كأول ممثلة للمجتمعات الإسلامية على الإطلاق، في كل الإدارات الأمريكية، أصبحت فرح بانديث مسؤولة عن التعامل مع المسلمين في كل أنحاء العالم لفهم نزعات التطرف والإرهاب لدى الشباب المسلم وسهولة تجنيدهم من قبل المنظمات الإرهابية ومن ثم وضع الآليات الناجعة للقضاء على جذور التطرف واجتثاث الإرهاب من اساسه، عبر المؤسسات او من خلال الإتصال المباشر مع الأفراد. بانديت كانت ترفع تقريرها مباشرة الى وزير الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون اعتبارا من بدء ولايتها عام ٢٠٠٩ ومن ثم الى الوزير جون كيري في ولاية اوباما الثانية.
قبل ذلك، شغلت السيدة بانديث منصب المستشار المساعد الأقدم في مكتب أوروبا وأوراسيا، ٢٠٠٤-٢٠٠٧، ثم خدمت في مجلس الأمن القومي مديراً للمبادرات الأقليمية في الشرق الأوسط، علما انها عادت الى العمل الحكومي إثر هجمات ١١ أيلول ٢٠٠١ مباشرة ، رئيسا لإدارات مكتب الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية في اسيا والشرق الأدنى، بعد ان كانت تعمل في نفس الوكالة إبّان تسعينيات القرن الماضي.
كرائدة عالمية في مكافحة الفكر الإرهابي وخبيرة ميدانية في استكشاف جذوره، زارت بانديث ١٠٠ بلد وقدمت خلاصة تجربتها في كتاب صدر مؤخرا بعنوان “كيف سنربح- كيف يمكن لرواد الأعمال العصريين والسياسة المتبصرة ورجال الأعمال المتنورين ونشطاء الإعلام المجتمعي الماهرين، ان يهزموا التطرف” .
من اللمحات المتميزة في هذا الكتاب الضخم والمهم والذي لم اكمل قراءته بعد، هو استنتاج السيدة بانديت ان نزعة التطرف والإرهاب أزمة هوية قبل اي شيء آخر، وتؤكد ان المسألة لا تتعلق بالغضب من سياسة أمريكية معينة او سوء الفهم إزاء أمريكا كدولة ونظام. المتطرفون ينجحون في تجنيد الشباب لأنهم توّاقون الى اجوبة وافية حول معضلة هويتهم وكيانهم. من يكونون؟ او كيف من المفترض أن يكونون؟، كيف عليهم ان يعيشوا ويختبروا حياتهم كمسلمين؟ ، وكيف يكون شكل الإنتماء الى المجتمع؟
الشباب المسلم يشعر بالإنفصال عن السلطات التقليدية المهيمنة على بلدانهم، وليس لديهم ادنى تفاعل او تواصل مع الأجوبة التي تقدمها هذه السلطات حول الأسئلة التي تحيرهم، ولهذا فإنهم يجدون أنفسهم في تحدي للعثور على أجوبتهم الخاصة ويشترون مغمضي العيون وعن عمىً، الأفكار المتجانسة التي يعتقدونها صحيح الدين ومن صراطه المستقيم. تلك الأفكار التي يجدونها منتشرة بينهم ويواجهونها باستمرار إما في نشاطاتهم المعتادة او تعبر عن حقيقتها في تلك النشاطات.
هذه الحالة تجعل الشاب المسلم حساسا، حرجاً وسهل الإختراق من قبل الأصوليون وادعاءاتهم ومروياتهم دون تبصر. هؤلاء الممثلين “الأشرار” يفهمون ما يعانيه الشباب من حيرة وفقدان للهوية ويقدمون لهم الأجوبة بصبر مع قصد الإستحواذ والسيطرة وإيقاعهم في الشراك.
تلك هي المشكلة التي تقول بانديث ان علينا تقديمها وابرازها والتغلب عليها. قالت بانديت ذلك في كتابها وتركت العمل في الحكومة بعد حوالي عقدين من الزمن، لتنضم الى معهد الحوار الإستراتيجي، غير الحكومي في لندن، مديرا للإستراتيجية اضافة الى كونها كبير زملاء المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية وهو مؤسسة غير حكومية اخرى تأسس عام ١٩٢١.
قد لا يكون ترك العمل الحكومي دليلا على احتجاج او اعتراض وعدم رضا عن سياسة الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي عملت معها السيدة بانديت ، جمهوريين وديمقراطيين، الا ان الحقيقة المؤلمة ان كل تلك الإدارات لم تستوعب ما توصلت اليها من استنتاج يقضي بأن حالة الإغتراب وفقدان الهوية التي يعاني منها الشباب المسلم هو انقطاع التواصل بينهم وبين السلطات المستبدة الفاسدة والرجعية المتخلفة التي تطمس الهوية وتقتل الحلم، واستمر التحالف بالتالي بين أمريكان وبين تلك السلطات المفرِّخة للإرهاب.