كما عوَّدنا، تصرف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بما تُمليه عليه مصالحه الشخصية الرئاسية، وقدم ليهود أمريكا، ولنتياهو بشكل خاص، ما عجز عنه غيره من رؤساء أمريكا، (نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتأييد سيادة إسرائيل على الجولان)، ثم قبَضَأثمان ذلك مقايضة، نقداً أو تقسيطا، ومنها وأولها رئاسة أكبر دولة وأقوى دولة، وأغنى دولة في العالم، ثم حمايتُه من خصومه الديمقراطيين ومؤامراتهم وإعلامهم. وآخرها تبرئته من تهمة التواطؤ مع روسيا في الانتخابات التي جاءت به إلى البيت الأبيض، (تقرير مولر)، والباقي على الطريق.
أما جماعتنا العرب، قبائلَ وأحزابا حاكمةً أو مُعارِضة، فلم يفعلوا غير ما تعودوا على فعله من عشرات السنين عند كل خنجرٍ أوربي أو أمريكي يُغرز في ظهورهم وجنوبهم ثم يظلون حلفاء لأوربا وأمريكا وأصدقاء وخُداما مخلصين. أما شعوبُنا المدجنة المُعوقة المخدَّرة فمعذورة، فليس بيدها سلاح غير الصراخ والضجيج والعويل والصلاة إلى الله لكي يُنزل غضبه ومَقته على الظالمين والمعتدين.
أما الإسرائيليون الفرحون المبتهجون المنتصرون فقد انطلقوا، وعلى الفور، في العمل الجاد لتنفيذ الوعد والمكتوب.
وتقول الأخبار إن وحدات الجيش الإسرائيلي باشرت، فور إعلان ترامب عن اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، بنشر القناصة ووحدات مكافحة الشغب على طول الحدود مع سوريا، تحسبا لمسيرات أو تظاهرات محتملة، مع تجهيز كمايات وافية كافية من قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وبعض الرصاص الحي.
إلى هنا والمسألة اعتيادية متوقعة ليس فيها غريب ولا عجيب. ولكن الجديد فيها هذه المرة أمران،
الأول أن دولة ولاية الفقيه التي ظل كبار جنرالاتها يَعدون الفلسطينيين بمحو إسرائيل في ثلاثة أيام قد اكتفت بإعلان قصير مفاده أن إعلان الرئيس الأمريكي (غير مقبول).
والثاني إعلان نظام بشار الأسد عن إصراره على تحرير الجولان، ولكن بمساعدة الأصدقاء، (الإيرانيين والروس)، مهما (طال الزمن أو قصر).
ففي نيويورك قال سفير النظام الأسدي لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري “إنها أرضنا وسنستعيدها عاجلا أم آجلا“.
ثم نقلت وكالة سانا السورية عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين تأكيده أن “سوريا تدين بأشد العبارات التصريحات اللامسؤولة للرئيس الأميركي دونالد ترامب حول الجولان السوري المحتل التي تؤكد مجددا انحياز الولايات المتحدة الأعمى لكيان الاحتلال الصهيوني ودعمها اللامحدود لسلوكه العدواني“.
ولم تنسَ وزارة خارجية الأسد أن تكرر القول بأن “تصريحات الرئيس الأميركي وأركان إدارته حول الجولان السوري المحتل لن تغير حقيقة أن الجولان كان وسيبقى عربيا سوريا، وأن الشعب السوري أكثر عزيمة وتصميما وإصرارا على تحرير هذه البقعة الغالية من التراب الوطني السوري، بكل الوسائل المتاحة، وعودتها إلى كنف الوطن الأم، شاء من شاء و أبى من أبى، وطال الزمان أم قصر“.
أما الحليفة الكبرى، روسيا، فلم تزد على ما قالته وزارة خارجية إيران بشيء كثير. فقد اكتفى ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين في مؤتمر صحفي، عبر الهاتف، بالقول عن إعلان إنه “مجرد دعوة حتى الآن. دعونا نأمل أن يظل كذلك“. وأضاف قائلا، “ إنه يهدد بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط على نحو خطير، ويضر جهود التوصل إلى تسوية سلمية في المنطقة“.
ولا حاجة لنا هنا إلى استعراض العشرات من التصريحات المنافقة الأخرى، وخصوصا من الرئاسة التركية والجامعة العربية، ولا إلى أطنان التعليقات والتهديدات التي غصت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لأنها لا تختلف عما كان يقال في نكبات عديدة أخرى في فلسطين، منذ الاغتصاب التاريخي عام 1948 وإلى اليوم. فأمتنا العربيةالواحدة، وأختُها الإسلامية المجاهدة، أكثرُ أممِ الكون مهارةً في الهتاف والشتم ورفع السيوف والبنادق والمسدسات في الهواء، يوما أو يومين، ثم تهدأ الخواطر، وتمر الجريمة الجديدة كما مرت قبلها الجرائم القديمة وسُجلت ضد مجهول.
سؤال، لماذا يحتاج بشار الأسد إلى الجولان وهو الأكثر استمتاعا بتوزيع سوريا،مقطَّعةً، على الحلفاء والأصدقاء، وحتى على الأعداء، وبدون مقابل سوى حماية كرسيه الهزاز من عوادي الزمن الغدار؟
وسؤال آخر، لقد وعد الولي الفقيه، وقاسم سليماني والحرس الثوري وحسن نصر الله نساءَ فلسطين ورجالها بمحو إسرائيل من الوجود، تُرى متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟.