26 نوفمبر، 2024 12:27 م
Search
Close this search box.

خطاب الحرب الأهلية والتقسيم … لمصلحة من ؟

خطاب الحرب الأهلية والتقسيم … لمصلحة من ؟

تكررت في الآونة الأخيرة دعوات وخطابات الحرب الأهلية وتقسيم العراق  إلى ثلاثة دويلات من قبل ساسة البلد وقادته في ظل مشاكل وصراعات رافقت العملية السياسية منذ تأسيسها ولغاية اليوم حتى وصلت إلى مفترق طرق جعلت البعض يكون متشائماً إلى درجة إطلاق تحذيرات إلى الفرقاء السياسيين بان البلد ماضي إلى هذه الحرب التي ستقود البلد إلى التقسيم ، وفيما يعلن دولة رئيس الوزراء أن هذه الاعتصامات والتظاهرات والاحتجاجات ليس غايتها المطالب المشروعة وإنما إسقاط العملية السياسية والدستور  لاسيما بعد آن ركب موجتها البعث والتكفير وهذا الإصرار على استمرارها سيقود البلد إلى هذه الحرب .
مقابل هذه التصريحات يقابلها خطاب رسمي من السلطة التشريعية وبنفس الأسلوب التحذيري وعلى لسان رئيسها اسامة النجيفي يؤكد فيه أن استهداف الجوامع والحسينيات في بغداد والمحافظات سيكون البداية لاندلاع الحرب الأهلية وعودة الاحتراب الطائفي إلى البلد كما كان في 2006 ، و2007 ، والذي يتمعن بهذا الخطاب السياسي الرسمي يستغرب من حدته لاسيما وانه يأتي من السلطتين التنفيذية والتشريعية والذي يفترض فيها أن تكون أكثر عقلانية في طرحها لهذا الخطاب المتشنج وهنا يطرح تساؤل لماذا هذا الخطاب وما هي أهدافه وغاياته فضلا على ما ذنب المواطن الذي ينشد الأمن والاستقرار وهو يسمع هذا الخطاب ، وهذا في ظل ادعاء كل القوائم بأنها ابتعدت عن المشروع الطائفي وان قائمتها تمثل المشروع الوطني العابر للطوائف والمذاهب والمناطق فيما الواقع يؤشر حالة من التخندق الطائفي فكل قائمة وتحالف وائتلاف متخندق بجمهوره وطائفته ومناطقه بالرغم من أنهم يمثلون كل العراق في مناصبهم التنفيذية والتشريعية .
فهل يسعى رئيس الحكومة والسلطة التنفيذية من وراء التصريحات والدعوات بان البلد ماضي في الحرب الأهلية ومن وراءها طائف وتقسيم العراق إلى أن يكون زعيما للشيعة ويؤسس للدولة الشيعية من الجنوب والوسط والفرات الأوسط وهذا ما يتهمه به المتحالفون معه من الشيعة أنفسهم ، فضلا عن اتهامات أخرى بأنه يسعى إلى ديكتاتورية جديدة شبيهة بدكتاتورية صدام حسين وهناك من ذهب إلى ابعد من ذلك باتهام المالكي بتأسيس جيش لضرب أبناء السنة كما كان صدام يستخدم الجيش العراقي لضرب الشيعة وهكذا يراد لحكومة المالكي والتي هي تحت قيادته أن تؤسس لديكتاتورية تتفرد بالقرار والسلطة ، لذلك يتهمه خصومه من خلال تصرفه مع الشركاء بعدم المبالاة وكأنه يرغب بهذه الحرب لاسيما وانه اتهم في مقابلات ومن فضائيات عديدة ، تظاهرات ومطالب ساحات الاعتصامات بالنتنة وأنها فقاعات ستنتهي وهي لا تخيفه ولا تعنيه وهدد بقمعها أن استمرت وفي كل مرة وفي أكثر من حضور إعلامي  قال المالكي في ردوده على المظاهرات الحاشدة ( إن خيارات حل الأزمة تكمن  أما بالحوار مع شركائه أو الذهاب إلى التقسيم أو الحرب الأهلية التي ستحرق الأخضر واليابس ) وهنا يرى الخصوم كأن الحكمة والمسؤولية  رهينة بيده وبشركائه وليس أمام الشعب من خيار آمن غير بقاءه بالسلطة .
