تشير احصاءات لجهات حكومية عراقية ان قضاء طوزخورماتو التابع لمحافظة صلاح الدين(تكريت)-120 كم شمال العاصمة بغداد-تعرض لثلاثة وعشرين عملية ارهابية بسيارات مفخخة خلال الاعوام الستة الماضية خلفت اكثر من ثلاثة الاف شهيد وجريح.
ووفق مبدأ النسبة والتناسب بين عدد سكان القضاء ومساحته من جانب، وعدد العمليات الارهابية والخسائر الناجمة عنها من جانب اخر، يتضح ان هذه المدينة هي الاكثر تعرضا للارهاب من بين مدن العراق الاخرى.
وخلال السنة الاخيرة، تزايد معدل العمليات الارهابية التي ضربت “طوزخورماتو”، بحيث لم يعد يمر شهر الا ويفجع اهالي القضاء بكارثة انسانية.
اخر عمل ارهابي، كان يوم الخميس، الحادي عشر من شهر تموز-يوليو الجاري، حيث انفجرت سيارة مفخخة من نوع (كيا حمل) كان مركونة امام مبنى المحكمة في القضاء، تسببت بأستشهاد عشرة اشخاص، واصابة خمسة وثلاثين.
وقبل اسبوعين وتحديدا في الخامس والعشرين من شهر حزيران-يونيو الماضي، كانت قد انفجرت سيارة مفخخة وسط حشد مشيعين لضحايا من ابناء المدينة سقطوا بفعل عمليات ارهابية سابقة، في ذات الوقت الذي فجر ارهابي نفسه وسط جمع من المحتجين على تكرار حصول التفجيرات الارهابية في المدينة، وكان من بين ضحايا التفجير الانتحاري، نائب رئيس الجبهة التركمانية علي هاشم ومعاون محافظ صلاح الدين احمد قوجه.
وفي الحادي والعشرين من شهر ايار-مايو الماضي وقع تفجير ارهابي مزدوج بسيارتين مفخختين، استهدف حسينية النور وسط القضاء، ليوقع خمسين شهيدا وجريحا اضافة الى الخسائر المادية التي طالت مبنى الحسينية والمنازل المجاورة لها.
ويعد قضاء طوزخورماتو الذي يتألف من اربع وحدات ادارية تسمى نواحي، وهي (آمرلى – بسطاملي – سليمان بك – قادر كرم) من المدن ذات الاغلبية التركمانية قوميا، والشيعية مذهبيا. وكانت حتى بداية عام 1976 تابعة لمحافظة كركوك، وفي التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني-يناير من عام 1976 الحقت بمحافظة صلاح الدين بموجب مرسوم جمهوري، بعد تحويل الاخيرة من قضاء الى محافظة.
ويرى البعض ان طبيعة الهوية القومية والمذهبية للمدينة، وموقعها الجغرافي، جعلها عرضة للاستهداف اكثر من غيرها، فالنائب المستقل في مجلس النواب العراقي عبد الهادي الحكيم يقول “ان توالي استهداف التركمان الشيعة يأتي محاولة لتهجيرهم من مناطقهم ولتأجيج الفتنة الطائفية في العراق”.
ويشدد النائب الحكيم “على ضرورة فتح تحقيق عاجل لمعرفة اسباب الاستهداف المتكرر وإعلان نتائجه للشعب العراقي”.
وكانت الحكومة العراقية قد اعتبرت اواخر الشهر الماضي، وبعد وقوع التفجير الارهابي الذي سبق التفجير الاخير ، قضاء طوزخورماتو منطقة منكوبة، وجاء هذا القرار بعد تشكيل لجنة وزارية برئاسة نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني وعضوية عدد من الوزراء لمتابعة تداعيات الاوضاع هناك، والوقوف على اسباب ومكامن الخلل. وكان من بين الاجراءات الفورية التي اتخذتها اللجنة هي أعتبار القضاء منطقة منكوبة ومنحها أولوية في توفير الخدمات وإعداد البنية التحتية لها تمهيدا لتحويلها الى محافظة، كما اشار الى ذلك عضو مجلس محافظة صلاح الدين عن المكون التركماني نيازي معمار اوغلو.
اضف الى ذلك فأنه تم ارسال فوجين من قوات التدخل السريع (سوات) لتأمين الحماية لها، والشروع في ذات الوقت بتشكيل مجلس صحوة من ابناء المدينة قوامه 700 شخص يتولى ادارة شؤونها الامنية تحت اشراف وتنسيق الادارة المحلية وقيادة العمليات العسكرية التي يقع القضاء ضمن ميدان مسؤوليتها، فضلا عن قوة طوارئ من الشرطة من كل المكونات، الى جانب تشكيل سرية لمكافحة الارهاب.
ولعل الاعلان عن هذه الاجراءات كان كفيلا بأنهاء الاعتصامات في المدينة وان بشكل جزئي، وساهم في رفع مؤشر التفاؤل لدى الكثير من ابناء المدينة رغم الفواجع التي تتابعت عليهم.
