17 نوفمبر، 2024 10:51 ص
Search
Close this search box.

رواية هسيس اليمام.. شغف البحث عن لذة ممنوعة عن النساء

رواية هسيس اليمام.. شغف البحث عن لذة ممنوعة عن النساء

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (هسيس اليمام) للكاتب العراقي “سعد سعيد” تكشف عن العلاقات الحميمة في مجتمع متخم بالعادات والتقاليد البالية التي تفرض سطوتها، مجتمع يتعامل مع المرأة بدونية، تحكي الرواية بجرأة من خلال صوت النساء أنفسهن عن المسكوت عنه في الحديث الرسمي عن العلاقات بين الرجل والمرأة.

الشخصيات..

هديل: البطلة، سيدة في منتصف العمر، تبدأ الحكي منذ طفولتها عن كشفها لعالم العلاقة بين الرجل والمرأة وشغفها للمعرفة عن أسرار تلك العلاقة، ثم أحداث حياتها بعد أن كبرت في نفس الإطار وهو علاقة الرجل بالمرأة، تحكي بحرية شديدة ربما لأنها تحكي في يوميات تكتبها لل”موت” فلا تعبأ بإخفاء أية تفاصيل أو أحاسيس، تزوجت رغم إرادتها وتعامل معها زوجها بطريقة سيئة، وتنقلت في علاقات جنسية حميمة ثم انتهت حياتها بالموت.

سلمى: صديقة “هديل”، سيدة في منتصف العمر، لا تورد الرواية عنها تفاصيل كثيرة سوى أنها كانت متزوجة من طبيب يدعى “لؤي”، كان على علاقة جنسية ب”هديل”، كما أن “سلمى” تقوم بدور الموجه التي تحمي صديقاتها من الضعف، رغم أنها هي نفسها عانت من لحظة ضعف واشتهاء للشاب “ماهر” إلا أنها تجاوزتها بقوة.

هيفاء: صديقة ل”سلمى”، سيدة في منتصف العمر أيضا يهملها زوجها بسبب ضعف قدرته الجنسية مع تقدم العمر، مما يسبب لها كبتا جنسيا تحاول تفريغه من خلال علاقة على “الفيسبوك”، الواقع الافتراضي، مع شاب يدعى “ماهر”، لكن تتصدى لها “سلمى” وتحاول إيقافها لأنها زوجة ولديها أولاد كبار، وحين تستسلم ل”سلمى” تلجأ إلى ممارسة جنس مثلي لكنها تعود إلى المغامرة مع “ماهر”.

عذراء: صديقة “هديل”، هاجرت إلى أمريكا بسبب أن زوجها “دريد” كان يحاول استغلالها، بعرضها على رجال له مصالح مالية معهم، لكنها رفضت بإصرار وهربت مع أهلها وعادت لتنتقم منه، لتكتشف في النهاية أن انتقامها لا يفيد وأنها وقعت في حب “ماهر” الذي أقامت معه علاقة جنسية.

سهاد: صديقة ل”هيفاء” و”سلمى”، اختارت أن تترك عالم الرجال، وألا تتزوج لأنها تعتقد أن الزواج سيء بالنسبة للمرأة، وقررت أن تكون مثلية لكن لم توضح كثيرا أسباب توجهها إلى ذلك، تغوي “هيفاء” لكن “سلمى” تتصدى لها وتمنعها من المواصلة.

عواد: زوج “هديل” يتبين أنه تاجر لا يهتم كثيرا بأمر المشاعر أو المعاملة الحسنة لزوجته، مما يجعلها تقرر الانتقام من سوء المعاملة، خاصة حين تركها وحدها مع ولدها وقرر العيش في بلد آخر، لكنه حين تصاب بمرض يبكي عليها لتكتشف أنه كان يحبها على خلاف ما كانت تعتقد.

سرمد: صديق “عواد” أوصاه برعاية زوجته “هديل” في غيابه لكنه يغوي “هديل” وهي توافق، وتدخل معه في علاقة حميمية طويلة، إلا أن يكتشف أمرها، لكن لا يعرف زوجها بأمر العلاقة الجنسية وتنتهي على ذلك.

