الوجوه صفحات المشاعر
يسعى النقد الحديث لأستكناه ما يسمى مقتربات النص , او مداخله بنحو واسع لأن هذه المقتربات ذات اشتمالية واسعة ومهمة لقراءة المتن , والكشف عن حيثياته ونقاطه العميقة , ودلالاته الجمالية, فهي تخلق لدى المتلقي نوعا من الاغراء والاغواء لأقتحام بواباته واسيجته العالية. سنحاول قراءة عتبات هذه المجموعة كالاتي :
1- الغلاف الامامي والخلفي
2- التوطئة والاطلالة
3- العنوانات الفرعية
1-أ : العنونة
تشكل العنونة عتبة اساسية في استقراء المتن , او الاثر الادبي لأنه يمنح النص هويته , ويمدنا بمقومات فتح مغاليقه بنحو او بأخر ويقدم لنا ايضا ( معونة كبرى لضبط انسجام النص , او فهم ما غمض منه كونه المحور الذي يتوالد ويتنامى ويعيد انتاج نفسه ). وقد تذهب العنونة مذهبا اخر عندما تكون متنا لوحدها , بمعنى انفصاله عن الجسد الام . لهذ الامر وضع ( ليو هوك ) leo . H . Hock مجموعة من الادوار التي تضطلع بها العنونة ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
اولا : الدور الاستثاري: ووظيفته استثارة القارىء قصد اقتناء الكتاب من النظرة الاولى
ثانيا: الدور التنبيهي :ووظيفتها التنيه لما يمكن ان يحدث او يأتي في المتن نتيجة لأستشعار اولي في العتبة
ثالثا : الدور الايحائي : ووظيفته وظيفة مباشرة في الاحالة الى المتن
رابعا : الدور الاختزاالي : ووظيفته اختزال النص بجملة او كلمة او قد يلعب دورا تهويميا للمتن .
هذه الادوار تساعدنا في الوصول الى المبتغى ونصل منها الى ان المجموعة التي بين يدينا قد حققت معظم هذه الادوار , فقد كانت العنونة متحركة في الزمان والمكان اضافة الى ما تبعثه مفردة القسمات من بعد نفسي لأستقراء المغيب من الاحاسيس بنحو قصدي او مفتعل .اذن العنونة شكلت بعدا تهويميا للمتلقي اذ ان الشاعر ترك للمتلقي عملية البحث والمشاركة في العمل , فهو , اي الشاعر , لم يصرح بما لا ينطق , ولم نعرف ما هي الاشياء التي تحكيها القسمات , وهل هنالك من رابط بين الصمت والقسمات وما تحكيه ؟ اسئلة مهمة تضعها العنونة امامنا وهذا ما يستوجب التوقف عند العنونة كونها ايقونة دلالية مهمة في عملية استجلاء مكامن النص العميقة .
1- ثانيا
الغلاف الاول :
يتشح الغلاف الاول بألوان متداخلة يميزها اللون الوردي الذي يعطي بعدا تخييليا , اذ ان المغرم به متعطش للسعادة وان كل ما حوله من الاشياء ما هي الا بواعث سعادة مرتجاة اضافة الى ان هذا اللون يدفع الانسان على عدم الاستسلام للمشاكل بسرعة . في اعلى الغلاف ثمة مستطيل صغير كتب عليه جهة الاصدار وباللون الارجواني الذي يوحي بالتأمل وتحرر النفس مما يعتريها بواسطة خلق فاصل بين الحاضر والماضي . اسفل المستطيل يظهر اسم الشاعر بلون اسود وبخط حاسوبي ومعروفة دلالات اللون الاسود كونه لون الغموض والجاذبية والحزن . اسفل من اسم الشاعر ثريا المجموعة مطبوعة بخط حاسوبي حديث واسفل الثريا ثمة مربع بداخله لوحة انطباعية تتداخل فيها الالوان لكن اللون الاخضر هو السائد فيها اضافة الى اللون البني . تحاول اللوحة ان تستفز انتباهنا لقسمات الوجوه اذ ظهرت متباينة ومنبئة عما يختلج نفوسها مع وجود نخلة خضراء خلف الشخصيات مما يدلل على وجود حياة نضرة . على يمين اللوحة ثمة عنوان تجنيسي خاص بالعمل مكتوب بخط حاسوبي يشير الى ان الكتاب كتاب شعر .
