11 يناير، 2025 12:55 ص

“مقتل بائع الكتب” تكشف .. قصة تهالك العراق لحد الاحتلال !

“مقتل بائع الكتب” تكشف .. قصة تهالك العراق لحد الاحتلال !

خاص : قراءة – آية حسين علي :

مع حلول الذكرى الأولى لوفاة الروائي والناقد العراقي، “سعد محمد رحيم”، الذي رحل عن عالمنا، في 9 نيسان/أبريل 2018، عن عمر ناهز 60 عامًا، بعد إصابته بسكتة دماغية، نقدم قراءة لرواية (مقتل بائع الكتب)؛ التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة “البوكر العربية” لعام 2017.

ولد “رحيم”؛ في محافظة “ديالى”، عام 1957، وعمل في التدريس والصحافة، وحققت أعماله الأدبية شهرة كبيرة، أعتمد على قولبة الأحداث الحقيقية في إطار من الخيال، ومن خلال رواياته قدم نقدًا وسردًا للأحداث التي شهدها “العراق”. صدرت له 6 مجموعات قصصية و3 روايات، من بينها رواية (غسق الكراكي)؛ الفائزة بجائزة “الإبداع الروائي العراقي”، بالإضافة إلى عدة كتب ودراسات، كما نُشرت له بعد وفاته روايتان؛ هما: (لما تحطمت الجرة)، و(القطار إلى منزل هانا).

لوحة تجريدية للعراق..

وقدم “رحيم” من خلالها لوحة تجريدية لـ”العراق”، فمن خلال دفتر مذكرات، “محمود مرزوق”، (الشخصية المحورية في الرواية)، يتعرف القاريء على الأحداث التي شهدتها البلاد منذ اليوم الأول للاحتلال الأميركي، كما أبرز الآثار التي خلفها الاحتلال في “العراق” بشكل عام، وفي مدينة “بعقوبة” على وجه الخصوص، وكيف انتشر العنف والتطرف وإزدادت عمليات القتل والاغتيال، والاستبداد السياسي والملاحقات الأمنية، وتطرق أيضًا إلى أوضاع المثقفين في تلك الفترة والهموم المشتركة.

الشخصية المحورية..

تُعد الشخصية المحورية للرواية، هو بائع الكتب السبعيني، “محمود مرزوق”، الذي أُغتيل منتصف كانون أول/ديسمبر عام 2009، على بُعد خطوات من منزله ومكتبته، ومن هنا يبدأ سير الأحداث، إذ يبقى سر مقتله مبهمًا ومليئًا بالألغاز، حتى يُكلف رجل ثري، صحافي متمرس، بعمل كتاب حول سيرة “مرزوق” والغوص في أسرار مقتله، يرفض الصحافي، في البداية، إلا أن الرجل يعرض عليه صفقة مغرية يمكنها تحسين أحواله المادية ومساعدته على تدبير مصاريف زواجه من الصحافية المبتدأة، “فاتن”، التي تعرف عليها منذ عام واحد وأحبها.

ينتقل الصحافي، “ماجد بغدادي”، (42 عامًا)، إلى مدينة “بعقوبة”، التي يأتي إليها للمرة الأولى من أجل فك طلاسم عملية الاغتيال، ليكتشف أن “مرزوق” ليس مجرد بائع كتب أمضى حياته في تلك الشقة التي إتخذ منها مكتبًا لبيع وإعارة الكتب نهارًا ومبيتًا ليلًا؛ وإنما سافر إلى “براغ”، في نهاية السبعينيات، وقضى فيها 10 سنوات، ثم انتقل إلى العاصمة الفرنسية، “باريس”، وعاد فجأة إلى “بعقوبة”، عام 1989، بعد إنتهاء الحرب مع “إيران”.

يستند “بغدادي”، في تأليف كتابه، على ما يسرده أصدقاء “مرزوق” القدامى، ويتعرف منهم على حياته؛ فيكتشف أنه شيوعي ماركسي له آراءه السياسية رغم أنه كان دائمًا يتجنب الحديث في السياسة، ورسام مبدع إلا أنه لا يعتبر نفسه رسامًا؛ فيحتفظ بلوحاته في غرفته المظلمة، فيلسوف يرى أن “الفرق بين الأمم المتحضرة الآثمة، والأمم الراكدة بعظمة زائفة هو في وجود نساء من نوع، سيمون دي بوفوار”، إلا أنه لا يُعد نفسه فيلسوفًا.

للقاريء حرية تكوين شخصية البطل..

منح الكاتب كامل الحرية للقاريء في رسم الصورة الكاملة لـ”مرزوق”، كما له حرية التعاطف معه أو عدمه، فيعرض “رحيم” كل المعطيات بدون تحيز، بحسب ما يقوله أصدقاء القتيل للصحافي، إذ يتحدث كل منهم عن الشخصية من وجهة نظره، فتبدو في النهاية وكأنها توليفة من التناقضات؛ فيجمع بين الحكمة والجنون، يحب القراءة والإطلاع، وتغرقه علاقاته النسائية والسجن والغربة، ثم يعود إلى الوطن فيجد أن لا مكانًا للمثقفين في بلد أنهكته الحروب المتتالية، ومع ذلك يبقي على مكتبته لبيع وإعارة الكتب، رغم قلة الراغبين في القراءة.

وفي قالب من التشويق؛ يغوص الصحافي في الأحداث التي مر بها بائع الكتب خلال حياته، وسفره إلى “تشيكوسلوفاكيا”، وعلاقته بعشيقته الروسية، “ناتاشا”، وهي إبنة ظابط روسي كلف بمهمة استخباراتية في “براغ”، لكنه يتهم بالتآمر ثم يختفي فجأة في ظروف غامضة فتلاحق الشرطة إبنته وعشيقها ويزج باسم “مرزوق” في التحقيقات؛ وأمام رفض الإبنة الإدلاء عن أية معلومات، تتمكن أجهزة الأمن من إقناعها بأن حبيبها وشى بها فتخسره إلى الأبد، فيقرر “مرزوق” الهرب إلى “فرنسا”؛ ليمضي بها فترة ويتعرف على إمرأة فرنسية فاتنة، وأمام كسر قلبه يجد فيها شفاء لروحه إلا أنه لا يتخلص أبدًا من حبه لـ”ناتاشا”، فيعود إلى “براغ” للبحث عنها ليخبره صديق له بأنها أُعتقلت، لذا يقرر فجأة العودة إلى “بعقوبة” المتهالكة.

قطار الموت..

أشار الكاتب إلى عدة حوادث حقيقية؛ من بينها حادثة “قطار الموت”، عندما زج بكل المعارضين في قطار مخصص لنقل البضائع وكُلف السائق بالسير ببطء شديد كي يختنق الجميع، لكن لحسن الحظ نجا عدد منهم، ويقول “مرزوق”: “تخربت حياتي هنا منذ ذلك اليوم، يوم جرجروني مثل كلب أجرب، ووضعوني في ذلك القطار.. سعيت أن أصلح بعض الأشياء ولم أفلح.. تخرب الحال، تخرب العالم”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة