18 نوفمبر، 2024 7:36 ص
Search
Close this search box.

طالب القره غولي.. كوكب يهوي..وكبرياء يتألق

طالب القره غولي.. كوكب يهوي..وكبرياء يتألق

بالأمس سقط كوكب آخر في سماء الإبداع العراقي ، تألق نجمه لعقود ، في سجل الغناء  العراقي الأصيل ، انه عندليب الطرب العراقي الملحن الشهير طالب القرغولي، الذي إختطفته يد المنون الى بارئها، حيث مستقرات الخلود والحياة الأبدية.
وقد شيعت جماهير غفيرة في محافظة ذي قار جثمان الفقيد الطاهر الى مثواه الاخير في الناصرية ، مدينة الحضارة والتاريخ والعبقرية العراقية ، ليكتب في سفر هذا التاريخ المليء بكنوز المعرفة والإبداع ما يسجل مفخرة للعراقيين جميعا، في أنهم كانوا وما زالوا ، مناجم من ذهب ، نحتت في الصخر العراقي، قلائد محبة واعتزاز تتفاخر بها الأجيال العراقية ، في سجلها الخالد بكل ما يعلي شأن الطامحين الى التألق والإبداع علوا وكبرياء.
كانت مدينة الناصرية شامخة بكل كبريائها وهي تودع هذا الرجل المعطاء الذي ترك في الذاكرة العراقية ما يشهد له بأنه كان إبنا بارا أوفى لبلاد العرافدين ورفع من شأن حضاراتها ، وأضاف من عصارة عقله وسحر إبداعه مايروي الأرض العراقية من عطشها لقرون.
المرحوم طالب القرغولي كان علما شامخا ونخلة شماء ، ورغم ان الدولة لم تتدخل في أمر تشييعه، ولم يحاط جسده الطاهر بالعلم العراقي تكريما لإبداعه الأصيل ، الا انه كان هو علما وراية خفاقة، في زمن قل فيه تكريم المبدعين او رعايتهم، وصار الاهتمام بالطارئين ممن اوصلتهم الاقدار الى مراكز متقدمة ليكون لهم “القدح المعلى “، أما من أبدعوا ورفعوا إسم العراق عاليا وكانوا عنوان الشموخ العراقي فلم يجدوا أي إهتمام يذكر، لأنهم لم يدخلوا دكاكين السياسة أو انخرطوا في كيان سياسي ، وبقوا عراقيين أصلاء يرتقون فوق المسميات والعناوين، وقد حافظوا على سجلهم من أن تطاله الشبهات.
ولو كان المرحوم طالب القره غولي بريطانيا  أو أمريكيا أو من بلاد ممن تهتم بالبشر لسار وراء جنازته رؤساء جمهوريات ورؤساء وزارات وقادة سياسييون كبار في الدولة والمجتمع، ولكن في بلد مثل العراق يحتقر مواطنيه ويعاملهم على أنهم بشر من الدرجة العاشرة، فلن يتوقع ان نرى اهتماما بالمبدعين والعقول الكبيرة التي خدمت البلد وقدمت له عصارة عمرها وإبداعها ، لأن الانسان في العراق هو في آخر اهتمامات القائمين على هذا البلد.
رحل الفنان الكبير طالب القره غولي،  لكنه لن يرحل عن ذاكرة العراقيين ومحبيه من الفنانين والمشاهير، والناس الطيبين، في زمن كانت الحرب الطائفية تدق طبولها عند أبواب العراقيين وعلى مقربة من اماكن عبادتهم ومراكز تسوقهم، وصار الموت هو العنوان المفضل لدى العراقيين ، إذ لاخيار لديهم ، بعد إن خارت آمالهم وتحطمت آمالهم وأحلامهم، وأوقعتهم الأقدار في حرب تحرق الاخضر واليابس، ولا يدري العراقيون الى أين تهوي بهم الاقدار، والى اين يسير مركب سفينتهم وهو يتأرجح صوب اليمين وصوب الشمال، وهي تموج وسرعة رياحها وأمواجها مرعبة ،ولم يتبق الا رحمة الخالق الواحد الأحد لتنقذ العراقيين من بلوى المت بهم وحصدت الالاف من ارواحهم البريئة ، وهي ما تزال في ريعان عمرها ، لم تر من نور الحياة ما يحقق لها بعض احلامها الصغيرة ، في أن تحيا بشرا، فيه تصان كراماتهم وتحترم حقوق المواطنة ولو في أبسط أشكالها، لكن حتى هذا الحلم الصغير تبدد،  وذهبت آمالهم بتوقف الموت المجاني أدراج الرياح.
لقد كانت صفحات هذا الفنان العملاق مليئة بكل ما تشكل مصدر إلهام للباحثين عن القيم الأصيلة والقمم الشماء، وتراثها المعطاء يشفي غليل الباحثين عن ماء فرات متدفق العذوبة والصفاء والنقاء والشهامة والإباء توهجا إنسانيا ثرا، قل نظيره في التاريخ الانساني، ومفخرة تزيدنا شعودا بالاعتزاز بالنفس وبأن العراقي المبدع والانسان الوفي لشعبه وقيمه وتاريخه لابد وان يترك ما يؤشر في صفحات التميز العراقي ما يشكل مصدر فخر واعتزاز لكل هؤلاء الطيبين الذين غمرونا بإبداعهم وفنهم الراقي الأصيل، فأرتفعت ارواحهم في عليين، بعد ان اعطوا كل ما صدحت به حناجرهم وعقولهم ، فتركت لنا زادا روحيا، يبعث في ملايين الاجيال العراقية زهوا وشعورا بالالق والكبرياء بعظمة هذا الشعب على مرالتاريخ ، وهو أهلا ليبقى هكذا على مدارات الزمن ما بقيت حياة على هذه الارض المعطاء.
تحية اعتزاز وكبرياء لهذه النخلة الشماء ، التي تركت في مسيرة الابداع ما يشفع لها بأن تبقى تتقد في الذاكرة العراقية سمفونية فرحها وحزنها والمها وسقمها.. لن نقول لكم وداعا ايها العلم الكبير والانسان الملحمة.. بل نقول ان تراثك الخالد يؤجج فينا ما يكفي آلاف الحالمين بفجر إنساني جميل ان يتقد ليوقد في الروح ما يفجر فيها كل خصال الخير والمحبة والفضيلة، ولك منا بعد ان ودعنا نعشك ، ان نحفظ نعش العراق لكي نحمله على اكتافنا، حيا يتدفق حيوية وابداعا، ولك من محبيك وعشاقك كل التقدير والاحترام ياعملاق العراق الكبير.

أحدث المقالات