قالوا: لو لم تكن هناك جنة ونار فقد تساوينا في الدنيا، ولو كانت موجودة فقد ربحنا وخسرتم، اي ربحنا الجنة وكان مصيركم الى النار لأنكم لا تعتقدون بها، أما مع عدم وجود آخرة فنحن سواء من حيث التمتع بملذات الدنيا، وكل عاقل يرى باحتمالية وجود سعادة لا متناهية وثواب عظيم على عمل قليل فانه يخاطر بذلك العمل من أجل الحصول على ربح عظيم وان كان محتملا كالزارع الذي يبذر مقدارا معينا من البذور باحتمال ان يجني اضعافها لاحقا وربما تتلف هذه البذور ولكن احتمال الربح العظيم يدفعه الى ذلك.
وهذا الكلام ورد عن باسكال، وكذلك عن الامام الصادق في نقاشه مع ابن ابي الجارود. أقول:
1 – كيف أحرزتم أنكم في الجنة؟ وربما كان الحق مع المذهب الآخر، أو تصدر زلة في آخر العمر بدافع الحرص وحب الدنيا وتحبط أعمالكم وتسوء عاقبتكم وهناك ميزان الاعمال فربما زادت سيئاتكم او كانت اعمالكم الصالحة غير مقبولة لخلل في نياتكم فتكونون من اصحاب النار، وقد يصدر من احدنا عمل مقبول عند الله فيغفر له ويدخله الجنة ونكون متساوين حسب الفرض.
2 – في الدنيا نحن غير متساويين ايضا، فالمتدين يتعب نفسه بالتكاليف الشاقة كالصلاة والصوم والحج والزيارات والخمس وغيرها ويترك الملذات كالغناء والرقص والملاهي والصداقة مع الجنس الآخر، بل الزواج مع اتباع الديانات الاخرى مع وجود حب بين الاثنين، بل قد يطلب منه الدين الجهاد او تفجير نفسه او الكراهية لأتباع المذاهب الأخرى، وليس على الوجدانيين شيء من ذلك.
3 – اذا لم يثبت وجود جنة ونار في عقل الشخص او لم يثبت وجود الله او ثبت له بطلان الديانات فهو قد عمل بعقله وقد جعل الله العقل حجة عليه والله أعدل من ان يعاقبه بعد ذلك بخلاف المؤمن الذي آمن تبعا لوالديه والمحيط الاجتماعي ولم يستعمل عقله في ذلك فهو أجدر بالعقاب الالهي، على فرض وجوده، وعندما خلق الله العقل في الانسان اراد منه استعماله وعدم تجميده فلو جمده والحال هذه واتبع في عقائده الآباء والأجداد فهو قد اذنب ولم يشكر نعمة الله عليه والله أجدر ان يعاقبه على ذلك لا أن يثيبه.
4 – العكس هو الصحيح، فما دام الانسان يسير في حياته الدنيا بوحي وجدانه ويتحلى بالفضائل ويترك الرذائل فهو من اهل الجنة لأن القرآن يقول: الا من اتى الله بقلب سليم. اي سليم من الحقد والحسد والانانية والتكالب على الدنيا وامثال ذلك. ومعلوم ان التدين لا يهتم لنقاء القلب بقدر اهتمامه بالقشور والطقوس فتكون النتيجة أن خسر الدنيا والآخرة ونكون قد ربحنا الدنيا والآخرة (حسب الفرض).
5 – ان هذه الفرضية كلها بمثابة لعب القمار مع الله، لأنها تنزل بمستوى العلاقة مع الله الى الحضيض وتجعل من هذه العلاقة تجارة او قمارا، فالمتدين يصلي ويصوم.. بدافع احتمال وجود جنة ونار لا بدافع الايمان بالله والحب له والشكر لنعمائه، اي لو لم يكن هذا الاحتمال موجودا لا صلى ولا صام ولا ترك الرذائل. أما الوجداني فهو يعمل بالفضائل ويترك الرذائل لذاتها ويرتبط مع الله بدافع الحب له لا بدافع الخوف من النار والطمع في الجنة لأنه لا يؤمن بهما أساسا.