23 ديسمبر، 2024 10:19 م

تداخل لغة القص ولغة الحلم قصة ( آخر الغربان ) لكاظم الاحمدي انموذجا

تداخل لغة القص ولغة الحلم قصة ( آخر الغربان ) لكاظم الاحمدي انموذجا

لعل هذه اول قصة ( على حد علمي المتواضع ) تستطيع ان تضعنا بمواجهة التداخل الحاصل بين لغة الحلم ولغة القص بنحو قصصي , اذ ان من الصعب ان نتصور وجود تداخل بين الامرين , فأما ان يكون المتلقي في داخل عالم القصة , او لا يكون  , بيد ان براعة القاص في توليف الفكرة الاساسية هي سمة الابداع الغالبة في هذا المنحى في اقل تقدير . تبدأ القصة بأنقطاع الكلام واللاقدرة على تذكر الحلم . هذه الجملة لا تزودنا بالكثير مما نحن بحاجة اليه في بنية ذلك التداخل  , اذ يشعر المتلقي منذ الوهلة الاولى بغرابة الموضوع على الرغم من بداهة الجملة . فالحلم يبدأ من حيث يكف الوعي , والوعي يقرره الكلام . هنا ( اشارة التتابع ) مقطوعة منذ البداية , واظن ان القاص متعمد في هذا المنحى لأنه لا يريد ان يقدم لنا الحدث بنحو مسبق , او ان يدخلنا في جو القصة العام منذ البداية , غير انه يدفعنا بأتجاه التحرر من قيد الزمن الفلكي الذي نحن فيه بواسطة ضخ مجموعة من الافتراضات من اجل ان يقول لنا ان عالم القصة ليس مما هو في عالمنا بيد انه – في الوقت نفسه –  مطابق للحياة في شموليتها , أي ان المدلول الذي نبحث عنه في القص ابعد مما هو في اليقظة واقرب مما هو في الحلم .تبدأ القصة بالدال اللساني ربما وهو حرف خافض يختص بالنكرة وتدخل عليه ما   ليدخل على الفعل . هنا حصلنا – منذ البداية – على مسألتين مهمتين  هما :
1- ان الحدث الحاصل حدث غير معروف – في الاقل – لنا كمتلقين
2- دخول ربما على الفعل حدث يعني لا ثبات الفعل , او الحدث , فالفعل يميل دائما الى الحركة واللاسكون .
يتشكل مما سبق في وعينا كمتلقين وجود علاقة متأرجحة بين صيغة الحدث وزمنها وهذا ما يقودنا الى ان الاحداث العقلية غير مكتسبة الا ان ما يمكن ان يجسدها هو التلميح على ان القضية برمتها , قضية عطب في العقل ( هل الخلل في ذهني , صارت تفلت منه كل الاحلام الليلية ) القصة . ان القاص قد أكد – في البداية – على توالي الجمل اكثر من توكيده على تعاقبها بسبب من وجود خلل من دون علم الوعي اللاارادي الذي هو وعي مكثف ومصدر اولي يمنعنا من كشف ( المركز ) منذ الوهلة الاولى لدفعنا – كمتلقين – بأتجاه المركز للكشف عن حقيقة الامر . فعملية طمر الحقيقة  بداية بواسطة الحرف الخافض ربما هو الذي يدفعنا ويدفع السارد الى طرح افتراضات لما حصل والمتمثل في سؤال السارد هل الخلل في ذهني ؟ . ان ما سبق يقودنا الى استنتاج واحد هو ان الرجل لا يستطيع التفوه بما يجري في داخله بدليل ان السارد لم يزودنا بجواب عن السؤال آنفا  الا انه انتقل فجأة الى الصراخ بوجه الزوجة . هنا المعلومة منتقاة بدقة ومركزة بدرجة عالية , وقد تضعنا ازاء ما يسنتج عنها , الا ان القاص يعود ليداخل زمن القص مع زمن الحلم في مستويين متداخلين ( قلت كمن ينهي معركة او ينهي قصة طويلة ) القصة .اذن انهاء المعركة غير انهاء القصة , فالاولى بحاجة الى ما هو مادي لكن الثانية بحاجة الى ما هو مجرد لكن اجتمتعهما في جملة واحدة يولد عندنا استجابتين احداهما وجدانية والاخرى ادراكية . نعود الى الواقعة – مرة اخرى –  التي صاغها القاص في ضوؤ واقعة ثانية ( اضافة ابعاد غراب آخر : حكيم , كاهن , منبىء , حذر لكنه قرين الغربة والغرابة القصة . اذن صياغة الواقعة جاءت مرة من الحلم الواعي ومرة من الوعي الحالم , ولهذا يتبادل السارد والغراب الامكنة والازمنة , والفضاءات والنثيالات ثم يتداخلا في التعبير عن الارادة الانسانية . هنا , تلعب الذاكرة دورا مهما , فهي مصدر للحلم من جهة , ومصدر لمعلومات السارد من جهة اخلاى في ضوء المرتسم الاتي :