في مقابل المالكي شهدت القائمة العراقية أفول بعض نجومها علاوي والهاشمي وبروز اسامة النجيفي كقائد للسنة الذي فاق حضور صالح المطلك لذي يقترب مع المالكي في بعض المسائل ويختلف مع شركائه السنة حيث تغير خطاب جبهته التي تتهم رئيس البرلمان بأنه طائفي ويسعى إلى تقسيم البلد من خلال زياراته المكوكية فضلا عن قياداتها لمشاريع خارجية للتأسيس للإقليم السني ، لذلك ذهب خصوم النجيفي من السنة والشيعة إلى اتهامه بالسعي إلى تنفيذ مخطط جو بايدن من خلال اللقاءات التي أجراها فيما سبق مع بعض القيادات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة، كما اتهموه بأنه يسعى إلى انفصال سنة العراق من خلال التأسيس للإقليم السني بمساعدة الدولة العميقة تركيا اردوغان فضلا عن مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية ، لذلك كأن النجيفي من استخدامه لخطاب التهديد بالحرب الأهلية والتقسيم يعد نفسه بزعامة السنة بعد أفول أياد علاوي عن المشهد السياسي وفقدان الكثير من جمهوره .
بيد أن الأحداث الأخيرة وعدم وضوح رؤية قيادة القائمة حول إحداث الاعتصامات حيث كان دور النجيفي أوسع وأعمق من خلال حضور فعلي في ساحات الاعتصام والتظاهر والدعوة صراحة إلى تبني مطالب المتظاهرين في المناطق السنية هذا الموقف حسب له في حين هناك قيادات من هذه القائمة رفض المعتصمين تواجدهم في ساحات الاعتصام بل أنهم تعرضوا إلى محاولة اغتيال إثناء تواجدهم بالقرب من هذه الساحات ، وعليه النجيفي عندما أطلق بالون انفصال السنة هو يعرف بأن هذا البالون سيزعج السنة والشيعة  ويعرف بأنه سيزعج زملاء له في القائمة العراقية، وأنه ليس ساذجا بل شخصية ديناميكية وذكية، ولديه كاريزما قيادية واضحة، لهذا فأن ما أطلقه عده البعض هو تنفيذ لبعض الأمور التي طُلبت منه في واشنطن وفي اسطنبول ، حتى وقوفه هذا الموقف جاء بمثابة إعلانه طلاق الأفكار القومية والعروبية لينظم إلى القوى الإسلامية التي يراد لها قيادة الشعوب العربية في المنطقة  وهو النادي الخاص بالمجموعات التي ترعاها واشنطن والتي تتبنى المشروع الطائفي والمذهبي في العراق والمنطقة.
هذا المشروع الطائفي في العراق وفي المنطقة يمثل هوية المرحلة الجديدة في العالم العربي وهذا لا يعني  قناعة الولايات المتحدة بهذا المشروع ولكن الأفكار القومية والعروبية قد احترقت مشاريعها وأضحت الشعوب تعاني من القرف من الدكتاتوريات العربية أمثال صدام ومبارك وصالح وزين العابدين وبشار الأسد ، من هنا يرى خصوم النجيفي انه قد عرف هوية المرحلة الجديدة في العالم العربي ، ولكي يضمن بقائه ضمن القيادات المعتمدة في العراق والمنطقة وللمرحلة المقبلة، فلابد من الإعلان عن طائفيته وطلاقه للمرحلة السابقة.
