18 نوفمبر، 2024 5:41 ص
Search
Close this search box.

الامام الحسين والوحدة الاسلامية

الامام الحسين والوحدة الاسلامية

عن علي بن مرة قال: قال رسول الله(ص): “حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط”. إنَّ معنى “حسين مني” أنَّ الحسين بن علي(ع) هو ابن فاطمة الزهراء(ع) بنت رسول الله(ص)، ومعنى “وأنا من حسين” أنَّ المسؤوليَّة والرسالة الَّتي جاء بها رسول الله(ص) تجمعهما، كما تشمل الإمام علي بن أبي طالب والإمام الحسن(ع)، فهم من رسول الله ورسول الله منهم.

أثر التفرقة المذهبيَّة

بيَّنت التَّجارب خلال 1300 سنة أو أكثر، أنَّ الضَّرب على وتر التفرقة المذهبيَّة بين السنّة والشّيعة حقَّق نجاحات باهرة في السَّيطرة على الشّعوب واستعبادها واستغلالها وحكمها بالحديد والنار، وأنَّ الأشخاص أو الجماعات أو الدول الَّتي تنقصها العدالة والإنصاف والحرية، فيما إذا أرادت أن تسيطر على المسلمين، فليس عليها إلا أن تتستَّر خلف قناع الطائفيَّة والمذهبيَّة وتعلن الدفاع عن السنّة أو الشّيعة، وتجد الصَّدى الواسع في هذا المجال، فيقتل السني الشيعي، أو يقتل الشيعي السني، ما دام ذلك يحقّق الأطماع والأهواء السياسيَّة ورغبات الطواغيت.

دول وجماعات قائمة على التفرقة

ـ بريطانيا: أكبر الدول الاستعماريَّة الَّتي استفادت من التفرقة بين السنة والشيعة قديماً هي بريطانيا، وأكبر الدول الاستعماريَّة التي تستفيد من هذه التفرقة حالياً هي الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها الصهاينة الإسرائيليون.

ـ الدول الرجعيَّة المتخلّفة الاستبداديَّة: إنَّ الدول التي لم تعرف العدالة والإنصاف والحريَّة لشعوبها، ولم تواكب الحداثة، ولا تعترف بأيّ حق من حقوق شعبها، بل تحكمه بالحديد والنار، ليس لها أيّ مستند في بقائها في السلطة غير التوسل بقاعدة “فرق تسد”، ولكن هذه التفرقة هي بين السنّة والشّيعة، فتخوِّف السنة من الشيعة، وفي الوقت نفسه، تخوِّف الشّيعة من السنّة، حتى تشعل الفتن باسم الدين وتستريح من الجميع.

ـ الشّعوب المتخلّفة: إنَّ الشّعوب الّتي تعيش التخلّف الفكري والثقافي والديني والسياسي، ينطلي عليها كثير من أساليب الأعداء، فتُثار وتحرك باسم الدين والمذهب، فإن كانت من أهل السنة، وضع الأعداء لها الأكاذيب والأحابيل من التعدي على الصحابة وأمهات المؤمنين بالسب والشتم واللعن، فيرمى بالتشيّع كلّ من يختلف مع هؤلاء أو يروي فضائل أهل البيت(ع). 

الإمام الحسين(ع) والوحدة الإسلامية:

إنَّ الوحدة الإسلاميَّة بين السنة والشيعة لا يراد منها أن يتحوَّل السني إلى شيعي، أو الشيعي إلى سني، هذه المقولة دعاية أشيعت لأجل التفرقة ومحاربة الوحدة، بل المراد منها أن يتعاونوا فيما اتفقوا عليه وفي القضايا المصيرية للأمة الإسلامية، ويعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه.

لقد حاول الإمام الحسين(ع) أن يوحّد الأمّة الإسلاميَّة في وجه الظلم والعدوان والجهل، فدعاهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يثوروا معه لمحاربة الكفر والفسوق والحفاظ على الإسلام من الاندثار، ويوحدوا صفوفهم أمام عدوهم الحقيقي يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد، وأن لا ينخدعوا بالوعود الكاذبة، أو يستولي عليهم الخوف والخذلان.

نقطة التقاء بين المسلمين:

إنَّ قول رسول الله(ص): “حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط”، تلقَّته الأمة الإسلاميَّة بالقبول، ورواه علماء السنة، وتبعهم علماء الشيعة في ذلك.

 لذلك، فالحسين(ع) جدير بأن يجمع كلمتهم ويوحد صفوفهم، وأن يكون عامل وحدة بعد شهادته، كما كان عامل عزة وكرامة لهم في حياته.

 إنَّ أكثر روايات فضائل أهل البيت(ع) قد رواها علماء السنة قبل علماء الشيعة، فمن يلقي نظرة على كتب الفضائل يجد ذلك جلياً، وبالأخص فضائل الإمام الحسين(ع) على لسان جده الحبيب المصطفى(ص)، فإنَّ أكثرها من روايات علماء السنة، كما نقل ذلك العلامة الأميني في كتاب “سيرتنا وسنتنا سيرة نبينا وسنته”، ومن تلك الأحاديث الحديث الذي اشتهر على الألسن وقد بدأنا حديثنا به. 

