لا شكّ إنّ حالة الشلل التام التي تعيشها العملية السياسية بسبب الصراعات التي تزداد حدة بين اّطراف العملية السياسية , قد جعلت حكومة الشراكة الوطنية عاجزة تماما عن مواجهة التدهور الأمني الخطير والإرهاب الذي يفتك بالناس ويحصد أرواحهم , فالجلسة الاستثنائية التي دعى إليها رئيس مجلس النواب للوقوف على أسباب التدهور الأمني في البلد , لم تعقد بسبب المقاطعة التي دعى إليها رئيس الوزراء .
وعلى ما يبدو من خلال سير الأحداث إنّ رئيس مجلس النواب الذي يخوض صراعا سياسيا عنيفا مع رئيس الوزراء , أراد استثمار هذا التدهوّر الأمني وتوظيفه بما يخدم صراعه مع رئيس الوزراء , وبالمقابل فإنّ رئيس الوزراء هو الآخر قد استثمر هذا الصراع القائم بينه وبين رئيس مجلس النواب من أجل تغطية حالة الفشل والعجز الذي أصاب المؤسسات الأمنية وقدرتها على التصدي وإيقاف الإرهاب الذي يضرب البلد بسبب ضعف إمكانات القيادات الأمنية وتفشي الفساد بين قياداتها والتي يدفع ثمنها المواطن البسيط في حياته وأمنه واستقراره .
فالشراكة الوطنية التي نظرّت لها الأحزاب الطائفية والقومية , تلفض أنفاسها الأخيرة وهي في حالة موت سريري , ومحاولات إعادة الحياة إليها لم ولن يكتب لها النجاح , والتمسك بها لن يؤدي إلا للمزيد من القتل وسفك الدماء , فنظام المحاصصات المقيت الذي هيمن على على مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في البلد , قد جعل من هذه الشراكة منهجا لتقاسم المنافع والغنائم بين أحزاب السلطة بعيدا عن مصالح الشعب وهمومه .
كما وأنّ محاولات القفز على الواقع والركض وراء السراب , لن تجدي الناس نفعا ولن تحقن الدماء , فشعارات الأخوّة الكاذبة قد سقطت تماما مع المفخخات والأحزمة الناسفة التي زرعت الموت والدمار في كل مكان , وأشلاء الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ قد كشقت زيف هذه الإخوّة الكاذبة .
فالوطن الذي تغنّينا به وأرخصنا الأرواح من أجل الحفاظ على وحدته , بات عبئا ثقيلا على مكوّناته , فهذه المكوّنات لم تعد قادرة على التعايش والانسجام مع بعضها بسبب التشنّجات الطائفية والقومية والتناقض في الأهداف والمصالح , وفي ظل هذه الأحداث المتسارعة والمخاوف من اندلاع حرب أهلية باتت ملامحها تتسع يوم بعد يوم وتحصد الأخضر واليابس , ينبغي على الجميع التحلي بروح المسؤولية واتخاذ القرار الصحيح والصائب .
والقرار الصائب هو في إقامة ثلاثة كونفدراليات مستقلة للمكوّنات الرئيسية الثلاث , وترك كل مكوّن من هذه المكوّنات يحكم نفسه ويدير ثرواته بالطريقة التي يراها مناسبة , فهذا هو الحل الوحيد الذي يجّنب الناس القتل وسفك الدماء وتطاير الاشلاء , وعلى قادة التحالف الوطني أن لا يكونوا ملكيين أكثر من الملك , وكفاهم خداعا وركضا وراء السراب , وليدعوا الآخرين وشأنهم , فنحن أيضا قد سئمنا أن تكون مواردنا وأموالنا سببا لتعاستنا وقتلنا , فالركض وراء السراب سوف لن نجني منه سوى الخيبة والخسران , وفي النهاية سنقبل بهذا الخيار مرغمين .