لؤي: صديق “عواد” يوصيه هو أيضا برعاية زوجته بعد كشفه أن “سرمد” يتغزل بها، ولكن “لؤي” يغويها هو أيضا، وتدخل معه في علاقة حميمية طويلة، وتعلن أنها كانت تحبه رغم أنها كانت صديقة لزوجته، لينتهي أمر علاقتهما بموت “لؤي” برصاص مجهولين وتبكيه بحرقة.

وسيم: شاب تعرفت عليه “هديل” أثناء عملها في الصيدلية وقررت التجاوب مع نظراته، إلى أن فاجأها رجل آخر جاء برفقة زوجها هو “حيان” لتقع في غرامه بسب هدوءه واتزانه.

وحيّان: يجعل الكاتب “حيان” تجسديا للموت، الذي تخاطبه “هديل” وتحكي له كل شيء، وهي تقع في غرام “حيان” لأنها عاملها بحنو وطيبة وفهمها لكنها تكتشف أنه موتها الذي كانت تخاطبه.

ماهر: شاب يتعرف على “هيفاء” ويغويها، وحين تردعه ” سلمى” تحلم به وبفتوته، وهو أيضا يصادف “عذراء” حين يتعرفان على “فيسبوك” وتقرر تفريغ غضبها من زوجها “دريد” بعد أن عرفت أن “ماهر” يروج له لترشحه في الانتخابات البرلمانية فتقرر أن تخونه مع “ماهر”.

الراوي..

الرواية لها راويان: الأول هو صوت البطلة “هديل” التي تحكي في صورة يوميات أو ماشابه مع الموت المتخيل، والثاني هو صوت راو عليم يلتزم بنقل صوت النساء الخمس في الرواية، ولا يهتم كثيرا بشخصيات الذكور لكنه يعطي لشخصية “عواد” عمقا قليلا من خلال عرض محادثات له على “فيسبوك” مع سيدة تدعى “جمارة”، الراوي العليم يرصد الشخصيات النسائية الخمس ومبرراتها ومشاعرها وانفعالاتها وحتى آرائها تجاه ما يحدث لها بحياد تمام، فالراوي العليم ناجح في تمثل صوت وشخصية المرأة بنسبة كبيرة.

السرد..

السرد محكم البناء متكون  من سبعة عشر مشهدا- فصلا، يعتمد على بوح الشخصية الرئيسية، وعلى بوح الشخصيات الأخرى في حوارات مع بعضهم البعض، يهتم بشكل كبير بدواخل الشخصيات، والحكي عن زاوية واحدة هي علاقة الرجل بالمرأة ورغبات المرأة الجنسية، تقع الرواية في حوالي 216 صفحة من القطع المتوسط، واستخدمت تقنية الحكي في يوميات أو مذكرات، وتقنية “الشات” على “فيسبوك”، والحوار بين الشخصيات، وتقنية الرسالة حين تبعثها عذراء ل”ماهر”.

شغف البحث عن لذة ممنوعة عن النساء..

تهتم الرواية بشكل أساسي بالعلاقات الحميمة بين الرجل والمرأة من وجهة نظر المرأة في مجتمع متأخر، يعاني من كوارث عدة ويتمسك بالعادات والتقاليد البالية، مجتمع يحتفي بالمال ولا تتزوج فيه الفتاة بإرادتها، كما أنها تعاني منذ الطفولة من تعتيم متعمد على كل ما هو جنسي، مما يسبب لها خللا في فهمها للجنس ومن ثم  التعاطي معه.