ولم تخلو اجواء التفاؤل من مخاوف عدم التطبيق، وفي ذلك يقول النائب السابق في البرلمان العراقي، وأحد الشخصيات السياسية البارزة في المدينة محمد مهدي البياتي”ان ما تم الاتفاق عليه بين اللجنة الوزارية وممثلي القضاء يعتبر أمرا جيدا في حال تم تطبيقه على أرض الواقع”، بيد انه يستدرك قائلا “أن طوزخورماتو مدينة حساسة، وهي من المناطق المتنازع عليها وبالتالي فإن أي تحشيدات من قبل قوات البيشمركة الكردية تخلق مشكلات ونزاعات نحن في غنى عنها، واننا كتركمان لا نريد صدامات مع شركائنا الأساسيين في القضاء وبالتالي فإننا لجأنا إلى الحكومة المركزية لإيجاد حل لمأساة هذا القضاء”.
ويعزو البياتي الذي اطلق هذه التصريحات قبل اسبوعين التأخير الحكومي في التعاطي مع أزمة القضاء الى “المشكلات والخلافات مع إقليم كردستان، التي كثيرا ما ندفع ثمنها نحن التركمان”.
وبعد وقوع التفجير الاخير يوم الخميس الماضي، عاد البياتي ليؤكد في تصريح جديد مخاوف المكون التركماني، ويوجه اتهامات صريحة للاكراد بقوله “ان هذه التفجيرات المتواصلة التي تقتل العديد من الشيعة التركمان تضع الاكراد في دائرة الاتهام لعدم سماحهم بدخول القوات الحكومية الى القضاء، وهم بذلك ينكرون فضل المرجعية الشيعية عندما حرمت قتالهم”.
ويتفق الكثير من الوجوه والفاعليات التركمانية في طوزخورماتو على “ان استهداف التركمان له ابعاد سياسية والغاية منه تهجيرهم من المنطقة وهي طريقة اخرى لتطبيق المادة 140 من الدستور المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، المنتهية صلاحيتها اصلا .
وبينما يصر الاكراد على ضرورة تواجد قوات البيشمركة (تشكيلات عسكرية شبه نظامية تتبع لسلطة اقليم كردستان) في قضاء طوخورماتو، بأعتباره من المناطق المتنازع عليها، وتكون ادارته مشتركة بين العرب والتركمان والاكراد، يشدد رئيس مجلس محافظة صلاح الدين احمد علي الكريم على “أن وجود قوات البيشمركة في القضاء من شأنه أن يعقد الحلول التي يمكن التوصل إليها، وكذلك الامر بالنسبة لقيادة قوات دجلة”، ويرى الكريم ان مفتاح الحل الحقيقي للكوارث التي يتعرض لها قضاء طوزخورماتو يكمن في سحب قوات البيشمركة وقيادة عمليات دجلة منها لتحل محلها قوات من شرطة صلاح الدين، والفوج الذي تمت الموافقة عليه المشكل من أبناء القضاء فقط، بالإضافة إلى الفرقة الرابعة للجيش العراقي” مشيرا “لن نسمح بعد الآن بأن تتسلم قوة جديدة الملف الأمني في القضاء، ونحن نحمل قيادة عمليات دجلة مسؤولية الخروق الأمنية لأنها من تدير الملف الأمني في المدينة”.
وفي مقابل ذلك فأن الاكراد يرفضون جملة وتفصيلا اية مقترحات او مطاليب بأنسحاب قواتهم من المدينة، ويعتبرون ان تدهور الاوضاع الامنية فيها يرتبط بضعف اداء الاجهزة الامنية التابعة للحكومة الاتحادية، والاهمال في الجانب الخدمي.
ويقول الامين العام لقوات البيشمركة الفريق جبار ياور “ان تشكيل فوج صحوة من المواطنين التركمان وحدهم لحماية قضاء طوزخرماتو المتنازع عليه عمل غير دستوري، لأن تشكيل أية قوة غير نظامية لأية قومية ودين وطائفة بهذا الشكل يتعارض أصلاً مع الفقرة “ب” أولاً من المادة التاسعة من دستور دولة العراق الفيدرالية”.
ويؤكد ياور “ان قضاء طوزخورماتو هو من المناطق المتنازع عليها ويجب أن تكون إدارته بصورة مشتركة بين إدارتي إلاقليم والحكومة الاتحادية”، ويرى “ان الحل الأمثل للأوضاع الحالية في القضاء هو زيادة الخدمات الإجتماعية لمواطنيه وتمتين العلاقات الأخوية بين القوميات والديانات والطوائف المختلفة فيه والتأكيد على العمل المشترك بين الوحدات الإدارية والعسكرية والأمنية المختلفة والموجودة حالياً في المدينة”.
وفي خضم هذه التقاطعات والاتهامات المتبادلة، فأنه لاتوجد في الافق معالم وملامح لحلول ومعالجات واقعية وعملية تكفل وضع حد لنزيف الدماء في طوزخورماتو، ومن الصعب بمكان التوافق على صيغ واجراءات تثمر عن نتائج ومعطيات ايجابية، تنعكس على ارض الواقع ويلمسها ابناء المدينة الذين نزفوا من الدماء وخسروا من الارواح ما فيه الكفاية.
[email protected]