بجرة قلم أو (نقرات على كيبورد) الغى كاتب في موقع مقرب من رئيس الوزراء نوري المالكي تاريخاً نضالياً يتجاوز النصف قرن للشيوعيين وقوى اليسار العراقي ، حدث ذلك في تقرير نشره موقع (المسلة) اثر اعلان نتائج انتخابات مجالس المحافظات تحت عنوان (الترفع الفكري و طوباوية الشعارات وراء هزيمة التيارات الليبرالية) بدأه بالقول (انتهى العرس الديمقراطي العراقي الى لحظة الحقيقة بالنسبة للقوى التي تعتبر نفسها يسارية وديمقراطية في السعي لتمييز نفسها عن القوى الدينية والمحافظة التي تتسيد الساحة في قدرتها على تحشيد الاتباع وكسب التاييد وساتوقف هنا عند جملتين .
جملة ( تعتبر نفسها يسارية وديمقراطية) لاتساءل هل يكفي ان يعتبر الانسان نفسه يسارياً وديمقراطياً ليكون كذلك ام ان كاتب التقرير اراد الغمز في احقية هذه التيارات بالاسم الذي تحمله والذي اكتسبته من برامجها المستقبلية والحداثية التي تميزها فعلاً عن القوى التي اسماها بالدينية والمحافظة وهي في الحقيقة قوى لا تملك أي برنامج مستقبلي للعراق وتنبش في زوايا التاريخ عن خرافات وخزعبلات توظفها من اجل الكسب السياسي والتحشيد الذي عبر كاتب التقرير عن سعادته به بطريقة واضحة لأن الانتخابات كما قال (اسفرت عن تقدم ائتلاف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ليعزز موقعه قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في 2014 حيث لمح الى انه سيشكل حكومة اغلبية) هذا ما جاء في التقرير.
قال الكاتب ايضا (وفي الوقت الذي عول فيه انصار قوى اليسار على نتائج الانتخابات الاخيرة كبرهان يؤكد انتعاش دورهم بين الجماهير ، فأن التقدم الطفيف في عدد الاصوات يؤكد انهم يعيشون في حالة الانحسار التي تعيشها اغلب قوى اليسار في المنطقة وهي حالة بدأت منذ السبعينات بصعود المد الديني والتيار المحافظ الى الحد الذي اصبحوا فيه ديكورا في ديمقراطية لم يكسبوا منها نفوذا بحسب وصف محللين ) وهنا ايضا اسأل الكاتب عن صعود المد الديني وظروفه في المراحل التي اشار هو اليها في تقريره وهل كان ذلك الصعود مصادفة ام انه نتيجة تدفق اموال الداعمين سواء من السعودية و بعض دول الخليج ايام الحرب في افغانستان وبتوجيه امريكي للحد من نفوذ اليسار في المنطقة ، او من ايران فيما بعد حيث فتحت لهم خزائنها بغير حساب ينفقون منها على الاعلام والدعاية والترويج وتخويف الناس من الكفرة (الشيوعيين والليبراليين) و اذا كان اليسار ديكورا كما جاء في التقرير فلماذا تم اغتيال الناشط اليساري الشهيد هادي المهدي الذي شكل تيارا عابرا للطائفية من الشباب في الشارع هدد المراهنين على الغرائز الطائفية البدائية فدبروا امر اغتياله ، واذا لم يكن للسلطة واطرافها يد في تلك الجريمة لماذا (لفلفت) وقيدت ضد مجهول !!
يحاول الكاتب في تقريره ان يستشهد بنتائج الربيع العربي ولكنه يقفز الى النتائج دون الخوض في الاسباب ، ففي حين كان اليسار مطاردا ومهمشا وكذلك الاحزاب الدينية كانت للاخيرة المنابرمساجد مصر وتونس تجمع الناس حولها ، وكانت تتلقى الدعم من دول معروفة (قطر) (السعودية) (ايران) لتقيم الجمعيات الخيرية التي اصبحت وسيلتها للتغلل في اوساط الفقراء في حين يعاني اليسار من الحصار في النقابات العمالية والمهنية ويحاول ان يقدم نفسه بامكانيات متواضعة جدا يمكن لمن اطلع على صحفه ونشراته ان يلمسها جيدا في ظل انتشار الفضائيات التي لاتخلوا شاشة من شاشاتها من برنامج او اكثر يقدمه او يستضيف محسوبين على هذه التيارات للترويج لها بصور مختلفة ، ولقد ظلت هذه القوى على مسافة قريبة من الحكام الدكتاتوريين تغازلهم بين الحين والاخر وتمكنت ان تتمدد في الشارع وان تصادر الثورات التي قادها شباب مهمش خطيئته انه كان بلا قيادة تملك تجربة بينما كانت لتلك القوى قيادات ذات خبرة طويلة في التقلبات السياسية .
