مرة اخرى تلجأ حكومة المالكي الى النموذج “اليمني” في التعامل مع الحراك الشعبي السني بتهيئة الاسباب لتظاهرات تؤيد مواقفها وكانت تظاهرة العشرات امس الجمعة للمطالبة بتشريع قانون تجريم حزب البعث نوعا من التعبير عن هذا الانموذج لنقل التعارض في المصالح بين اجندات حزبية الى تظاهرات ذات اهداف متضاربة يمكن ان تنتهي الى صدامات بين المتظاهرين انفسهم كما حصل في مرحلة تغيير رئيس النظام اليمين علي عبد الله صالح، السؤال : لماذا توظف حكومة المالكي هذا النموذج وهي تستعد لاقتحام ساحات الاعتصام في الانبار والموصل وغيرهما لتصفية الاحتجاجات ضدها؟؟
وقد سبق وان سمح المالكي لقوى سياسية من القائمة العراقية، وتحديدا الحزب الاسلامي وجبهة الحوار بزعامة الدكتور صالح المطلك ، بارتقاء عرش مطالب المتظاهرين ، كمفاوضين معها ، فيما رفضت ظهور قيادات السلفية الجهادية، وقيادات حركة حماس العراق وابرزهم الدكتور رافع العيساوي والنائب احمد العلواني ، في ارتقاء منصة الاعتصام تعبيرا عن اجنداتهم السياسية ؟؟
مشكلة الكثير من القيادات السياسية عدم الايمان بمبدأ الثبات في العمل السياسي ، وامكانية تغيير مواقفهم ليس مثل الحرباء التي تتغير مع طبيعة المنطقة التي هي فيها ، الا ان الموقف الوحيد الذي يتربص بالجميع ، ام حزب الدعوة الاسلامية ومن وراءه عدة قوى سياسية متحالفة مع دولة القانون ترى في شخص رئيس الوزراء نوري المالكي ، تلك الشخصية الكارزمية التي يمكن ان يتعامل معها شيعة العراق كما تعامل سنتهم وشيعتهم مع صدام حسين، ايام خروجه منتصرا في الحرب العراقية الايرانية ، فأخذت التسميات تطلق على ” ابي اسراء المالكي “كما سبق وان اطلقت على” ابي عدي” فذلك كان سيف العرب ، وهذا اليوم هو المختار لقيادة الامة، الاختلاف الوحيد ، ان المالكي يواجه قوى ممانعة شيعية قبل ان تكون سنية، ومطلوب منه ايجاد الارضية المناسبة لفرض مقبولية لدى السنة والاكراد قبل الشيعة ، وهكذا كانت خطواته تسير في حقل من الالغام السياسية ، فقط لكي يتملس طريق نفوذه السياسي استراتيجيا ليكون الحاكم الجديد للعراق عبر صناديق الاقتراع ، بأصوات السنة والشيعة والتركمان وربما ايضا الاكراد، ومن خلال حكومة اغلبية سياسية ، للراغبين بمصاحبة “القوى الامين” في حكمه الاسلامي للعراق الجديد .
وفي كل مرة ينفجر فيها احد الالغام السياسية بحكومة ” لشراكة الوطنية ” يلجأ المالكي الى الشعب لتحكيمه في الخلافات ، فهكذا كان تعامله مع تظاهرات ساحة التحرير في بغداد ، اوج زخم تظاهرات مصر والبحرين ، وكذلك نظم تظاهرات مشابهة لميول ساحات الاعتصام في الانبار والموصل في المحافظات الجنوبية ، لكن زخمها وربما تمويلها، لم يصمد امام مطاولة تمويل ساحات الاعتصام في المحافظات السنية فانهالت الاتهامات من نواب دولة القانون بان قطر وتركيا تمولان هذه التظاهرات !!
في ضوء كل ما تقدم فان خطيئة نقل الخلافات بين اجندات الاحزاب الى خلافات بين الشعب قد فشلت مرة بعد مرة ، ويمكن تكرار ما سبق وان اشرنا اليه في هذا العمود بان الشعب اليوم اكثر وعيا بمخططات الساسة ومصالحهم وفسادهم المالي والاداري الذي اخذ يزكم الانوف ، لذلك يخطئ المالكي ومن معه ، في نقل الصراع مجددا بين الشعب ، لان النهاية الحتمية له هي تقسيم العراق ، بعد اعوام من الحديث عن وحدته تحت قيادة ” المختار” الجديد، وهو ذات الشعر الذي كان صدام حسين يضع الشعب وطبقته المثقفة امامه، ما بين جزمة الاحتلال وفساد اجندات احزاب المعارضة بارتباطاتها الاجنبية ، وبين بقاءه على عرش الدكتاتورية البغيض ، ولا اعتقد بان الشعب العراقي بعد ان تنفس الحربة الممزوجة بالدم نتيجة الاحتلال الاميركي ، باستطاعته استيعاب ذات الشعارات التي كانت تردد من قبل الدكتاتور المقبور بان وحدة العراق تتمثل في شخصه على عرش السلطة ، والمطلوب ان تتنج ساحات الاعتصام ، شيعية قل ان تكون سنية ، وكردية قبل ان تكون عربية ، قيادات عراقية جديدة ، ترتبط بمصالح الشعب ، وليس بمخابرات دول اقليمية ودولية .. عندها يكون الحراك الشعبي عراقيا ديمقراطيا من دون اي مختار .. لعصر دكتاتوري جديد .