خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
يرى بعض المحللين أن سقوط المجالس المحلية بالمدن الكبرى في أيدي المعارضة التركية، بمثابة ناقوس خطر يُنذر بقرب إنهيار النظام الحاكم بزعامة الرئيس، “رجب طيب إردوغان”.
صحيح أننا بصدد انتخابات محلية، لكن سقوط العاصمة، “أنقرة”، وكذلك “إسطنبول”، التي هي من أكبر وأهم المدن التركية، يكشف مدى تراجع مكانة الرئيس، “إردوغان”، الذي يُعد هو الآمر الناهي في البلاد.
“إردوغان” سبب الأزمة الاقتصادية..
يقول المحلل الإسرائيلي، “أورن نهري”، في مقال له بموقع (وللا) العبري: إن الانتخابات المحلية في “تركيا” أثبتت للرئيس، “إردوغان”، أن الشعار القائل: “هذا هو الاقتصاد يا غبي”.. لا يزال ساريًا في المعارك الانتخابية منذ أكثر من 28 عامًا، عندما ردده “بيل كلينتون” – الذي كان حاكمًا مغمورًا لولاية “أركانسو” – ضد الرئيس الأميركي في ذلك الوقت، “جورج بوش”، وفاز عليه بفضل ذلك الشعار.
إن “إردوغان”، بحسب المحلل الإسرائيلي، هو سبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها الأتراك، وإذا ظل على عناده ولم يعترف بأخطائه، فإن الأزمة ستتفاقم خلال الفترة المتبقية له في الحكم، ومدتها أربع سنوات ونصف.
وخلاصة القول؛ إن النتائج الحالية للانتخابات تُعد بمثابة “صافرة إنذار” للرئيس التركي.
أثر الأجندة المدنية..
أشار “نهري” إلى أن الدول السوية تعتبر الأجندة المدنية – التي تهتم بالاقتصاد والرفاه والصحة والتعليم – ركيزة أساسية بالنسبة لها، لكن الانتخابات المحلية التركية أثبتت أن لتلك الأجندة تأثيرًا بالغًا حتى في الدول التي يبدو فيها الزعيم متسلطًا، لأنه في نظر الجماهير حامي حمى الأمة.
وما تعرض له “إردوغان”؛ تعرض له أيضًا الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، حيث تراجعت شعبيته خلال العام المنصرم، بعد عدة مشاكل اقتصادية وعلى رأسها رفع سن التقاعد للعاملين.
وما من شك أن الرئيس، “إردوغان”، قد تلقى ضربة فعلية في الانتخابات الحالية، لكن هل هي ضربة خفيفة وغير مؤثرة، أما أنها شديدة وسيعقبها تبعات خطيرة قد تؤدي إلى الإنهيار التام، بدليل أن الشعب لم يعد يكتفي بمكانة “الزعيم”.
سقوط أهم مدينتين في يد المعارضة..
كما يرى الدكتور “حاي إيتان هكوهين”، المتخصص في الشؤون التركية بمركز “موشيه ديان” التابع لجامعة “تل أبيب”، أن الانتخابات الأخيرة في “تركيا” ليست مجرد انتخابات محلية، بل هي بروفة عامة للانتخابات المقبلة، لذا فإن نتائج تلك الانتخابات تُعد إنذارًا حقيقيًا للرئيس “إردوغان”، كما تُعد مؤشرًا على أن الشعب التركي ليس رهنًا لإرادته.
ورغم أن “حزب العدالة والتنمية”، (AKP)، الذي يرأسه “إردوغان”، قد حصل على 45% من الأصوات في أنحاء “تركيا”؛ بينما لم يحصل “حزب الشعب الجمهوري”، (CHP), وهو أكبر أحزاب المعارضة، سوى على ثُلثي هذه النسبة، إلا أن ما لفت الإنتباه هو نتيجة الانتخابات في المدن الكبرى.
ولقد أحتفظت المعارضة بمعقلها في مدينة “إزمير”؛ وستتولى أيضًا إدارة “أنطاليا” و”ديار بكر” الكُردية، إلا أن تلك المدن لا ترقى إلى أهمية “أنقرة” و”إسطنبول”، فهما أهم مدينتين على الإطلاق.
لقد إنتقلت “أنقرة” ليد المعارضة، بعدما ظلت 16 عامًا تحت سيطرة الحزب الإسلامي بزعامة، “إردوغان”، الذي وصف معارضيه بأنهم داعمين للإرهاب، وهدد بمعاقبة المدن التي صوتت لصالح خصومه، ربما بتقليل الميزانيات، وهذا إجراء معهود في الدول الدكتاتورية بل وغير الدكتاتورية، لمعاقبة المدن التي تجرؤ على التصويت لصالح المعارضة.
شيطنة الخصوم..
في حين يبدو انتقال “أنقرة”، للمعارضة، أمرًا واردًا، إلا أن إنتقال “إسطنبول” هو أمر مختلف تمامًا، نظرًا لأنها هي المدينة التي بدأ بها “إردوغان” مسيرته السياسية والحزبية بنجاح كرئيس للبلدية.
وبحسب “هكوهين”؛ فقد كانت الانتخابات تتسم بقدر من الديمقراطية يوم التصويت، إلا أن فترة الحملة الانتخابية شهدت حالة من شيطنة الخصوم، لا سيما الحزب الكُردي، كما لم تتوفر المساواة للجميع أثناء الحملة الدعائية.
“إردوغان” يعلق الفشل على شماعة الأعداء..
ختامًا يوضح “هكوهين”؛ أن الرئيس “إردوغان” – الذي لا يقبل الإعتراف بأخطائه – قد أعلن أن لديه الوقت الكافي لتدارك الأخطاء، وهذا جزء من العمل الديمقراطي.
وما زال أمام “إردوغان” أربعة أعوام ونصف حتى إجراء الانتخابات المقبلة، وهو يعلم أن الوضع الاقتصادي كان له تأثيره البالغ على نتائج الانتخابات الأخيرة، كما يدرك أن الغضب الشعبي تجاهه ناجم عن تراجع قيمة “الليرة”، وزيادة نسبة التضخم، واللجوء إلى العملة الأجنبية، والمساس باستقلالية “البنك المركزي”.
ويرى “إردوغان”؛ أنه الوحيد الذي على صواب وأن ما عداه مخطيء، وإذا كان الاقتصاد التركي يواجه أزمة فهي بسبب الأعداء الذين لا يريدون الخير لـ”تركيا”.
وتساءل “هكوهين”؛ عما يمكن أن يحدث إذا ما تفاقم الوضع الاقتصادي، وقد يحدث ذلك قريبًا.
فهل ستفقد “تركيا” ما تبقى لها من مباديء ديمقراطية وتنتهج الديكتاتورية.. أم أن المعارضة ستعود إلى الحكم من جديد ؟.. إذا استطاعت ان توحد صفوفها وتفرز زعيمًا قويًا. هذا ما ستسفر عنه التطورات خلال الفترة القادمة.