بعد سقوط النظام السابق وتغير مفهوم الدولة ومنهجها من الاستبداد الى الديمقراطية ‘اتاح المجال الى محاولة التوسع في الاليات الرقابية والمحاسبية اكبر مما كان عليه في زمن النظام السابق ‘وذلك عبر جملة من الوسائل والاليات سواء كانت تابعه للدولة ومؤسساتها كهيئة النزاهة الرئيسية ولجان النزاهة في مجالس المحافظات ودوائر المفتشين العمومين في الوزارات والدوائر التابعة لها في الحافظات و هيئة النزاهة البرلمانية وديوان الرقابة المالية و منظمات المجتمع المدني والهيئات المدنية والإعلامية ه فضلا عن القضاء والمحاكم المختصة ومع التوسع الهائل والتضخم في وسائل المراقبة الى حد الانتفاخ نرى ان الفساد يأخذ اتساعا ومناعة وقوه ويتشعب ويتغلغل في كل مفاصل الدولة والمجتمع ولم تعد كل هذه الهيئات ووسائل المراقبة قادرة الى كبح جماحه والحد من تناميه وسيطرته .
ومن اجل التستر على الفساد وعدم القدرة الكافية على محاربته ومكافحته تحاول الحكومات المتعاقبة ان تخلق عناوين ومصطلحات مختلقه تضيفها للعناوين السابقة المعدة لمكافحة الفساد والتي يراد منها تخدير الشعب وايهامه ان الحكومة الجديدة عازمة على محاربة الفساد والقضاء عليه وهي تعرف مسبقا انها محاولات بائسه وتحمل نبرات الفشل في عروق تأسيسيها فالمتتبع لحكومة العبادي وارتفاع صوتها المجلجل بمكافحة الفساد ومن سنة 2015 عقد العزم على تشكيل مجلس اعلى لمكافحة الفساد وضجت به وسائل الاعلام وعقدت المؤتمرات الصحفية والخطب الرنانة وبمناسبة ودونها يهدد رئيس الوزراء المفسدين بهذا التشكيل الخطر الذي سيقظ مضاجعهم ويلاحق ارصدتهم اينما وجدت ولحسن قدرة العراقيين من تلمس الوعود الكاذبة للسياسيين وانعدام امكانيتهم وقدرتهم على مكافحة الفساد لكونه منهم واليهم فليس باستطاعتهم زحزحته والاقتراب منه قيد أنمله لذا استقبلوا هذه الضجة الإعلامية الصاخبة للمجلس الموقر بكل فتور واستنكار وتندر و في استهجان وسخريه من البيان الذي تلاه امين عام مجلس الوزراء في حينه من إن العبادي
“وجّه المجلس الأعلى لمكافحة الفساد بحسم الملفات التي بحوزته ورفع العقبات والمعوقات التي تحول دون حسم الكثير من القضايا المتلكئة لاسترداد الاموال وتقديم الفاسدين للقضاء” وذهب العبادي دون ان يمس شعرة من ذيل اصغر فاسد عرفه العراقيون ليسلم امانة الفاسدين ومغانمهم التي اثقلت خزينة الدولة وكاهلها بثقلها الر هيب الى السيد رئيس الوزراء الحالي ومع الاسف كانه استرطب التسميه واستهواه العلو والرفعة لها فبادر مشكورا بإعادة تسميتها . وبرئاسته وعضوية خمسة قضاة خشية ان يذهب النصر الذي حققه المجلس لرئيس الوزراء السابق وحده دون ان يتقاسمه معه.
إن “الهدف من إعادة تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد هو تمكينه من اتخاذ الإجراءات الرادعة وتوحيد جهود الجهات الرقابية في سياق عمل جديد قادر على التصدي لأية جهة أو شخص، مهما كان موقعه، وأن نتصرف كدولة في كشف الفساد وحماية المجتمع والمواطنين والمال العام على حد سواء”. وأشار إلى أن “المجلس يجب أن يتمتع بالصلاحيات الإدارية والقانونية الكافية للسيطرة على ملف الفساد ومعرفة مواطنه ومكامن الخلل في المتابعة والتنفيذ”.