المؤلفون في مقتل الحسين من علماء السنة:

إنَّ الدعاية الإعلاميَّة تثار لأجل تفرقة الأمة، فيحرض الأعداء من خلالها السنَّة على الشيعة، ويحرضون الشّيعة على السنة، بادعاء أنهم أعداء أهل البيت(ع)، ولم يعلم هؤلاء الجهلة أنَّ علماء السنة هم سبّاقون إلى نقل فضائل أهل البيت والتأليف في حياتهم، من صدر الإسلام وإلى يومنا هذا، ومنها ما يرتبط بالإمام الحسين(ع)، سواء كان ضمن كتبهم الحديثيَّة والتفسيريَّة والتاريخيَّة، أو في كتب مستقلة، وهنا أشير إلى بعض الكتب ألفها علماء السنّة في مقتل الإمام الحسين(ع) وشهادته وهي كما يلي:

ـ مقتل الحسين(ع): للواقدي، وهو أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد المدني البغدادي الواقدي (130- 9/ 207هـ).

ـ مقتل الحسين(ع): لأبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي مولاهم البصري (110- 209ه)، ينقل عنه السيِّد رضي الدين علي بن طاووس الحسني الحلي (589-664 هـ) في كتابه اللهوف (الملهوف) على قتلى الطفوف.

ـ كتاب مقتل الحسين: لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي المتوفى 224 هـ.

ـ مقتل الحسين(ع): للمدائني أبي الحسن علي بن محمد البغدادي (132- 5/ 224 هـ).

ـ مقتل الحسين لابن أبي الدنيا: وهو عبد الله بن محمد بن عبيد أبو بكر القرشي الأموي ـ مولاهم ـ البغدادي الأخباري (208 – 281 هـ).

ـ مقتل الحسين(ع) لابن واضح اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسي البغدادي المتوفى 284 أو 278 أو 292 هـ.

ـ مقتل الحسين(ع): للحافظ البغوي: ابن بنت منيع وهو أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور بن شاهنشاه الخراساني البغوي المنيعي البغدادي (214- 317 هـ).

ـ مقتل الحسين(ع): للقاضي أبي الحسين عمر بن الحسين بن علي بن مالك الشيباني (259- 339هـ).

ـ مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه: للطبراني سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني الأصفهاني، صاحب المعاجم الثلاثة؛ الكبير والأوسط والصغير (260- 360 هـ).

ـ مقتل الحسين(ع) للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (321- 405 هـ)، صاحب المستدرك على الصّحيحين. ذكر هذا الكتاب في المستدرك ج 3 ص 194 رقم 4819/ 417، في ترجمة الإمام الحسين(ع) قال: وقد ذكرت هذه الأخبار بشرحها في كتاب مقتل الحسين وفيه كفاية لمن سمعه ووعاه.

ـ مقتل الحسين(ع): للخوارزمي ضياء الدين أبي المؤيد الموفق بن أحمد بن محمد المكي الخطيب الخوارزمي الحنفي (حدود 484 – 568 هـ)، الكتاب مجلدان مطبوع عدة مرات ومنتشر.

ـ مقتل الإمام الحسين بن علي(ع) لأبي القاسم مجير الدين محمود بن المبارك بن علي بن المبارك الواسطي البغدادي المعروف بالمجير وبابن بُقيَرة (517- 592 هـ).

ـ مقتل الحسين(ع) للرسعني: وهو عز الدين أبو محمد عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الجزري (589- 661 هـ)

ـ مقتل الحسين(ع) لأبي الحسن البكري أحمد بن عبد الله بن محمد البكري.

ـ مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في كربلاء: تأليف محمود بن عثمان بن علي بن إلياس الحنفي الرومي البروسوي (878- 938هـ) ( تركي منظوم).

هذه مجموعة من الكتب حول مقتل الإمام الحسين(ع)، ألَّفها علماء السنة خلال الألفيَّة الأولى، أما الَّذين تحدثوا عن مقتل الإمام الحسين(ع) وأحداث عاشوراء، مثل الطبري في تاريخه، وابن الأثير في الكامل، وابن الجوزي في المنتظم وغيرهم، فهي كثيرة جداً تبلغ العشرات.

 حرب على الظلم والاستبداد:

إنَّ إحياء الذكريات لم تكن اعتباطاً، وقد اعتادت الأمم المتقدّمة والمتأخرة والمتحضّرة والمتخلّفة على إحياء ذكرى عظمائها، كل على حسب طريقته وثقافته وعقيدته، وقد عرف العالم الآن هذه المناسبات، فاهتموا بيوم العمال والعيد الوطني وذكرى الثورات التي أطاحت بدول وجاءت بأخرى.

أما ذكرى الإمام الحسين(ع)، وعرض ما جرى عليه وعلى أهل بيته وأصحابه في يوم عاشوراء، فهي إحياء للعدل والإنصاف والدفاع عن حقوق المظلومين والمضطهدين والمشردين، إنها دفاع عن حقوق الشّعوب المقهورة بالحديد والنار، وإعلان رفض الظلم والاستبداد والتحكم في مقدّرات الشعوب بغير رضاها.

 إنَّ من يقف أمام إحياء ذكرى عاشوراء هو منحاز إلى جرائم يزيد بن معاوية وفسقه واستبداده، ولا يريد أن تُكشف تلك الجرائم الَّتي سوَّدت وجه التاريخ، كما أنه لا يريد أن يعرف العالم جرائمه هو، فكما أنَّ نهج الحسين(ع) ودفاعه عن المظلومين يجب أن يستمر على مر السنين، كذلك نهج يزيد وظلمه واستبداده، لا يزال يتجدَّد على مرّ الأعوام والدهور وله أتباعه والمؤيدون له.

أحدث المقالات