تعتبر “هديل” أبرز نموذج لهذا النوع من الفتيات، فهي تربت منذ طفولتها على تحريم أي اتصال جنسي واعتباره جريمة، مع تجهيل متعمد لأية معلومات خاصة بالجنس أو بتشريحها الجسماني أو تشريح الذكر، وتصوير الجنس على أنه خطيئة كبرى لا يقوم بها إلا السيئون من الناس، وأنه ضد الدين والعرف، لذا حين تكتشف أن أبوها وأمها يمارسانه تحدث لها الصدمة الأولى، حيث أنها تصنفهم ضمن هؤلاء السيئين الذين يمارسون الجنس، وحين تحاول اكتشاف هذا العالم المحرم مع أخيها الصغير تعاملها أمها بقسوة شديدة، بدلا من توعيتها بهدوء، مما يخلف لديها عقدة كبيرة تجاه الجنس، وتظل طوال فترة طفولتها وجزء من شبابها مهمومة بجسد الرجل، أو بالأحرى بجزء صغير من جسده، تحاول فهم سر الأسرار الممنوع عليها معرفته، كما تحاول الحفاظ على بكارتها خوفا من العقاب القاسي الذي خبرته وهي طفلة. لكنها مع ذلك لا تستطيع أن تمنع رغبتها الطبيعية في السعى وراء اللذة الجسدية، فتستجيب لأحد الشبان الأجانب أثناء مغامرة شقية منها ومن صديقتيها، وتشتهيه لكنها تتوقف حتى لا تقع في المحظور.

وحين يزوجها أبوها من “عواد” رغما تستجيب له، وتستسلم لرغبته في إيلاجها فقط لتكشف السر الذي شاغلها طويلا، لتكون بداية كشفها للسر مفجعة، فقد تعامل معها “عواد” كجسد ساكن، وأدارها ليلجها وهي موجهه إلى حائط في شقته التي يجري إعدادها، تعامل معها بقلة احترام واستهزاء وكأنها دمية بين يديه، ولم يكتف بذلك بل أجبرها على إجهاض الطفل الذي حملت به جراء تلك المقابلة بينهما، مما جعلها تعيش معه وهي كارهه له، وتستجيب لكل من يغويها بحثا عن اللذة التي افتقدتها مع زوجها، فاستجابتها ل”سرمد” كانت بهدف تجرع لذة جسدية وفقط وهي واعية بذلك تماما ولا تلوم نفسها، لكن استجابتها ل”لؤي” اختلطت فيها بعض المشاعر على حد اعترافها، وهي في كل الأحوال لا تحب زوجها وتمقته وتسعى دوما للانتقام منه بسبب معاملته المهينة لها، وإحساسها أنه يستعملها لا يحبها، بالإضافة إلى جشعه للمال وعدم مساعدته لها وطمعه فيها.

إذن ل”هديل” مبررات كثيرة لبحثها عن اللذة خارج إطار زواجها، وقد قدمها الكاتب بحياد تام دون إدانة أو إبداء أي رأي في ذلك، وإن كانت نهاية “هديل” تشي بعقاب ما، حيث انتهت الرواية بموتها، ورغم أنه كان موتا لطيفا وصفته “هديل” بأنه اكتمال لحياتها، إلا أن هذا يذكرنا بموت الزوجات الخائنات في الروايات القديمة والأفلام السينمائية الشرقية، حيث أن كل امرأة تبحث عن اللذة خارج إطار ما يسمح به المجتمع لابد وأن تكون نهايتها الموت. لكن ومع قليل من حسن النية ربما قصد الكاتب  أنها وعت أخيرا مغزى ما مر بها، ولم يبق إلا الموت لتكتمل حياتها، وقد جاء لطيفا في صورة رجل حنون وهادئ ومبتسم.

الشخصيات النسائية الأخرى عانت أيضا من الحرمان من اللذة، فقد عانت “هيفاء” من هجر زوجها لها جسديا، وكانت رؤيتها للأمر أن المرأة في المجتمع الشرقي لا تعرف شيئا عن الجنس أو ممارسته إلا بالزواج، ونتيجة لقلة خبرتها تظل تتعرف عليه من ممارسات زوجها في سنوات الزواج الأولى والذي يركز فقط على استخلاص متعته دون أن يعبأ بمتعتها هي، وحين تبدأ في فهم هذه اللذة الجسدية الطبيعية يكون الزوج قد وصل لمرحلة العجز الجسدي، وتبقى هي في حرمان مفروض عليها فرضا.

