ما أصعب الظروف التي جرت، وما اقساها، وكيف لتلك الأحداث ان تمر دون أن تسقط صاحبها، فتجعله بين أمرين.. يتقاعس فيستسلم، وله على الناس الف عذر وعذر، أو يتصدى فيواجه المصير وما تحمل له الأيام من مصاعب ومصائب، فيسجل إسمه في صفحات التاريخ، ويلتحق بركب الصالحين.
في إحدى الليالي المظلمة، يقتاد السيد الجليل محمد حسين الحكيم، وهو أحد أساتذة الحوزة العلمية في النجف الاشرف من داره إلى أحد سجون نظام صدام، يوضع في غرفة صغيرة، فيأمر المسؤول بجلب السيد محمد صاحب الحكيم، نجل المرجع الأعلى حينذاك، وما ان يحضروه حتى يطلق عليه الرصاص فيقتل على الفور أمام اعين السيد محمد حسين، ثم يؤتى بأخيه السيد علاء الدين ويصنع به مثلما صنع بأخيه، ثم يأمر بالثالث وبعده الرابع والخامس فالسادس وكلهم من أسرة الحكيم، فيقتلهم جميعاً، فتمتلئ الغرفة بدمائهم، ليسقط السيد مغشياً عليه من شدة المنظر الذي رآه، ثم يوقضونه عنوةً ويقولون له هذه الرسالة عليك أن توصلها إلى السيد محمد باقر الحكيم، فتبلغه أن يكف عن مقاومة النظام.
وصلت الرسالة، وأي رسالة تلك التي حملت خبر فقدان الإخوة والاحباب، تنهمل الدموع من عينيه فينظر إلى السماء ويقول: ربي تقبل منا هذه القرابين، هذا طريق الجهاد لا استبعد ان الاقي فيه ما لاقاه جدي الحسين وعياله واصحابه، عليه وعليهم أفضل الصلوات، إلهي انت تعلم ما في قلوب المؤمنين، وانا والله ما خرجت بطرا ولا اشرا، ولا راغبا في حكم او سلطة، ولكني اريد إلاصلاح، وانتزاع حقوق المظلومين والفقراء، من سلاطين البعث وجلاوزته، وعهدي ان لن احيد عن هذا الطريق حتى تتحق العدالة، ويمضي الظالم الى مصيره المحتوم.
يقرر المواصلة وينطلق بركب المجاهدين نحو اهوار العز والاباء، ليبدأ مرحلة المواجهة واللجوء للمقاومة وحمل السلاح، قدم الأبطال في هذه الفترة اروع الملاحم، ورسموا أجمل صور التضحية، لكنهم عانوا كثيرا من عدم التكافؤ بينهم وبين العدو، من حيث العدة والعدد، لكن حكمة الحكيم حينها وإيمانه بمشروعه وثقته بالله وبرجاله جعلت أرض الأهوار عصية البعث حتى أيام زواله. بالإضافة إلى الدفاع المسلح عمل الحكيم على إيصال مظلومية العراق إلى العالم، وإثارة الرأي العام العالمي لمناصرة الشعب المحاصر والمضطهد من خلال التحشيد لعقد مؤتمرات دولية عديدة اسهمت كثيرا في إسقاط الشرعية عن حكم صدام واعوانه.
من الواضح ان من يفتش في تاريخ ال الحكيم يجد انهم لاقوا من الاضطهاد الكثير، فقتل الاخوة والاقرباء بعد تعذيبهم في السجون وترويع الأبرياء من نساء الاهل واطفالهم الآمنين امور كفيلة بتحطيم معنويات الحكيم، وجعله يحيد عن مشروعه لولا انه كان عالما عارفا صادقاً مع الله وشعبه معتقدا بوجوب التصدي لدفع الضيم ورفع الحيف عن الملايين من أبناء شعبه،وأن الحرية لا تأت بلا ثمن.