بعد المجزرة الإرهابية التي حدثت في كرايست-تشيرتش بنيوزيلند، ذكّرني بعض الأصدقاء (منهم صحافي مخضرم في أوروبا يعيش بسويسرا و طبيب أخصائي في أستراليا) بمقالي الذي كتبته قبل أعوام. فعلّق بعضهم متسائلا عما إذا كانت هذه المجزرة هي التي كنتُ أقصد بها في مقالي قبل ثلاثة أعوام (هل هناك مجازر جماعية تنتظر المسلمين في بلاد الغرب). فأجبت: لا. المجازر التي تنتظر المسلمين في بلاد الغرب لم تبدأ بعد، فمجزرة مسجد النور بنيوزيلند قد تكون التجربة التي تسبق البداية. هذا العمل الإرهابي الذي استهدف المسلمين، أعطى، منذ الآن فصاعدا، تبريرا للسلطات الغربية لوضع الكاميرات داخل و خارج المساجد مع تكثيف الحراسة المشددة، مع موافقة و رضى المسلمين لأنها تأتي بذريعة حمايتهم. هذه الضغوطات، فضلا عن المخاوف التي تسيطر على المسلمين الذين يرتادون المساجد، بسبب توقعهم أن يحدث لهم ما حدث لإخوانهم في كرايست-تشيرتش، فإن أولى ضربات قطع علاقة المسلمين بدينهم حققت مرادها و ستحققها أكثر فأكثر. و ستعيش الجاليات المسلمة الخوف و الرعب أكثر فأكثر إلى أن تصدر القوانين التي تحد من إرتباطاتهم بدينهم رويدا رويدا. و مع صعود و انتشار اليمين المتطرف في بلاد الغرب فإن حدوث الإغتيالات و القتل و العمليات الإرهابية ستتوالى لتستهدف أفراد و جماعات المسلمين لتحد من انتشارهم و للحيلولة دون تحولهم إلى جاليات ضخمة و محافظة تؤثر في ديموغرافية الغرب مع انتهاء القرن الحالي. هذه العمليات قد تكثر في المستقبل من أجل دفع المسلمين خارج البلاد و منع القادمين الجدد منهم. و للأسف فإن ردود فعل المسلمين في العموم تجاه الغرب مازالت غير عقلانية و بدائية. فمثلا تجد السيناتور الأسترالي من اليمين المحافظ (فرايزر آنينغ) يحاول إعطاء وجهة نظره لما حدث، تجد المسلمين بدل التحاور معه، يحتفلون بتصرف طائش صدر من مراهق أسترالي ضد آنينغ حيث ضرب مؤخرة رأسه ببيضة، و هذا ما تطبل له قنوات عربية فضائية! الآن يتمادى المسلمون أكثر، و يقومون بجمع التواقيع لإزالة الحصانة من هذا السيناتور، إمعانا في استفزاز البيض الذين يشكلون أكثرية السكان!
في السنوات التي مضت، حاولت كثيرا طرح بعض الأفكار و المقترحات المفيدة أمام بعض رموز الجالية المسلمة و افرادها في أستراليا و أوروبا و التي تعود بالنفع على المسلمين في تلك البلدان، لكن دون جدوى. فكان حديثي معهم كحديث من يشرح سورة من القرآن لشخص سكران أسرف في الشرب! بعضٌ منهم كان يسخر من تحذيراتي و مقترحاتي معا!
كما أنني قدمت مشاريع و مقترحات لبعض الدول العربية و المسلمة، لكنها لم تسمع آذانا صاغية و ذهبت الجهود سدى. و منذ أن قدمت هذه المقترحات و المشاريع لهذه الدول منذ عام 2016، فإنها دفعت المئات من المليارات لأمريكا و أوروبا و روسيا و الصين. هذه الأموال ذهبت سدى، بل إن غبارها و دخان جريها السريع نحو الغرب عاد فوق رؤوسنا للمزيد من البلاء و التقهقر و اليأس. لكن هذه “الدول” التي تدعي الإنتساب إلى تأريخنا و جغرافيتنا و هويتنا، لا تجد من هو أكثر سخاءا و كرما و تواضعا منها مع الأجانب الأسياد. لكنك لن تجد من هو أكثر تكبرا و تعجرفا و لامبالاة منها تجاه أناسها و خصوصا الذين دفعتهم التجارب و الدراسات و البحوث نحو تقديم مقترحات و مشاريع إليها بهدف مستقبل أشرف و أبهى لأطفالنا التائهين الضائعين (عبيد المستقبل عند أعدائهم!).
ألا فليركب الغرب دول الشرق فنعم الراكب هو، و نعم المطية دول الشرق و حكامها.
و الله المستعان.