فلا ندري ما هو دور الهيئات الرقابية الكثيرة التي شكلت لهذا الغرض في تقويض الفساد ومكافحته ومنذ تأسيس الدولة الحديثة في 2003 والى الان ورغم تفاقم حدة الفساد وانتشاره لم نسمع انه تم ترويج أي معامله او ملف تحقيقي بخصوص الفساد لأي هيئة قضائية ولم يقدم أي فاسد للمحاكم المختصة الا من بسطاء الناس او الموظفين الادنى في سلم السلطة اما الحيتان الكبيرة المهيمنة على مقدرات الدولة وخزائنها فلم يدنو من ممتلكاتها ونفوذها احد فاين منها تلك الهيئات الرقابية والمحاسبية لذا لا يمكن التعويل على هذا المجلس لكون المحاصصة الحزبية والسياسية ستمتار يدها لتدير عنق هذا المجلس لصالحها كما هي عليها في تأسيس الهيئات الرقابية السابقة ولن يحدث مطلقا أي تغير وسيبقى الفساد كما هو عليه او يستفحل ويتفشى على اوسع نطاق
ان المشكلة الجوهرية والرئيسية التي تفاقمت واستفحلت على الحالة العراقية الراهنة ومنذ سقوط النظام البائد في 2003 الى الان هي مشكلة الفساد الاداري والمالي ‘فكلما مر بها الزمن تضخمت وتشابكت واستعصت على الحل ويعزى في ذلك الى القيادة السياسية واحزابها وحواشيها فهم علة المشكلة وعقدتها وهم السبب الرئيسي في اشعال جذوتها وتأجيج نارها واعاقة الوصول الى أي حل ينجي العراق من براثنها وشراستها ‘فمن مصلحة هذه القيادات ان تظل ظاهرة الفساد الاداري مهيمنه ومسيطره على الوضع المأساوي الذي يعيشه العراق فبقائهم وتسلطهم وانتفاخ ارصدتهم واتساع ممتلكاتهم وثرواتهم التي تعدت الحدود والمقاييس وتشظ على مختلف الدول وبنوكها في العالم ‘فمن اعلى هرم السلطة الى ادنى مسؤول بالدولة يتحدثون بألم وحزن عن مدى تفشي هذه الظاهرة واستشرائها ويشفقون بعطف على الشعب الذي يتحمل اوزارها لكنهم ضالعون وغارقون في اوحالها وما الدعوات او النبرات التي يطلقونها بغية الاصلاح الا ذر الرماد في العيون والتستر على عمق الجريمة التي يرتكبوها بحق شعبهم ووطنهم .
وهم على ادراك ان هذا المستنقع الذي يخوضون فيه هو الذي اوصل العراق الى ما هو عليه من تردي وانهيار‘ ومن تكالب قوى الارهاب العالمي والداخلي والذي يفت بعضد العراق ولحمته ويفتت مجتمعه ويقوض نهوضه الاقتصادي وتنميته ويسرح ويمرح عرضا وطولا على جغرافية لينتقي في الزمان والمكان مسرحا لأفعاله الجرمية من تفجير وقتل وتدمير واحتلال لمدن واراضي وانتهاك لكل المحرمات والمقدرات في كرامة ونفسية الفرد العراقي فالفساد هو الظهير القوي والممول للإرهاب وهو الحاضنة الام له ‘وفضلا عن الارهاب وانعدام الامن والاستقرار في البلد هناك حزمة كبيرة من التداعيات والاضرار والاثار التي يولدها الفساد الاداري ‘منها اضعاف هيبة الدولة وركاكتها وتخبطها وهشاشة وتشتت قراراتها وفقدان توازنها وانعدام الخدمات والمنافع التي تؤديها الى شعبها وما الفوضى الإدارية والسياسية التي عليها الحكومة واحزابها وسياسيها الان بفعل الفساد وانعكاساته على مرافق الدولة واجهزتها الخدمية والأمنية ‘والفساد يعيق استخدام الموارد الاقتصادية والموارد البشرية ويعيق النمو الاقتصادي ويتسبب في انخفاض مستوى المعيشية وتفشي البطالة وضعضعت العلاقات الاجتماعية وزعزعت الثقة بين المواطن وحكومته وبينه وبين القيادات السياسية ‘والفساد يعيق الاستثمار الخارجي والداخلي فمن غير الممكن تشجيع رؤوس الاموال الأجنبية لاستثمارها في داخل العراق طالما يوجد فساد مستشر الى هذا الحد الذي لا يوجد له مثيل في معظم دول العالم فاغلب الشركات تبحث عن الشفافية والامن والمحاسبة والمراقبة وليس في مناخ ملبد بالفساد.
.فلابد ان تكون مقاومته بمستوى حجمه وقوته واول المقومات الصلبة لمكافحة الفساد هو توافر الإرادة السياسية المتكاملة والمعاضدة عند الاحزاب وأقطاب العملية السياسية وكتلها في العراق ويفترض توفر حسن النية والولاء التام والمخلص للوطن والشعب اولا فاذا ما تضافرت الجهود مجتمعة يصاحبها تعزيز الثقة بين اطراف العملية السياسية وبينها وبين شعبها سيتم القضاء على الفساد او الحد من تعاظمه وتناميه .