تداعتْ شتى الأفكار في ذهني وقَفَزَتْ سريعاً إلى واجهة اهتمامي, حين قرأت عناوين الصحف التي أوردت على صفحاتها الأولى خبراً يقول إن العراق سيصبح خلال سنوات قليلة في مستوى الدول المتقدمة!!
وذلك استناداً إلى ما قام به بعض الاقتصاديين من أبحاث ودراسات حول موضوع النمو الاقتصادي والسوق المفتوح الساق ,المشدود الخصر ,المضغوط من المؤخرة الاقتصادية للمخرجات الحية .
وفي ندوة تلفزيونية مثيرة, قال أحد الاختصاصيين, بأن نتائج النمو الاقتصادي جاءت مشجعة وتبشر بالخير ,وتقلل من تفاقم نقمة الناس على الحكومة من خلال ملئ الإسماع قبل البطون بالوعود والعهود .
أن نعمة الشفط واللفط في حال (تفجرها ) في مؤسساتنا الحكومية , ستسهم كثيراً, لا بل ستقفل دفتر «الدين العام» وتؤسس سريعاً لقفزة اقتصادية هائلة!
وبمجرد أن عمّ الخبر وانتشر, هبّ المعنيون جميعاً للبحث في تطوير البلد من خلال الاستثمار وتحويل الدولة من منفذة للمشاريع إلى رسم سياسات عامة .
والغاية معلومة وهي إن يتوفر الوقت ويزداد الجهد ويشفط المال .
وبدءوا كل المفكرين من الأغبياء والمجانين بالبحث والتنقيب مدججين بكل أفكار الشفط وقد اعدوا العدة للفط بدون ذوق أينما كان,متسكعين في الساحات والحدائق,منحدرين نحو والبساتين والغابات والسهول والشواطئ حتى ظنوا أن كل حفرة أو جحر يمكن أن تركب عليها أجهزة الشفط حتى على «الزفت» في الشارع.
هي بداية طيبة لمشروع تطوير الفكرة الاقتصادية !!
وأمام هذه الحالة «الوطنية الاقتصادية» من الشفط واللفط والسلت والاحتيال , وضعت الحكومة يدها على كامل الملف,وكلّفت بعض المقاولين بـ«التراضي» مهمة التدريب والتطوير , وبواسطة «شفاط» ضخم استوردوه خصيصاً لهذا الغرض.
هكذا, ارتفعت بيارق ورايات وأعلام التفاؤل والأمل بوطن سيصبح دولة «شافطة » !!
وكان «الشفاط» العملاق, عند انتقاله لكل منطقة جغرافية أو بقعة مباركة , يأخذ منها «عيّنة» ويرسلها إلى الجهد المتجحفل لتسهيل قضية اللفط التعاوني فيما بينهم, وذلك لفحصها وتحليلها وتذويب الشحنة المشفوطة بأقل الكلف . وبعد أقل من ساعة, ارتطم «شفاطنا الصامت » بالفكر الإسلامي نتيجة اختلاف الرؤى وابتعاد المنهج .
وكون الفكر الإسلامي يركز على قضية غسل الجنابة وازلة الشعر من العانة ونتف الإبط وتقصير الثياب وارتداء الجلباب حدثت بينهما مشكلة كبيرة .واتهم المفكرين الإسلاميين بالجمود والجحود خصوصا بعد قضية أرضاع الكبير وما سببته من إحراج للزوج قبل الزوجة …وما اتهموا به من مشاعر مكبوتة لديهم نحو التلذذ بالنساء وتعددهن في الفراش …وبينت عدم اهتمامهم بالمداعبة قبل الإتيان على طريقة الحصان ,وانهم مهتمين اكثر من غيرهم بالجهاد وقتال الرأي الآخر وضرب رقبته وجزه كالخرفان..كل هذا
حدا بالباقين إلى ركنهم جانبا والاستمرار في تطوير ستراتيجة الشفط من المؤخرة حتى يتقدموا إلى ما يقصدون واعتبارها تسقيط لهم في فترة الشفط .
وعلى الرغم من غوص الشفاط إلى هذه الأعماق من التواءات وثنايا وارتفاعات شاهقة تحتاج إلى وقفة تصطحبها حصره , لم تظهر للأسف أي دلائل على وجود خزائن غير الآثار التي يظن أنها من هذه الحق . عندئذ قرر المقاولون أن يضاعفوا الجهود «نزولاً» إلى وسط الفكرة , وذلك للوصول إلى الهدف المنشود وهو نبذ الخلاف والوحدة والائتلاف في الاستفادة من ارتفاع ِ شأن الوسط ولطافة تكوينه .
وتبدد الحلم بعد أن تعرفوا على مناحل وملل فكرت قبلهم ,وجدوها قد شفطت كل بذلوا الجهد والمال من اجله ,وقد أضحوا أضحوكة لكل الدول المحيطة بسبب تلقائيتهم البدائية في حل النزاعات وارتطامهم بكل الدول الصديقة .
ونتيجة هذا كله تحول العراق بكل ما يحويه من سها وصحارى وجبال إلى ((مصفاة)) حقيقة بمليارات الثقوب والحفر والخروق والمنحدرات ليصبح عنوانا للشفافية في كل شئ ماعدا الحقيقة !!
ونتيجة لهذا الجهد الضائع تقاتل الكل ضد الكل وزحف الإسلاميون من باب السماحة إلى السيطرة على الأمر بيد من حديد وبحزم السيوف البواتك وظلت السياسة الاقتصادية دون انقطاع تسير نحو(( أسفل السافلين)) بحثا عن اللفط من خلال إستراتيجية الشفط !!
نتمنى من القضاء العراقي أن يضع قانونا يحد من ((مدى)) هذا اللفط المتواصل ((نزولا)) إلى آخر فلسا بالخزينة العامة !!!