22 نوفمبر، 2024 7:30 م
Search
Close this search box.

موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 10/18

موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 10/18

نشرت كمقالة باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
من النصوص التي تنم عن مرونة وليبرالية يزاولها الإسلام، هو النص القرآني «فَمَن شاءَ فَليُؤمِن، وَمَن شاءَ فَليَكفُر» في سورة الكهف 29. ولكن هذا النص يذكر دائما مستقطعا من سياقاته، ويفترض أن يذكر النص كاملا، لتتضح الصورة الحقيقية لمأزومية الإسلام تجاه غير المصدقين به، فالنص كاملا هو:

«وَقُلِ الحقُّ مِن رَّبِّكُم، فَمَن شاءَ فَليُؤمِن، وَمَن شاءَ فَليَكفُر؛ إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ ناراً أَحاطَ بِهِم سُرادِقُها، وَإِن يَّستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كالمُهلِ يَشوِي الوُجوهَ، بِئسَ الشَّرابُ، وَساءَت مُرتَفَقاً».

هنا يمثل هذا النص واحدا من نصوص إقرار الحرية الدينية دنيويا، وإن كانت هناك نصوص إما تضيّق من هذه الحرية، أو تلغيها كليا، مما أبقى الباب مفتوحا أمام شتى الاجتهادات، بحسب المناهج المختلفة في التفسير، وحسب المذاهب والمدارس والتوجهات الفقهية. ولكن حتى لو سلّمنا بالتعويل على هذا النص، واكتشفنا أن الإسلام يترك للإنسان حرية أن يؤمن أو أن يكفر، فيكفي عدّ الاعتقاد بالإسلام (إيمانا)، وعدم الاعتقاد به (كفرا)، وخاصة بعدما نعلم إن مصطلحي (الإيمان) و(الكفر) ليسا مجرد توصيفين موضوعيين خاليين من أي قيمة عليا أو سفلى، كما نقول عن شيئين أن أحدهما كبير والآخر صغير، أو أحدهما أحمر والآخر أخضر، أو غير ذلك من التوصيفات الخالية من بعد قيمي، بل إنهما مصطلحان، لكل منهما بُعد قيمي على النقيض من الثاني، فأحدهما (الإيمان) ممدوح ومحبوب، خاصة حسب معايير القرآن، والآخر (الكفر) مذموم ومكروه. نعم هذا الأخير أي الكفر مشحون بكل معاني الإدانة والرفض والكراهة والعداوة، فهو يمثل الخطأ، والضلال، والانحراف، والسوء، والخبث، والشر، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فيمثل الخزي والعذاب، كما ويمثل مقت الله، وإعراضه، وعقابه الأبدي، ولعنته، وما اللعنة إلا سلب الرحمة كليا، إضافة إلى كونه لونا من ألوان الشتم والقذف (المقدسين). ثم لنسلم افتراضا أن الإيمان والكفر لا يختزنان بعدا قيميا، بل هما توصيفان، كما نقول: هذا سياسي، وذاك فنان، أو أي شيء من هذا القبيل، ففي الوقت الذي تترك للإنسان حرية أن يكون سياسيا أو فنانا، وبالتالي مؤمنا أو كافرا، نجد سرعان ما يُكال لصاحب الخيار الثاني شتى الشتائم، فبعد أن تقرر الآية: «فَمَن شاءَ فَليُؤمِن، وَمَن شاءَ فَليَكفُر»، سرعان ما يتدارك النص فيلحق العبارة آنفا بقول «إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ ناراً أَحاطَ بِهِم سُرادِقُها، وَإِن يَّستَغيثوا يُغاثوا بِماءٍ كالمُهلِ يَشوِي الوُجوهَ، بِئسَ الشَّرابُ، وَساءَت مُرتَفَقاً»، كما قدم لـ «مَن شاءَ فَليُؤمِن، وَمَن شاءَ فَليَكفُر» بقول «وَقُلِ الحقُّ مِن رَّبِّكُم»، والحق كما يثبت القرآن هو الإسلام، وغيره الباطل. لكن يمكن أن أرد على قولي هذا بأن الوعيد هنا متوجه للظالمين، فهناك كافر ظالم يستحق العذاب، كما هناك مؤمن ظالم يستحق نفس العذاب، بينما يكون العادل، أو غير الظالم، كذلك، سواء آمن أو كفر في مأمن من العذاب. يبقى الأمر متعدد الفهم والتأويل، لكننا لو أهملنا هذه الآية وتناولنا سائر النصوص القرآنية التي تحدد موقف الإسلام من الذين لم يؤمنوا بالإسلام، لتأكد لنا ما أذهب إليه.

أحدث المقالات