بعد نضال استمر لسنوات، لعمال العقود في قطاع الكهرباء، عبر التظاهرات والاعتصامات واشكال مختلفة من الاحتجاجات، ارغم مجلس الوزراء في اجتماعه الاخير بتوظيف ٣٣ الف عامل عقود على الملاك الدائم. وفي الاجتماع ايضا قرر على تلبية مطالب عمال وموظفي الصحة الذين اعلنوا عن اضرابهم قبل اسبوع.
وفي هذه المناسبة وعبر هذه الصحيفة نهنئ عمال العقود في القطاع الكهرباء وعمال وموظفي الصحة على تحقيق مطالبهم العادلة.
دروس مهمة يجب استلهامها من عمال العقود وعمال وموظفي الصحة، وهي التنظيم والشكل الاحتجاجي والصف المستقل والمحتوى الطبقي للسلطة السياسية.
لقد كان العمود الفقري لجميع الاحتجاجات الجماهيرية في العراق بشكل عام والمدن الجنوبية بشكل خاص هو العاطلين عن العمل وعمال العقود في مختلف القطاعات مثل الكهرباء والبلديات والنفط وغيرها خلال السنوات المنصرمة من عمر سلطة الاسلام السياسي الوفية الامينة للمؤسسات المالية التابعة للإمبريالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصندوق التنمية الامريكي وبنك الاتحاد الاوربي لتنفيذ مشاريعها الاقتصادية بتنصل الدولة من مسؤوليتها تجاه المجتمع في التعليم والصحة والخدمات وتوفير فرص العمل. بيد ان الفارق الوحيد بين احتجاجات عمال العقود والاحتجاجات الجماهيرية الاخرى، هي انها كانت مستمرة سواء لوحدها وبصفها المستقل وبمعزل عن وجود تلك الاحتجاجات في حال غيابها او الانخراط فيها بشكل واعي ومشاركة مطالبها من اجل توفير الخدمات ومحاربة الفساد، مؤمنة بأن من يسلب حق الجماهير بتوفير الخدمات لها وسرقة اموالها ونهبها هو نفسه الذي يماطل ولسنوات بعدم توظيفهم على الملاك الدائم لابقائهم تحت خط الفقر، حيث يتقاضى عامل العقد ٣٠٠ الف دينار شهريا مع ضمان عدم حصولهم على الضمان الاجتماعي والتمتع بالإجازات وبدل الخطورة والسلامة المهنية ومخصصات الاطفال والزوجية والتقاعد وغيرها من الحقوق، لانه سيقلل من حصة السلب والنهب والسرقة.
وعليه ان السلطة ادركت ان عمال العقود يلعبون دورا محوريا في ابقاء جذوة الاحتجاجات مشتعلة، ومهما مارست من قمع بوليسي ومن حملة اعلامية وسياسية ضد الاحتجاجات تحت ستار؛ تقف خلفها مؤامرات خارجية وايادي خفية ومندسين، الا انها لن تتمكن من قمع احتجاجات عمال العقود التي انفردت وخلال هذه السنوات بصفها المستقل. ومن جهة اخرى وهذه هي نقطة مهمة يجب الوقوف عندها، ان احتجاجات عمال العقود في قطاع الكهرباء وحتى في القطاعات الاخرى لم تنحرف عن مسارها وعن مطالبها ولم تنجرف وراء خداع التيارات الاسلامية التي ركبت اكثر من مرة الاحتجاجات ولوت عنقها وافرغت المطالب من محتواها، او الاوهام التي نثرتها دعاة الديمقراطية الجدد بعد ان ضاق عليهم ثوب الشيوعية فمزقوه وتنكروا لماركس والماركسية وتحت عناوين انها طوباوية وغير واقعية ولا يوجد طبقة عاملة في العراق، ودعوتهم المستمرة لتشجيع القطاع الخاص، وكأن القطاع الخاص يمتلك عصا سحرية تجلب الرفاه والعيش الكريم متناسين ان مطالب العمال سواء كانوا في القطاع العام او الخاص تريد شيئا واحدا وهو حياة حرة وكريمة، ولن يهمهم كان هناك اقصاد سوق او اقتصاد تديره الدولة، لانه ببيع قوة عملهم وفي كلا القطاعين فقط يستطيعون كسب رزقهم من اجل بقائهم احياء هم واسرهم. وفي كلا القطاعين سواء اكان خاصا او عاما، فأن مصاصي عرق العمال هم انفسهم مع تغيير هوياتهم سواء كانون بيروقراطي الدولة كما كان في حال نظام البعث الذي حكم العراق ما يقارب ثلاثة عقود، او البرجوازية الجديدة اصحاب فلاي بغداد وشركات الاتصالات والمقاولات والسمنت والنفطية والمصافي والشركات التجارية التابعة لمسؤولي الاحزاب والقوى الاسلامية والقومية المستحوذة على السلطة اليوم في العراق.
اما الدرس الاخر هو التنظيم الذي سعى اليه عمال العقود، فلم يسمحوا لأي طرف بتخريب وحدتهم الى جانب الدفاع والحفاظ على شعارهم ومطلبهم الوحيد وهو التوظيف على الملاك الدائم. لم يخلطوه بشعارات ومطالب عديدة، وهذا كان سر قوة توحيد صفهم حول المطلب المذكور. وكان بالنسبة لعمال العقود هذا المطلب هو الخطوة الاولى في حال تحقيقه للتقدم نحو الامام.
وقد اتبع عمال العقود اشكال نضالية متنوعة وهذا هو الدرس الاخر، حيث لم يستسلموا الى شكل محدد، فلقد ذهبوا الى التظاهرات وبعد ذلك نظموا اعتصامات سواء عبر نصب الخيام امام اماكن العمل او في الساحات العامة، وفي امكان اخرى وقطع الطرق لأسماع اصواتهم ومطالبهم الى اصحاب القرار. وكانوا يعملون بأشكال مختلفة لجلب التضامن معهم سواء الاتصال مع القطاعات العمالية الاخرى او الاقسام الاجتماعية من المجتمع.
ولا بد من الإشارة، الى ان مكسب عمال العقود الذي تحقق، لا يعود فقط لاستمرار نضالهم ووحدتهم وصفهم المستقل فحسب بل يعود ايضا الى احتجاجات جماهير البصرة بتضحياتها الجسام بالرغم من جميع نواقصها ونقاط ضعفها في الصيف الماضي، لعبت دورا بتحقيق تلك المطالب، حيث ارعبت كل القوى المتجمعة في العملية السياسية.
واخيرا اثبت قرار مجلس الوزراء الاخير الذي اشرنا اليه بتحويل عمال العقود الى الملاك الدائم وتلبية مطالب عمال وموظفي الصحة، بأن سلطة الاسلام السياسي، كانت غير مستعدة على تحقيق مطالب الجماهير، ليس لانها قوية ومنسجمة ومتماسكة فيما بينها، التي جمعتها ومنذ اليوم الاول لاحتلال العراق، عدائها المشترك للجماهير كي لا تعيش حتى بالحد الادنى من الادمية، بل لان الجماهير لم توحد نفسها ولم تنظم نفسها حول مطالب محددة وواضحة. ان السخط والاستياء والرفض يعم صفوف جماهير العراق بجميع اقسامها لكن ما ينقصها هو التنظيم وتوحيد نفسها حول شعارات ومطالب واضحة وبأفاق مستقلة وهذا ما نتعلمه من دروس عمال العقود في الكهرباء.