24 ديسمبر، 2024 4:46 م

بالأمس الكويت وغداً كردستان والأنبار

بالأمس الكويت وغداً كردستان والأنبار

إن المتابع و المتصفح المنصف لتأريخ العراق والمنطقة العربية مدركٌ بوضوح لماهية العلاقة بين العراق والكويت. فلم يكن للكويت أي كيان منفصل أومستقل عن العراق ,بل كانت تابعاً لولاية البصرة على مرِّ العصور .وعندما إحتلالت بريطانياً  الكويت ومعظم مشيخات الخليج, بدأَ نوع وشكل من أشكال تكوين كيان شبه مستقل إسمه الكويت. إلا إن هذا الكيان أيضاً كان بحدود سياسية وليست جغرافية معلومة متعارف عليها, وفق إتفاقيات وخرائط موجودة في وزارة المستعمرات البريطانية.و حادثة مقتل بريطاني خارج أسوار مدينة الكويت معروفة. وكيف حُمِّل العراق يومها المسؤولية عنها, وغُرِمَ دية القتيل.إلا إن إقتضام أرض العراق وإلحاقها بالكويت إستمرَّ تدريجياً,وخاصة بعد إنقلاب 8 شباط عام 1963 وكيف إعترفت حكومة العراق يومها بدولة الكويت. وأصبحت عضواً في الجامعة العربية, وإحتلت مقعداً في الأمم المتحدة .وبالتأكيد إن الكويت دفعت ثمناً لهذا الأعتراف لمن سهل لها هذا الأنجاز التأريخي الهام.
كثير من المحللين يربطون بين قيام ثورة 14 تموز عام 1958 وإنقلاب 8 شباط عام 63 وبين تنفيذ مآرب بريطانيا العظمى الهادفة لتوسيع أرض الكويت, وهذا بالتأكيد لصالح بريطانياً أولاً ومن ثَمَّ مصلحة العائلة الكويتية الحاكمة. فقُضِمت الأرض العراقية لمصلحة بريطانيا وحلفائها . وتنفيذ الستراتيجية العسكرية للهيمنة على منابع النفط .وخاصة بعد أن علمت بريطانيا بإتفاق الكويت مع العراق والأردن للإنضمام للأتحاد العربي, وشك بريطانيا بالنتائج المستقبلية لهذا الأتحاد. فتغافلت عن تحركات القطعات العسكرية المتجهة الى بغداد لأطاحة النظام الملكي.ثم جاءت إطاحة الزعيم عبد الكريم قاسم بعد تأكد بريطانياً من أن إتفاقاً وشيكاً بين الزعيم  عبد الكريم قاسم وحكام الكويت لقيام نظام تعاوني جديد بين الطرفين. وتخوف بريطانيا من نتائج هذا التعاون والنظام الجديد الناشئ عنه على مصالحها.وتواجدها في مستعمراتها .
وليس بخاف على كل ذي بصيرة دور الكويت بالدفع والتشجيع وتمويل الحرب على إيران. فكل هذه الأمور تربط بين المخطط الرهيب الهادف لأضعاف العراق وتمزيقه وإذلاله.
وكانت النتائج إقتضام الأرض العراقية وتوسع الكويت على حساب العراق. ومن ولِد قبل سنة 1058 يعرف أين كانت حدود الكويت وأين كان موقعها الحدودي  وكيف زحف تدريجياً ,وكيف إقتضمت الكويت أراضٍ مِن  أم قصر ومزارع صفوان والتجاوز على الجرف المائي و المياه العراقية الأقليمية لخنقه وإلغاء حقه في مياهه  وممراته وقنوات إتصاله البحرية بالعالم.
ويتكرر اليوم هذا المسلسل في كردستان العراق حيث إن الخرائط المعدة لمشروع كردستان العراق هو ضمُّ كركوك وثلثي أرض الموصل للأقليم,  ومن ثم نصف أرض ديالى, وجزء كبير من أرض الكوت تصل الى قضاء الحي, وأراضٍ من العمارة أيضاً.وربما يأتي يوم يطالبون بأجزاء من بغداد ففيها ما يقارب المليون من أخوتنا الكورد. وقد يتذرعون بأن إسم بغداد ليس عربياً وقد يدعون بأنه كردي.
و سيستمر هذا المسلسل والمنهج وسيتكرر. وسيحقق الكورد ما يريدون. وسينفصل هذا الإقليم عاجلاً أم آجلاً. وسيتوسعون في أرض العراق تدريجياً, كما فعلت الكويت.وسيتمكن الكرد من سلب كركوك.وسيلقون دعماً من سياسين يبتغون رضاهم.
وما دخول مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي للعراق إلا توطئة للأنفصال .لأنه رفد عسكري لقوات البيشمركة المستقلة عسكرياٌ عن الدولة العراقية فعلياً. ولا تأتمر بأمرها بل تترفع عليها. وكم من مرة طردت القوات الأتحادية ومنعتها من دخول أراضٍ سموها متنازع عليها. ولم تكن يوماً جزءاً من كردستان.مع إن كردستان جزء من العراق .ولن نستغرب الموقف الرسمي العراقي المتمثل فقط بالتصريحات الخجولة.وكأن العراق أرض مستباحة لا شعب لها.ولم تكن لهذا الشعب حضارة تمتد لسبعة آلاف سنة وربما يدعي البعض إنه أرض مُكتشفة جديداً كما إكتُشِفت أميركا وغيرها وهيَ من حق المكتشفين.ولكنهم الساسة الذين لم يُبقوا لشعب العراق كرامة وسيادة, فيستهان به الطامعون اللئام. ولم يعد أحد يقيم له وزناً أو إحتراماً. إن دخول مقاتلي حزب العمال الكوردستاني الأراضي العراقية إعتداء على شعب العراق بكل مكوناته و على مرجعياته السياسية والدينية والأجتماعية وإمتهان لكرامة كل العراقيين.