هذا يعني العودة إلى الاصطفاف الطائفي فلا وجود للقوائم العابرة للطائفية والمذهبية لذلك عادت القائمة العراقية إلى حضن المذهبية لتكون قائمة سنيّة وتمثل السنة في العراق ، وبالتالي فإعلان النجيفي هو إعلان رسمي بأن العراقية قائمة سنية ،وبالتالي ستعمل من الآن ضمن هذا المنطق، وستكون الوريثة الوحيدة من خلال قائمة متحدون للمطالبة بالإقليم السني ، ومن الطبيعي سيكون الشيعة محرجون من هذا الطرح الطائفي وسيغادرون هذه القائمة في الانتخابات البرلمانية المقبلة لتكون القائمة العراقية تركة وهبة إلى قائمة متحدون المتجانسة في موقفها من العملية السياسية ومن المالكي ومن موقفها الداعم إلى الانتفاضة في المناطق السنية ، وعليه يبدو أن التهديد بالحرب الأهلية وان السنة مهددون في مناطقهم فضلا عن باقي المناطق سيدفع إلى تبني المشروع السني الانفصالي التي عملت عليه الولايات المتحدة وتركيا وهو مشروع قديم عمل عليه المخطط الإقليمي ومنذ تأسيس الصحوات في العراق، ولقد أختلف عليه بعض قيادات المنطقة وقتل على أثرها الشيخ  أبو ريشة وقيادات قبلية وسياسية سنية أخرى، لذلك المشروع كبير ومرتبط بأجندات دولية وإقليمية ، ويقود لخدمة مشروع تفتيت العراق ، وبالتالي فدعوات الحرب الأهلية قد جاءت بلسما  ودعما إلى الطموحات الكردية التي تهدد بالانفصال فقد تركت الحكومة والبرلمان وذهب سياسيها إلى الإقليم في ظل المطالبة بتحقيق كل مطالب الكرد هذا الموقف كلل بالموافقة على الطلبات بدون استثناء وهذا ما نؤكده في كل تحليلاتنا بان الكرد هم بيضة القبان وصناع الملوك .
وليس مبالغة حتى هناك من الشيعة من يفرح بالتقسيم وتأسيس الدولة الشيعية التي تضم الجنوب الغني بالبترول والثروات الطبيعية فضلا عن الوسط والفرات الاوسط ، وعليه يبدو أن الكل ذاهب بهذا الاتجاه بعد التهديد بالحرب الأهلية في ظل صراعات وخلافات بين المكونات السياسية التي يمكن لها أن تحل عندما تتوافر الإرادة الحقيقية بين الإطراف كما توافرت عند حل المشاكل بين التحالف الوطني والكردستاني حيث ذكر احد البرلمانيين أن الحوار بينهما لم يدم سوى نصف ساعة ، ولكن عندما لا تتوافر هذه الإرادة من الطبيعي تتأزم الأمور ، لاسيما وان هناك خلافات قد تكون مخفية عن الشارع العراقي فماذا يفسر سيل الدم النازف في ظل الإيمان بان ليس من مصلحة الجميع التقسيم فلا الشيعة يستطيعون تأسيس دولة في ظل تواجد السنة من الغرب إلى الجنوب وهناك تداخل جغرافي واجتماعي وعشائر متصاهرة ومترابطة ، يقابله عدم مصلحة السنة العرب في الانفصال لاسيما وان الثروة الكبيرة في الجنوب هم شركاء فيها  فضلا عن الترابط الجغرافي والعشائري ، وهكذا الحال للكرد بالرغم من حلمهم بالانفصال وتحقيق الدولة الكردية على حدود إقليم كردستان بيد أن هذا الحلم صعب التحقيق لعدم توافر الجغرافية السياسية التي تسمح بذلك فضلا عن حاجة الكرد إلى الموازنة الاتحادية من أموال النفط .
إذن ما وراء دعوات الحرب الأهلية والتقسيم في الوقت الذي كان يأمل المواطن أن يخرج المسؤول من على شاشات الإعلام ليتحدث عن مشاريع استتراتيجية  وخطط مستقبلية تحقق نمو اقتصادي متواصل للنهوض بالواقع المعيشي لهذا المواطن فضلا عن النهوض بالواقع الصناعي والزراعي وتوفير فرص عمل ووضع الخطط المستقبلية لتقليل البطالة والفقر الذي وصل حسب الإحصاءات الرسمية 23% ، وبالتالي المواطن ينأى بنفسه عن القبول بهذا الخطاب المتشنج لان الأغلبية الصامتة  تنشد الأمن والاستقرار والسلم الأهلي والاجتماعي بعد سنوات طويلة من الحروب والحصار وفترة من الاحتراب الطائفي راح ضحيتها المئات من الضحايا من الطرفين فهل ستختفي هذه الخطابات أم إنها ستستمر إلى الانتخابات البرلمانية المقبلة .

أحدث المقالات