نشرت كمقالة باسمي المستعار (تنزيه العقيلي).
ولدينا نص قرآني متسامح نسبيا مع الآخر، وذلك في سورة يونس 99-100:
«وَلَو شاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهُم جَميعاً، أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتّى يَكونوا مُؤمِنينَ، وَما كانَ لِنَفسٍ أَن تُؤمِنَ إِلا بِإِذنِ اللهِ، وَيَجعَلُ الرِّجسَ على الَّذينَ لا يَعقِلونَ».
وكذلك في سورة الغاشية 21-24:
«فَذَكِّر إِنَّما أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّستَ عَلَيهِم بِمُسَيطِرٍ، إِلاّ مَن تَوَلّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللهُ العَذابَ الأَكبَرَ».
صحيح إن القرآن يذّكر محمدا – في هاتين الآيتين على خلاف الكثير غيرهما – أن ليس من مسؤوليته، ولا بمقدوره، أن يُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، وأن ليس عليه إلا التذكير والبلاغ المبين، وإلا فليس له أن يمارس السيطرة والهيمنة على الناس، وعلى عقولهم، وقناعاتهم، وقراراتهم، في إجبارهم على الاستجابة لدعوته. ولكن في نفس الوقت يؤسس لكراهة غير المستجيبين، فهو تسامح، لكن الحكم على المتسامَح معهم يأتي قاسيا، بعدِّهم «لا يَعقِلونَ»، ومن الذين «يَجعَلُ [اللهُ] الرِّجسَ» عليهم. هذا في النص الأول، وفي النص الثاني «مَن تَوَلّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللهُ العَذابَ الأَكبَرَ». إذن حتى آيات التسامح، فهي في أقصى ما تمارسه من تسامح، أن تترك الحرية للكافرين بالإسلام أن يكفروا به – باستثناء المسلمين بالولادة -، ولكن تكيل لهم شتى الشتائم، وتحرض على كراهتهم، وتتوعدهم بشتى أصناف العذاب الأخروي. فأين هذا من «وَما على الرَّسولِ إِلَّا البَلاغُ المُبينِ»، هذا البلاغ الذي لم يكن مُبينا بقدر ما كان مُبهَما مُشوَّشا قابلا للتأويل إلى ما يتضادّ مع بعضه البعض، إلم نقل يتقاطع ويتناقض ويتنافى.
وفي سورة آل عمران 19-20 نقرأ حصر الدين الذي يرتضيه الله للناس في الإسلام، فنقرأ هنا:
«إِنَّ الدّينَ عِندَ اللهِ الإِسلامُ، وَما اختَلَفَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ إِلّا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغياً بَينَهُم، وَمَن يَّكفُر بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَريعُ الحِسابِ، فَإن حاجّوكَ، فَقُل أَسلَمتُ وَجهي للهِ، وَمَنِ اتَّبَعَني، وَقُل لِّلَّذينَ أوتُوا الكِتابَ والأُمّيينَ أَأَسلَمتُم، فَإِن أَسلَموا فَقَدِ اهتَدَوا، وَّإِن تَوَلَّوا فَإِنَّما عَلَيكَ البَلاغُ، واللهُ بَصيرٌ بِالعِبادِ».
وهناك من يذهب إلى أن كلمة «الإسلام» هنا لا تعني الدين الإسلامي، بل ترد بمعناها العرفاني، أن يُسلِم الإنسان لله، حيث نُعِتَ الأنبياء من قبل محمد بأنهم كانوا «مسلمين»، ولكن هؤلاء من حيث يقصدون، أو من حيث لا يقصدون، يتناولون الكلمة هنا مقطوعة من سياقها في كامل الآية، فالآية تخاطب محمدا، بـ: «فَإن حاجّوكَ، فَقُل أَسلَمتُ وَجهي للهِ، وَمَنِ اتَّبَعَني»، ثم «وَقُل لِّلَّذينَ أوتُوا الكِتابَ والأُمّيينَ أَأَسلَمتُم»، وبعدها: «فَإِن أَسلَموا فَقَدِ اهتَدَوا»، وإلا «وَّإِن تَوَلَّوا فَإِنَّما عَلَيكَ البَلاغُ»، ولذا فالصحيح في الإسلام «وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُّقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ»، فانتبهوا إلى كلمة «دينًا» والخاسر هو الذي يكون مصيره في «نارِ جَهَنَّم».