والنية متجهة الآن لإنشاء إقليم في البصرة وربما يضم العمارة والناصرية ومحافظات أخرى من الجنوب.والأصوات مرتفعة لأقامة أقاليم في الرمادي وتكريت والموصل.وقد تلتحق بعض هذه الأقاليم بدول مجاورة وفق مخطط مدفوع الثمن أو مخطط طائفي.وما كان هذايجري لولا سلبية الشعب العراقي وسكوته عن ساسة يمزقونه ويستهينون به دون إكتراث لمصلحة البلاد وحقوق الشعب في أرضه. ما دام في الساحة العراقية مَنْ يَسْهُل عليه البيع, والمشتري سخي ويدفع !!!!!! .والأيام بيننا.فالأمس كانت الكويت وبعدها نصف شط العرب والأرض المحايدة بين العراق والسعودية وآلاف الكيلومترات المربعة للأردن وغداً كردستان والأنبار والبصرة وغيرها والحبل على الجرار.وهذا هو المخطط.وهذا هو المخطط.نعم إنه المخطط.
نحن لا نعترض على حق الأخوة في الكويت بقيام دولتهم كما يرغبون. فهذا حقهم بلا جدال. وهم أحرار بذلك, كما نحن .ولكن بإحترامهم حق العراقيين بأرضهم لا بالأستقواء عليهم بالغرباء وبقرارات باطلة من مجلس الأمن لم يُسمَع فيها رأيٌ للشعب العراقي . ولم تصدر بعد تحكيم دولي محق محايد فني ذي خبرة لا منحاز, بل إنحازت أمريكا ومساندوها بحرب الخليج الثانية للكويت ورسموا خرائطهم بالظلام دون مراعاة لحق العراق, وربما كان القصد إبقاء العداء وإستشراءه بين إخوة تربطهم وشائج شتى.وهذه هيَّ سياسة فرق تسُد التي برعوا فيها وماضون بها .
كما لا نعترض على تحقيق الأخوة الكورد كل طموحاتهم القومية ومنها إقامتهم دولتهم الكوردية.بما لا يلحق الحيف ببقية العراقيين. و ليس على حساب بقية شركائهم في الوطن.فلقد تعامل معهم شعب العراق بأخوية صادقة لا بقومية شوفينية كما تعامل الآخرون. وأعطاهم حقوقاً لم يجرأوا على طلب جزء منها من دولٍ مجاورة.  وكان هذا بحبٍ ومودة .وإن كان هناك ظلماً قد لحق بهم من أنظمة حكم فلا دخل للشعب بها. فقد وقع على مكونات الشعب الأخرى ظلمٌ أشد. فقد وجد الكورد حينها من يساندهم من مكونات الشعب الأخرى. لكن الآخرين لم يساندهم أحد بل كان البعض مع الطغاة.إن كان الكورد يريدون الأستقلال فهذا حقهم ولكن بحدود محافظاتهم الثلاث التي وقعوا إتفاقاً مع النظام السابق بشأنها, وترك  بقية العراقيين يبنون وطنهم بسلام.وعليهم تأجيل مطالبهم الأخرى لحين إستتباب الأمن في العراق , وعودة الحياة له.كما إننا مع قيام دولة فدرالية إتحادية, ولكن ليس على أسس طائفية أوعرقية.وإنما على أسس جغرافية مناطقية إدارية لتقاسم المسؤولية وتسهيل عملية التنمية وتوفير الخدمات وتحقيق الأمن.
لقد حققت الكويت ما أرادت وسيحقق الكورد ما يريدون, وإن كان على مصلحة العراقيين .وسيقسم العراق ويُمزَّق. وستتشكل أقاليم, وما يجري اليوم من مظاهرات وإعتصامات ومن ثمَّ المواجهات العسكرية في الحويجة والأنبار وصلاح الدين والموصل وديالى إلا جزء من مخطط التمزيق والتفتيت لوحدة العراق أرضاَ وشعباً, وفق برنامج إقليمي ودولي ينفذه عملاء مأجورين. والمستقبل سيكشف هذا ويؤكده.وتسلل الأحداث وتطورات التظاهرات ثم الأعتصامات وبعدها المواجهات العسكرية والتلويح بإستخدام السلاح والقوة والتصعيد الطائفي وتشكيل جيوش خارج الأطر الدستورية إشارات واضحة وخطوات على طريق التقسيم وتقزيم العراق وتفتيته . وليس لنا إلا أن نقّر ونتعرف بعجز الشعب الآن  عن التصدي لهذا. فالسياسيين الذين لا يجيدون إلا الصراع والأنصياع هم من تسبب بهذه الأنتكاسة الخطيرة. والشعب في غيبوبة ولكن لا بد أن ياتي يومُ يستفيق منها وسيدفع من تسبب الثمن.