “الدولار” للتصدي لـ”العقوبات الأميركية” الجديدة.
وشكا وزير الخارجية، “محمد جواد ظريف”، الأحد الماضي، من تأخير تنفيذ الآلية، وحث “أوروبا” على تفعيلها في أقرب وقت ممكن.
توترات مسبقة أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية..
ويذكر أن العلاقات بين “طهران” و”باريس” شهدت فترة من التوتر الشديد، في صيف 2018، ولم يعد لأي منهما سفير لدى الدولة الأخرى منذ أكثر من ستة أشهر؛ قبل أن يعلن البلدان عن عودة تبادل سفرائهما الشهر الماضي.
وتم مؤخرًا تعيين “بهرام قاسمي”، سفيرًا لـ”إيران” في “باريس”، فيما عين “فيليب تييبو”، سفيرا لـ”فرنسا” في “طهران”.
وإرتبطت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين بعدة ملفات.
ففي أواخر حزيران/يونيو الماضي، تم إحباط محاولة إعتداء بمتفجرات على تجمع لمنظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة في “فيلبينت”، قرب “باريس”، واتهمت “فرنسا” فرعًا لـ”وزارة الاستخبارات الإيرانية”، بالتخطيط للعملية، من جانبها نفت “طهران” نفيًا قاطعًا، الاتهامات الفرنسية، وهي تتهم “باريس” بإيواء منظمة “مجاهدي خلق”، التي تعتبرها “طهران”، “جماعة إرهابية من المنافقين”.
بالإضافة إلى ذلك تطالب “فرنسا”، إيران، بالتخلي عن برامجها للصواريخ (الباليستية)، ففي كانون أول/يناير الماضي، أعرب وزير الخارجية الفرنسي، “غان إيف لودريان”، عن استعداد “باريس” لفرض، “عقوبات صارمة”، على “طهران” في حال عدم إحراز تقدم في المفاوضات بشأن ذلك.
حقيقة الأمر أن السفير الفرنسي لم يأتِ بجديد. فموقف “باريس” معروف من “الاتفاق النووي” ومن الحاجة لإطلاق مفاوضات جديدة تتناول بنوده لما بعد عام 2025، حيث ينتهي العمل ببعض ما يتضمنه من قيود على نشاطات “إيران” في هذا المجال.
يضاف إلى ذلك؛ أن “باريس” تريد من “طهران” أن تقبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات للنظر في “برنامجها الصاروخي-الباليستي”، وفي سياستها الإقليمية التي تصفها “فرنسا” بأنها، “مزعزعة للاستقرار”.
ليس هذا فقط؛ وإنما يضاف إلى ذلك كله أن “باريس”، ومع شريكاتها الأوروبية، تشكو من أنشطة إرهابية لأجهزة إيرانية؛ ولم تتردد هذه الدول في فرض عقوبات على “طهران”، رغم أن هذه العقوبات بقيت إلى حد بعيد رمزية، كذلك، فإن وزير الخارجية، “غان إيف لو دريان”، لم يتردد في تهديد “إيران” بفرض عقوبات جديدة عليها بسبب برامجها “الباليستية-الصاروخية”، وعمدت “باريس” و”برلين” و”لندن” إلى الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة، “أنطونيو غوتيريش”، أن يلقي كامل الضوء في تقريره المنتظر، في شهر حزيران/يوليو المقبل، على هذه الأنشطة.
ويتضح أن كل هذه المواقف تقرب “فرنسا” و”برلين” و”لندن” من المواقف الأميركية. لكن أي عاصمة من العواصم الثلاث لم تلتحق بعد بـ”واشنطن”؛ في موضوع اعتبار “الحرس الثوري” الإيراني تنظيمًا إرهابيًا. كذلك فإن الثلاث حريصة على استكمال الإجراءات “التقنية” التي من شأنها تمكين “إيران” من الاستمرار في تصدير نفطها والحصول على سلع وخدمات من البلدان الأوروبية عبر الآلية المالية التي أنشأوها والمسماة، “أنستكس”.