لايبدو إن الغزل الاوربي ـ الايراني باق على حاله عند بداية فرض العقوبات الامريکية على إيران، إذ إن ليس سياق بل وحتى بات مضمون الخطاب المتبادل بينهما صار مختلفا، خصوصا وإن طهران مافتأت توجه إنتقادات تتضمنها إتهامات موجهة للأوربيين باللعب على الحبلين وإنهم لايسعون للخروج عن الاطار الامريکي المحدد والمرسوم في العقوبات المفروضة على إيران.
التصريحات المتبادلة بين المسٶولين الاوربيين وبين نظرائهم الايرانيين خلال الفترة التي أعقبت فرض العقوبات الامريکية، إذ بدأت الصورة تتوضح أکثر بشأن تزايد شقة الخلاف بين الطرفين وعدم کونهما بتلك الصورة التي أشارت لها العديد من وسائل الاعلام والمحللين السياسيين، ولعل التصريحات الاخيرة للمرشد الاعلى الايراني، خامنئي، والتي وصف فيها الآلية الأوروبية “اينستكس” للتبادل التجاري مع إيران بأنها مجرد “دعابة مريرة” ومن إن أوروبا خرجت عمليا من الاتفاق النووي لعدم وفائها بالتزاماتها. وتلك التصريحات التي وردت على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، عليقا على أحكام السجن والجلد الصادرة ضد المحامية الإيرانية نسرين ستوده. والتي قال فيها بأن الجهود الأوروبية للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران لا تعني أن طهران لديها صك فارغ لارتكاب انتهاك حقوق الإنسان ضد مواطنيها. مضيفا بأن”هناك سخطا عالميا بشأن قضية السيدة ستوده، وهذه الحكومة تشاطر هذا السخط بالكامل”. وهذان التصريحان يبرزان يمهدان کما يبدو لتوسيع شقة الخلاف بدرجة أکبر بحيث يمکن القول إنه يجري الدفع بها بإتجاه مايمکن وصفه بالقطيعة.
النظر بدقة في تصريحات خامنئي ومطابقتها ومقارنتها مع واقع المجريات والامور فيما يرتبط بالعقوبات الامريکية والاتفاق النووي، يبدو واضحا من إن طهران لاترغب في الاذعان لحقيقة إن الامور والاوضاع أسوأ بکثير مما يتصورها المسٶولون الايرانيون الذين يسعون لتکثيف ضغوطاتهم على البلدان الاوربية ولاسيما فرنسا وألمانيا من أجل أن يفسحون مجالا أکبر للتغلب على العقوبات الامريکية وإضعافها لکن الاوربيون يجدون القضية أکثر صعوبة مما قد تتصوره طهران ولذلك يسعون للخروج بحل وسط يبدو إن طهران صارت ترفضه بشدة، وهو ماأدى بباريس أن تلوح بالعصا التي ترعب النظام الديني الحاکم في طهران، وهي عصا حقوق الانسان، وإن التلويح بقضية المحامية نسرين ستودە، من جانب وزير الخارجية الفرنسية قد تکون تلميحا بإمکان أن يتم توسيع الدائرة وشمولها بملفات کثيرة جاهزة للطرح والبحث وفي مقدمتها ملف إعدامات صيف 1988، التي راح ضحيتها الالاف من السجناء السياسيين من أعضاء وأنصار منظمة مجاهدي خلق، وهو مايعني بأن أوربا تلوح لطهران بأنهم ليسوا لوحدهم من يجيدون التصعيد ولايرغبون بالغزل مع ملاحظة إن ملف حقوق الانسان في إيران هي من أکثر الملفات التي تثير حفيظة طهران!