التوطئة :
تعد التوطئة عملية استهلالية للنص وهي بعد هذا بمثابة رواق للمتن . بها ومنها نكون قد اقتربنا خطوة مهمة من مركز ثقل النص وقد يتبدى لنا بواسطتها جزءا مهما من جسد العمل الذي بين ايدينا .وتوطئة هذه المجموعة تريد ان تقول لنا ان ما يراد منها يكمن فيما هو حاصل بين ذوات انسانية وما يتقطر من قيم سماوية وما يحصل على الارض كونها لازمة الوجود الانساني من حيث الانتماء التكويني .يستتبع الشاعر التوطئة بأطلالة على الاتي . هذه الاطلالة يغلفها الامل ويحدوها التشبث بالاتي ويطرز عباراتها افق لا تغيب عنه الشمس في المرتجى بدليل ان المتحصل من القول كله الذي يعد خلاصة الخلاصات قول الشاعر :
الخسارات قرابين
والفقد ربح
……
…
ما اجمل الضياع في طرق السماوات
اما الغلاف الاخير فيتخذ اللون الارجواني مساحته الاوسع , وهذا اللون يدل على التأمل وتحرر النفس من اسارها والتشبث بما هو روحي , وهذه كلها لا تخرج عما جاء في الاطلالة . ثمة صورة للشاعر ومقطع من قصيدة يوما ما سألقاك . هذا المقطع يبحث في الغائب المملوء قيما وفضائل , والشاعر يريد – هنا – ان يصنع صراطا خاصا به , صراطا لا يعبره الا اولئك المتشبثون بالطهارة والنقاء وحب الاناس . ما تبقى لدينا من مقتربات هي العنوانات الفرعية ونقصد بها عنوانات القصائد وقد توزعت على الشكل الاتي :
نكرة معرفة جملة اسمية جملة فعلية شبه جملة
27 14 6 7 1
الجدول انفا يبين لنا ان الصيغة النكرة هي السائدة وهذا يعني التركيز على مبدأ التعظيم والتفخيم وكذلك التكثير بمعنى ان كثرته اغنت عن تعريفه اضافة الى عدم الحصر اما المعرفة بنوعيها فهي ترمي الى احقاق الصفة بموصوفها ومقام التعريف الطلب والدعاء
تتوزع مجموعة الشاعر كاظم مزهر على بنيتين اساسيتين هما : الخيبة والامل . ويبدو رنين الاولى اقوى من الثانية في معظم القصائد , فحيثما ينبلج ليل بهيم تزحف الخيبة لتطوق عنق ذلك الامل , وحيثما تسود الخيبة , ينفلت خيط امل من عقالها لينير الدرب ويضيء عتمة الروح , وبين هذه وتلك تعوم روح الشاعر بحثا عن قطرة ماء تقتل صحراء الربع الخالي بداخله .
