خاص : ترجمة – محمد بناية :
مر “عمر البشير”، الذي وصل إلى السلطة بانقلاب مشابه لانقلاب “علي عبدالله صالح”؛ في “اليمن”، و”عبدالعزيز بوتفليقة”؛ بـ”الجزائر”، والمرشد الإيراني وغيرهم، بمختلف الأزمات على مدى الثلاثين عامًا الماضية، بدءًا من “المؤامرة” داخل الجيش، والاحتجاجات الشعبية ذات الجذور الاقتصادية والاجتماعية، وأزمة دارفور، (عام 2005)، والمذابح التي وقعت، والمكافحة ضد “العقوبات الأميركية” الشاملة، عام 2007، على خلفية دعم الإرهاب، وتقسيم “السودان” وانفصال “الجنوب”، عام 2011، وحتى صدور أحكام ضد “البشير” من “المحكمة الجنائية الدولية” وغيرها.
ولقد كان يتوقع، منذ العام 2015، وبخاصة بعد قطع العلاقات مع “إيران” والتحول بإتجاه “السعودية” و”الولايات المتحدة”؛ أن يظل بالسلطة طوال حياته.
وكان يفكر في تغيير الدستور، حتى يتسنى له المشاركة بعد عامين في الانتخابات الرئاسية. بحسب موقع (راديو الغد) الأميركي الناطق بالفارسية.
الأسباب التي هزت بساط قوة “البشير”..
ساهمت بعض العوامل المتراكبة مؤخرًا، في الإضرار بـ”البشير”. والواقع أن المجتمع السوداني يصارع، خلال السنوات الخمس الأخيرة، مشكلات اقتصادية ممتدة بخلاف القمع والإنغلاق السياسي.
إذ خسر “السودان”، بانفصال “الجنوب”، نصف عوائده تقريبًا؛ و95% من صادراته، طبقًا لمعطيات “البنك الدولي”. حيث إنفضت العوائد الوطنية السنوية من 3300 دولار في العام 2011؛ إلى حوالي 990 دولار.
وتدهور الوضع الاقتصادي ناجم عن تبني سياسة التقشف الاقتصادي وإلغاء الدعم للحصول على قروض أجنبية. ولذلك اندلعت، منذ 2013، أربع احتجاجات على الأقل.
والطريف أن “السودان” يُعرف منذ القدم بـ”المستودع الإفريقي”؛ بسبب وفرة الأراضي الزراعية الخصبة ومياه النيل، لكن سوء الإدارة دفع البلاد بإتجاه الاستيراد.
ولم تفلح عملية تحسين العلاقات مع “الولايات المتحدة” وإلغاء العقوبات، عام 2017، في تحسين أوضاع الاقتصاد الفاسد والمحروم من العوائد النفطية. وبالنهاية تسببت زيادة أسعار الخبز وبعض الأصناف الأخرى في نفاذ صبر بعض القطاعات السودانية. وفاقت قوة الاحتجاجات قدرة “البشير” على المواجهة، فأعلن حالة الطواريء وحل الحكومة المركزية وتنحى عن رئاسة الحزب الحاكم؛ وسحب بعض القرارات الاقتصادية المثيرة للاستياء.
لكن الاحتجاجات كانت أكبر من “البشير”، وقد شهدت الاحتجاجات مشاركة نسائية غير مسبوقة، خلال الثلاثين عامًا الماضية، جراء الضغوط الاقتصادية والتمييز والقمع.
عوامل مساعدة على الإطاحة بـ”البشير”..
عاد “صادق المهدي”، أحد القيادات الإسلامية الوسطية المعارضة، لحكم “البشير”، وهو آخر رئيس وزراء منتخب قبل الانقلاب، إلى “السودان” بمجرد إندلاع الاحتجاجات، الأمر الذي دفع بعض الأحزاب المتحالفة مع الحكومة السودانية إلى الانسحاب سريعًا من التحالف مع “عمر البشير”، وهو ما ساهم في بلورة إنسجام غير مسبوق في صفوف المعارضة؛ برز في التركيز على شعار تنحي “البشير”، بالتوازي مع إندلاع الاختلافات في صفوف الجيش باعتباره أهم نقاط إرتكاز “البشير”، وأتضح تدريجيًا للجميع أن الاحتجاجات تستهدف، هذه المرة، أسس قوة “البشير”، لا سيما بعد تحصن المحتجين حول مقر القيادة ووزارة الدفاع ومطالبة الجيش بالتخلي عن “البشير” والإنضمام إلى الجماهير.
وتدريجيًا تصاعدت وتيرة الاختلاف بين قوات الأمن وبعض قطاعات الجيش السوداني بشأن كيفية المواجهة ضد هذا الحصار.
وفي بداية الأزمة سارعت دول مثل “السعودية” و”قطر” و”تركيا” و”مصر” لإعلان دعم ومساندة “البشير”، وأبدى بعضهم موافقة على تنحي “البشير”؛ قبل أن يفقد الجيش السيطرة على الوضع.
وخرجت بيانات مشتركة، (وإن كانت متأخرة)، من “أميركا” و”بريطانيا” و”النرويج” تدعم الحوار مع المعارضة، فضلاً عن تأثير المفاوضات السرية على تقوية الأطياف الموافقة على تنحي “البشير”.
صعوبات المسار..
بالتأكيد لم يتبنى نظام “البشير” تحول هيكل السلطة إلى الديمقراطية، وتسببت مساعي وضغوط “الإخوان المسلمين” في تحكيم الشريعة داخل الهيكل السياسي للدولة؛ والتي بدأت مع “جعفر النميري”، في مشاكل للنظام مع بعض قطاعات المجتمع، وهو في الحقيقة درس مفيد لصانع القرار المقبل، وأهمية الإلتفات لخلق مجتمع تعددي يتمتع بالحرية الدينية.
والمحتمل أن تنتهي وفاة “صادق الترابي”، زعيم “الإخوان المسلمين” في “السودان” الأكثر قوة، وتقوية مشاركة التيارات الإسلامية الأكثر إعتدلاً في الحراك الأخير؛ والإضرار بـ”الإخوان المسلمين”، وتعاظم دور الاتحادات النقابية والميل للعلمانية ومشاركة النساء والشباب الواسعة في الحراك الأخير؛ إلى الديمقراطية مع احتمالات تقليص المزج بين الدين والسلطة.
لكن بالتأكيد لا يمكن طي الطريق دون مشكلات أساسية مثل الفقر ونمو الكثافة السكانية النسبي، وتراجع متوسط الأعمار، وعدم حل المشاكل العرقية في “دارفور” وغيرها من مناطق الدولة، والخلافات مع بعض دول الجوار؛ مثل “تشاد”، من جملة العوامل السلبية على مسار “السودان” لوضع ديمقراطي نسبي مستقر.