انا هنا لا ادافع عن الشيوعيين والتيارات الديمقراطية في العراق والتي اعتبرها ارتكبت خطأ جسيما حينما رضيت بأن تجلس في مجلس الحكم الامريكي الذي نصبه الاحتلال وعلى اساس التمثيل الطائفي فوجهت سهماً الى تاريخها النضالي الطويل واصابت شريحة واسعة من مؤيديها بالخيبة لأنها التقت مع القوى الدينية والظلامية في مشروع سنرى انه دمر العراق خلال السنوات العشر الماضية، انا هنا ادافع عن المبادئ والقيم التي ارساها اليسار العراقي وفي مقدمته الحزب الشيوعي عبر سنوات نضال طويلة تحققت خلالها مكاسب تاريخية للطبقة العاملة وللمراة في العراق تلك الحقوق التي يعمل التيار الذي يمثله نوري المالكي واحزاب التأسلم السياسي على تهميشها في الطريق الى مصادرتها نهائياً. وأسأل كاتب التقرير هنا ماهو المنجز الذي قدمته احزاب الاسلام السياسي الشيعية والسنية لشعوب المنطقة ؟ ماذا قدمت للدول التي حكمتها (السودان) و( ايران) غير احتكار السلطة وتهميش الاخر وتكريس التخلف والفساد !!
ان القاصي والداني في العراق يعرف ان رئيس الوزراء وائتلافه لم يكن ليحقق ما حققه لولا امكانية السلطة اولاً والتي وضعت في خدمة مرشحيه ، ولولا حالة الاستقطاب الطائفي البشعة التي يحييها (الارهاب) حليف (الفساد) التاريخي في عراق ما بعد الاحتلال كلما (خمدت) وسياتي يوم تتكشف فيه حقائق مذهلة حول التزاوج بين الارهاب والفساد والاطراف التي تشجعه وتدعمه من اجل استمرار الاستقطاب الطائفي الذي لم يطرح مشروعاً وطنياً عراقياً وانما طرح مشاريع طائفية ضيقة استغلت حتى في الانتخابات المحلية التي من المفترض ان يغيب عنها العامل السياسي لصالح العامل الاجتماعي والخدماتي!!! كما هو الحال في الدول المتقدمة.
ماذا قدم ائتلاف المالكي الذي يروج له التقرير على مدى سنوات تسلمه للسلطة لكي يفوز في المحافظات التي فاز بها غير مغازلة الغرائز الطائفية والتخويف من الطرف الآخر الذي لا تخلو صفوفه من مغازلين لهذه الغرائز هذا على المستوى العام، اما على المستوى الخاص فكان حماية الفاسدين والتستر عليهم والتلويح بالمكاسب الشخصية من اجل اضعاف الاطرف الآخرى.
في التقرير نفسه حاول الكاتب ان يظهر نفسه (حياديا) من خلال الاستشهاد ببعض الاراء المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي ولكنه يثير سخرية من يقرأه حين يستشهد برأي كتبه احدهم يقول فيه (اتهام اليسار العراقي او الاحزاب والتيارات العلمانية بانتماءآت مشبوهة لدول خليجية واصطفافهم مع طائفة معينة دون الاخذ بالاعتبار ان الطائفة الاخرى تمثل اغلبية ساحقة في العراق ) ويعلم الجميع ان اليسار العراقي عموما هو اول من وقف ضد التهييج الطائفي و اول من ادانه فمن اين جاء الكاتب المحترم باستنتاجه هذا ؟ ولو كان اليسار كما يقول (مدعوم خليجيا)!! لتمكن من اطلاق قناة فضائية واحدة تعرض برامجه للناس وسط هذا السيل الجارف من فضائيات التخلف الشيعية والسنية التي يمولها المشروعان المتخلفان المتصارعان في المنطقة ( السعودية وقطر) من جهة و( ايران) من جهة اخرى والتي تبث الكراهية والضغينة بين ابناء شعوب المنطقة وتوظف التاريخ لتدمير المستقبل !!
قبل الانتخابات بأيام اعلنت الحكومة البريطانية صدور الحكم على مجهز العراق بالاجهزة المزورة لكشف المتفجرات”جيم ماكورميك ولو سبق هذا الحكم أية انتخابات في أي بلد متقدم لقال الناخبون للسيد المالكي اين هم الاطراف العراقية المشاركة في الصفقة وماذا فعلت لهم؟ قل لنا قبل ان نصوت لك !!! ولكننا في العراق وكل شيء جائز في المجتمع الذي تحكمه الغرائز!!! ولااجد افضل مما كتبه الكاتب العراقي الساخر المبدع (شلش العراقي) في مناسبة انتخابية سابقة وفي موقع ( كتابات) تحت عنوان ( حفل انتخابي لعشيرة جائعة ) لأستشهد به في ختام كلمتي هذه. وهوعلى الرابط
http://www.iraqsnuclearmirage.com/articles/73-hafil.html