ان اول المؤثرات على استفحال بنية الخيبة هو العالم الخارجي وظروفه الذاتية والموضوعية وما يؤول اليه من خيبات وانكسارات وجدب روحي
ثراك مرصود بالمكائد
ملبدة سماؤك بسحب الوصاية
تطاردك تلسكوبات الفجيعة
ويحاك لثوبك خيط مستديم
تنازعه العناكب بأدبارها
نلاحظ – هنا – ان الخيبة مكتنفة للغة فلا يبدو الصراع جليا بين الشاعر ولغته لأنخها , اي اللغة , قد صاغت حياة الخيبة واستطاعت ان تلمها داخل دائرتها الكبيرة من دون خسارات فادحة . اذن اللغة لم يعتليها النكوص ولم تجدب نتيجة احتدام الخيبة في الذات المنتجة لها بل استطاعت ان تكون بمستوى الحدث حتى انها ترفد الخيبة بما يعينها للأنفلات من عقالها من دون ان تقوى تلك الخيبة على بناء مشهدها بواسطة نزع جلباب الشعر عنها . ولم تستطع تلك الخيبة السوداء من قتل روح الفكاهة من ذات الشاعر الذي يحاول جاهدا ان لا يسلم نفسه لها , انه يحتفي بروح فكهة قادرة على تخطي انين اللحظة
تشيد دارك من اضلاع الفقراء
وتنقش عليها بالحجر الممرد
(( هذا من فضل ربي ))
انه يعيد ترميم ذاته بواسطة النظر الى خيبة من طراز اخر , خيبة الناظر الى ما تحت قدميه , خيبة الجذلان بمتحصلات غير انسانية . انها محنة الانسان منذ صيرورته في الركض وراء كل شيء والذهاب الى نهايته خالي الوفاض . انها الخيبة الكبرى , خيبة الانسانية فيما ترومه بل فيما يفعله الاخرون من افعال شائنة لا تليق بكلمة انسان . ان كل ما سبق لا يلغي فعل النماء في انموذج العطاء والخير , فثمة حقائق عليا تغسل كل الادران وتفتح اكثر من كوة في جدران الهشاشة الروحية , فالتمسك بالقيم الفاضلة والخالدة عصي ( على مخالب الفناء ) .
مأخوذا بتقبيل جبهة القدر
وارتشاف الحمد
في ذيل الكريهة
احتسي الشكر
صباح مساء
وامجد الرب
فوق عرشه .
بهذا المنطق يتجاوز الشاعر موضوعة الرجاء الى امر يكشف عن حكمة ابدية حيال ما هو صعب واسود من اجل بناء طمأنينة تتمثل في ذلك النسغ الروحي الذي تضفيه قيم السماء على ذات الانسان المترع بالايمان والتي تساعده في انتزاع جلباب اليأس والخيبة لتصبح روحه خصبة يانعة لحياة افضل .
في الجانب الاخر تتمظهر بنية الامل كعنصر موازنة واقصاء لمظاهر الاسى والالم المترسبة في ذات الشاعر . ولعل الشاعر قد ابدع في استثمار ما حوله من عناصر الطبيعة لتصوير افق الامل وهذا ما يؤكد قوة العلاقة بين الانسان ومظاهر الطبيعة المحسوسة
الملل ثوب لن ارتديه
افكاري فيك تتماهى
كي تبلغ مرتبة ارقى
لونك يصبغ لوحاتي
يمكث على زجاج
نوافذي
شفافة مثل اشتهاء للحياة
انه الحلم الواعي الذي يجذب الشاعر ليسترجع ضياء الامل ويقينيته بواسطة رفضه ارتداء ثوب الملل واليأس والخيبة . ولعل بنية الاحتمال تأخذ حيزها من معين الامل لترسمه حقيقة لا يدخلها الشك من اجل مسك ما افتقد منه , فظل قلب الشاعر مرتهن بما يعين على التمسك بالامل من خلال مناجاة روحية سامقة
في الشغاف
ايتها الحكمة
وجهك مضمار لهواجسي
فأستعرضي قوامك المقدس
وانشري افقك الرحب
الكون بغير محياك
جدب
فأنت نسغ السماء
بهذا المنطق يفض الشاعر طوق الخيبة ليكشف عن تأصيلاته الروحية المتمثلة بسلاح الحكمة البناءة المتمثلة بذلك النسغ الروحي الذي تضفيه قيم السماء على ذات الانسان لتنزع عنه جلباب اليأس والخيبة وتنضج فيه وبه روح الخصوبة بحياة افضل على الرغم من كل العماء الذي يحيط به . لقد استطاعت هذه المجموعة ان تستفز سجلنا القرائي من اجل عبور واقع متآكل صوب ارض غير بوار .