كما أن الأرهاب ليس له دين فكذلك ليس له مكان ، وصحيح أن الأرهاب بات يهدد العالم أجمع وأصبح كوباء ممكن أن يضرب أية دولة في العالم في أي وقت، ولكن لم يكن أحد يتوقع العمل الأرهابي الذي وقع في مدينة( كرايست تشرتش) النيوزلندية، والذي راح ضحيته قرابة 50 شخصا كانوا يؤدون صلاة الجمعة في جامع المدينة.
وسبب عدم التوقع في ذلك هو لكون نيوزلندا هي جزيرة بعيدة تقع في المحيط الهاديء، كما وأننا نادرا ما نسمع عنها أي خبر في كل وسائل الأعلام، لربما في كرة القدم فقط!، حيث لديها فريق كرة قدم جيد.
كما أن نيوزلندا دائما ما تصنف بأنها واحدة من دول العالم الأكثر ملائمة للعيش بسبب ما تنعم به من هدوء وسلام وأمان أضافة الى تطورها وتقدمها العلمي والأقتصادي والزراعي.
وهنا لا بد من الأشارة بأن الأعمال الأرهابية التي تقع في أوربا تلفت أنتباه العالم أجمع عند وقوعها في هذه الدول الغربية أو تلك وتقوم الدنيا ولم تقعد ، عكس ما يحدث في بلداننا العربية وخاصة بعد أحداث التغيير الكبيرة التي شهدتها المنطقة (العراق- ليبيا- اليمن- مصر- تونس-) لأن الموت عندنا أصبح شيئا عاديا، كما أن الأنسان لدينا ليس له أية قيمة تذكر أن مات وأن بقى حيا!، فأصبح مشهد أي عمل أرهابي أن كان بسيارة مفخخة أو بتفجير هنا وأغتيال هناك، فأن صداها ووقعها على نفوسنا لا يستمر ألا بضع من الوقت!.
ومن الجدير أن نذكر هنا: أن دول الغرب بفضل دساتيرها الأنسانية صارت وبلا قصد خير ملاذ أمن لكل حاملي الفكر المتطرف من الأسلاميين ومن التنظيمات الأرهابية! والذين هربوا من بلدانهم بحثا عن الأمان في الغرب حيث الموت هو مصيرهم المحتوم لو بقوا في بلدانهم!.
فوفرت لهم دول الغرب الأمن والأمان أضافة للمأكل والملبس والمسكن والمشرب، وبنت لهم الجوامع والمساجد ومنحتهم الحرية بممارسة كل طقوسهم الدينية من صوم وصلاة وحضور صلاة الجمعة وخطبتها وما الى ذلك.
وبدل من تقديم الشكر على هذه النعم التي وفرتها لهم دول الغرب، ردوا عليها بالسوء! من خلال قيامهم بعمليات أرهابية ضد الدول التي أطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف!.
ان مثل هذه الأعمال الأجرامية التي نفذها الأسلاميين المتطرفين على مدى العقود الثلاث الماضية من تنظيمات القاعدة وتنظيمات داعش الأجرامية وغيرها من التنظيمات الأرهابية على أختلاف مسمياتها، في دول الغرب التي كانوا مقيمين فيها ، فهي بقدر ما شوهت صورة الأسلام الحنيف، فأنها تركت أثار سيئة وخلقت ردود أفعال أنتقامية لدى البعض والقلة القليلة من شعوب هذه الدول،
فقاموا بعمليات أنتقامية ضد المقيمين الأجانب وتحديدا ضد المسلمين، ومنها العملية الأجرامية الجبانة الأخيرة في نيوزلندا والتي نفذها الشاب (برتون تارنت) ذو ال 28 عاما والذي ينحدر من أصول أسترالية وبريطانية من ناحية الأم والأب، والتي راح ضحيتها قرابة 50 مصلي.
وكذلك صرنا نسمع أيضا ردود أفعال أنتقامية ودعوات علنية! من بعض المسؤولين في هذه الدول الغربية وتحديدا من اليمينيين المتطرفين!، بالدعوة لمنع هجرة المسلمين الى دول أوربا حتى وصل الأمر الى التحريض والتهديد بقتلهم!!.
نعود الى نيوزلندا وشعبها المسالم وتحديدا الى أهالي مدينة (كرايست تشرتش) التي وقعت فيها الجريمة المروعة.
لقد أتسم رد فعل الأهالي هناك بأعلى درجات الأنسانية وبالحزن الشديد حيث قامت الدنيا في نيوزلندا حكومة وشعبا ولم تقعد لحد الآن! وأصبح الجامع مكان الحادث مزارا لكل النيوزلنديين وليس فقط لأهالي مدينة (كرايست)، حيث حمل آلاف النيوزلنديين باقات الورود الى مكان الحادث وأوقدوا الشموع هناك ترحما على أرواح من قتلوا بالحادث الأجرامي،
وأعلنت الحكومة النيوزلندية الحداد وأستنفرت كل أجهزتها الأمنية تحسبا لأي طاريء، كما وأقيمت المؤتمرات الصحفية والأعلامية في مكان الحادث ليس للتنديد بالحادث فقط ولكن لأضهار التعاطف الأنساني والحب مع الجالية المسلمة هناك، حتى أن رئيسة وزراء نيوزلندا ظهرت بمؤتمر صحفي وهي ترتدي اللباس الأسود وتواسي أسر الضحايا وذوي المتوفيين. كما أنها أعلنت بأنها ستحضر صلاة الجمعة القادم في الجامع!.
كما وعبرت الكثير من دول العالم الغربي تعاطفها الأنساني مع ذوو المتوفيين، وأبدوا أمتعاظهم الشديد للحادث لأنه لا يتناسب مع القيم الأنسانية النبيلة التي تربوا ونشئوا عليها والتي ينادون بها.
أقول على الرغم من هذا الحادث وما سبقته من أحداث أرهابية وقعت في فرنسا وألمانيا وبريطانية وروسيا على مدى السنوات العشر التي مضت،ألا أن أخلاق الشعوب الغربية لا زالت تحمل كل معاني القيم النبيلة والروح الأنسانية الطيبة المفعمة بالتسامح، وتبقى أوربا بقوانينها ودساتيرها خير ملاذ لكل مضطهد وخائف.