سعت “هيفاء” إلى اللذة عن طريق التعرف على شاب، وسعت “سهاد” التي رفضت تسلط الرجل إلى الحصول على اللذة من خلال جنس مثلي مع نساء مثلها، أما “سلمى” فقد ارتضت بوحدتها بعد موت زوجها وشكها في خيانته لها، ولم تستلم إلى رغبتها الطبيعية في الحصول على لذة جسدية.

“عذراء” لها موقف مختلف وربما مرتبك، فهي قاومت وبشدة محاولات زوجها لاستغلال جسدها ليجني من وراءه مصالح مالية، بتركها للرجال الذين يعمل معهم، ورغم ذلك تفاجئ القارئ بأنها قررت الانتقام منه بنفس الطريقة التي هربت منها، حيث قررت مضاجعة “ماهر” صديقه لتفضحه، وإن كانت تعي جيدا أن زوجها لن يهتم بذلك، فهذا موقف مرتبك منطقيا وكان الأولى لها مواصلة حياتها في الخارج.

تكمن أهمية الرواية في أنها نقلت وجهات نظر بعض النساء في المجتمع عن الجنس والعلاقات الجنسية، وأنها لم تدن من سعت وراء اللذة الجسدية البحتة حتى وهي تخون صديقة لها، ولم تغرق في جعلها تشعر بالذنب أو الخطيئة، وإنما جعلتها تفكر بعقلانية في أفعالها ومغزاها، كما نقلت وجهة نظر من تسعى وراء الحب والإشباع العاطفي، كما رصدت الرواية طريقة تعامل  بعض الذكور مع النساء في مجتمع يحكمه الذكور، وكيف أن الرجال كانوا يتسمون بالأنانية والجهل، وتعمد تجاهل رغبات النساء الطبيعية والمشروعة في الحصول على لذة جسدية، مما أدى بشكل مباشر إلى البحث عنها بطرق يراها المجتمع خطيئة كبرى، وتراها النساء كذلك أيضا، لتقع بعض النساء في شبكة علاقات سرية محرمة وموصومة تجعلها تحتقر نفسها أو على الأقل تشعر بالذنب تجاه أولادها وأهلها. أيضا يحسب للرواية أنها لم تنظر حول الخطأ والصواب، وإنما نقلت الواقع كما هو.

الكاتب..

سعد سعيد، كاتب عراقي، ولد في مدينة خانقين التابعة إلى محافظة ديالى شمال شرقي بغداد، وأكمل دراسته الابتدائية فيها. انتقل عام 1971 إلى بغداد العاصمة حيث أنهى دراسته المتوسطة والإعدادية فيها. درس في كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية التي تخرج فيها عام 1978 ليبدأ خدمته العسكرية الإلزامية التي تسرح منها في عام 1980 ولكن قيام الحرب العراقية الإيرانية أرغمه على العودة إلى الجيش لأداء خدمة الاحتياط التي استمرت حتى بدايات عام 1989، حين تسرح وبدأ بالانخراط في العمل الحر. كان حلم الكتابة يراودنه منذ طفولته التي قضاها قارئا مفضلا إياها على ألعاب الطفولة في الأزقة، وفي عام 2000 توفرت الظروف التي جعلته يعود إلى حلمه القديم فكتب روايته الأولى “الدومينو”. اندفع بعدها في ممارسات كتابية شملت تأليف حلقات إذاعية، وقصص أطفال وسيناريوهات أفلام تسجيلية.

رواياته:

  • “الدومينو”، 2007.
  • “قال الأفعوان”، 2009.
  • “يا حادي العيس”، 2010.
  • “فيرجوالية”، 2012.
  • “ثلاث عشرة ليلة وليلة”، 2013.
  • “هسيس اليمام”، 2015.

النتاجات الأخرى:

“كواليس القيامة” (مجموعة قصصية)، 2008.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة