18 نوفمبر، 2024 8:52 ص
Search
Close this search box.

كلّنا غرقى في عبّارة أسمها العراق !

كلّنا غرقى في عبّارة أسمها العراق !

كلنا تحلّقنا أمام شاشات التلفاز ، وكأننا نتابع أخبار “بورصة” للموت المجاني ، 60 شهيد ، 70 ، 80 ، 100 ، من يُزيد ؟ ، لن يُقفل هذا المزاد ، طالما أن بضاعته هي الأرخص في العالم ! ، الرقم يتزايد ، طالما كان روّاد هذا المزاد من الغرباء والأشرار ، والذين فرضوا أنفسهم كقيمين على هذا المزاد لا يهمهم الرقم ، الأهم إبقاء هذا المزاد مفتوحا لملء جيوبهم ، والخوف والألم والحزن ونزيف الدم واليأس يتصاعد مع الأرقام ، وكأننا نستقرئ مصيرنا وننظر لحالنا ، متى يأتينا الدور ؟ ، عبّارة هي عِبارة عن عراق مصغّر ، قد خلت من كل سترات النجاة وزوارق الإنقاذ ، لقد استولى عليها من إدّعوا أنهم ربابنة ، وتركونا نتصارع مع المياه .

حادثة عبّارة الموصل ، حادثة لم تحصل في أكثر بلدان العالم تخلفا ، المسألة أكبر بكثير من مجرد إتهام موظفين في موقع سياحي ، إنها سياسة متشابكة طويلة الأمد من الفساد والتخلف والإستخفاف ، جريمة كبرى إشتركت فيها كل الأطراف الرسمية ، ضحايا لنهج حكومي مريض بإمتياز ، كإدارات المرافق السياحية وهي بالتأكيد خضعت للخصخصة لجهات متنفذة ، والموارد المائية ، ووزارة الداخلية ، فالشرطة النهرية في الموصل لا تمتلك سوى زورق واحد للإنقاذ ، وجميع الزوارق التي ساهمت بالأنقاذ هي زوارق مدنية تطوّعية ، ثم مجلس المحافظة صعودا إلى أعلى المناصب ، دوائر إجرامية صغيرة ، ثم تتسع شيئا فشيئا لتصل لحلقات عالمية تفوق مستوى إدراكنا ، نعلم أن خراب الموصل ستتكالب وراءه شركات الإعمار ، التي هي بعينها من خرّب كل شيء ، هي عينها مَن أشعلت الحروب ، كي لا تبور تجارة السلاح .

.فليحذر من يسمون أنفسهم بالمسؤولين ، فالويل لهم ثم الويل من حليم طال صبره من غضبة على وشك الإندلاع ، حقا ، لقد إختزلت هذه الحادثة ، مأساة بلد تتقاذفه الأطماع من كل جهة ويتآكله الفساد ، وما إستقبال موكب محافظ الموصل بالأحذية ، إلا بداية لهذا الغضب ، لكن هذا الإمّعة أصابه الذعر ، فأضطر إلى دهس أحد المواطنين ليلوذ بالفرار! ، نعم ، فهؤلاء لا ذمة لهم ولا ضمير ، وسيُغرقون البلد بأكمله لمجرد أن ينفذون بجلودهم ، هذه هي عقلية حكامنا ، والغريب أن هنالك من الفاسدين حتى النخاع ، من يريد توظيف هذه المأساة ! ، ليظهر بمظهر الملاك المتألّم ، لكن تحت هندامه شيطان رجيم ، وسوف لن تنطلي هذه المظاهر على مواطننا المفجوع ، حقا إنها مسألة وقت ، قبل أن يغرق البلد بأكمله ، علينا تدارك الموقف ، والجزم أن لا رأس من رؤوس العملية السياسية بأكملها ، والفارغة من كل شيء إلا الفساد والنهب والتخلف من الممكن إصلاحه ، بل يجب عدم تركهم ينفذون بفعلتهم بعد ستة عشر عاما من الجريمة المتواصلة .

الموصل ، وكأنها على خلاف حتى مع فتات الفرح ، تلك الحاضرة التي تحولت إلى قبور وأنقاض تكتم أنفاس الناس ، فوجدوا وسط الظلام والركام وأكوام الأنقاض ثقبا يتخلله عمود من غبار ، فعرفوا أن هنالك شمسا ، فهرعوا يتنفسون منه ، فكان منجل الموت لهم بالمرصاد .

عبارة الموصل ، أيقونة ترمز إلى بلد بأكمله كان مهددا بالغرق منذ زمن طويل ، بدأت بوادر الغرق تظهر ، فوصل الماء إلى أنوفنا ، عقود مضت ، توّجتها ستة عشر عاما ، وأزاميل التخريب تعمل لخرق بدن هذه السفينة الوطن ، البلد – العبّارة التائهة وسط لجج البحار وتتقاذفها الأمواج التي لا ترحم وهي تحيط بنا من كل جانب ، نبحر بلا أمل ، بلا بوصلة ، بلا أدنى تباشير ليابسة قريبة ، تزفها لنا طيور تلوح في السماء ، ولا زال الأفق المظلم خالٍ ، من أي أثر لميناء قريب ، آن الأوان ، أن نعطي أمانة المواطَنة حقها ، آن الأوان ، أن يعيش كل منا دور أولياء أمور الضحايا المفجوعين ، فنخرج عن صمتنا الذي طال كثيرا ، كما خرجت الموصل عن صمتها ..

أحدث المقالات