رؤية جمع اشتات            رؤية ليلية               سرد للرؤى
ان الفعل الثاني الذي يعقب الرؤية هو الذي يدفع الشخصية للبحث عن نمط اخر من السرد خارج واقعه الذي يعيش به وفيه , والسارد – ايضا – لا يتمكن من رؤية الوجه الاخر زوجته الا بواسطة ذاكرته , فهو يستحضر الوجه الغائب الذي ينام في مخيلته ليسقطه على الوجه الموجود فعليا , وغياب مثل هذا الوعي والوصف كما هو في حقيقته لا يلغي حضوره في آن واحد حتى لو كان هذا الافتراض حاصلا على ارض الواقع الا انه يتعزز بواسطة الرؤى , بل ان هذا الخيال الجامح الذي يشؤئب من عمق الذاكرة هو الذي يحفز السارد للبحث عن ادوات قديمة واستذكارات مهمة . فالشخصية الحقيقفية للزوجة لا يسلط عليها الضوء الا من خلال التراكم الحلمي , فكلما انحسر انحسر الحلم انحسرت الذكريات , ومن ثم انحسر الحديث عنها وعن كل ما يحيط بها في زمن القص , فتحكم السارد بالنشاطات الخارجية بوعيه الداخلي وعكسها على ما يراه , ويحلم به هو سر اللعبة القصصية وبراعة تقديمها على النحو الذي هي عليه . فأمتلاء الانسان بالحلم لا يعني انه غير يقظ, اذ ان الاحلام تولَد لنا مثل هذه الصلة , فعالم اللاوعي يستدرج اليه البطل بواسطة مقترب الواقع العاطفي الذي تمليه الوزجة , وهذا ما يؤكد عليه ( كيركيغارد ) بقوله : الاستنتاجات النابعة من الميول العاطفية  هي الامر الوحيد الجدير بالايمان ) . من هنا تتمركز معاني القصة ودلالاتها في عمليتي البوح والكتمان , فكلما انخفض الصوت عادت الذاكرة لتستجمع شتاتها , ويأتي الشتات بقوة ليدفع الكلام من من اعلى منطقة فيه صوت اللسان الكلام ليدلق معلوماته الذاكراتية على الزوجة المنصتة لفعاليات الحلم والمشاركة في فعاليات القص الوجود , فالعملية تنحصر كالاتي :
الرجل ….. الزوجة ( الماضي ) الزوجة الحاضر
حلم      +     قص
ان التحام هذه الاطراف التي تكوَن القيمة الرئيسة لفهم التماسك والفصل بين الحلم والقص في ضوء الاحتمال الذي يتداخل فيه العاملان آنفا , اما نقطة التحول بين الحلم واليقظة فيجسدها الغراب الذي يقع في منطقة متوسطة بين الاسطورة والواقع في المرتسم الاتي
القص الحقيقي
الحلم
علاقة بين الذاكراتي والحقيقة
القص الذاكراتي
القصةبناء جديد
اذن عملية القص تبدأ من هملية الحلم نفسها , بمعنى من عمق الذاكراتي , ثم يعاد بناء هيكانه على ارض الواقع لأن الذاكراتي فيما هو متعلق بالحلم غير موجود في ذهن السارد حيال الزوجة , لذلك نجد ان النص ينحو منحى دقيقا في التركيز على عمليتي القص والحلم من دون ادخال ما يضعف العمليتين في تحصيل الحاصل الفعلي على القصة كمنجز ابداعي , وفي هذا يكمن ابداع القاص , فما لم نعرفه من المتخيل بواسطة الحلم اصبح معلنا , وما يمكن ان نستنتجه من القص قد يكون مدفوعا بأتجاه ما هو مثالي على الرغم من ان ذلك كله محصور بين الرجل وزوجه . فالتوكيد والحرص على الصوت الذابل   هو حرص على ابقاء التواصل والمواصلة بين ما يجري في الحلم وما يجري على ارض الواقع ( صباحات وانا اضع وهج الدهشة الملون بأشكاله وتماثيله وطيوره …. ) القصة . هذا هو التوكيد على نقل الزمن من صيغة الحلم الى صيغة القص من دون ان يفقد حلميته الواعية ( اذ بدت لي السنوات العشرون حصيلتها ثلاثة اولاد  ) القصة ص97 . يستعمل القاص – هنا –  الصورة الخلفية ويعكسها على منطقة السرد , وهذا خاضع بطبيعته لمنطقة اللاوعي من اجل احداث انحراف في سيرورة السرد ( او كان بمقدورها ان تبيض رقما او رقمين اضافيين ) القصة . هذا هو رد الفعل على الواقع داخل عملية القص , بمعنى الانتقال من حالة القلق الى حالة الهدوء الساكن  , واستمرار الحياة على الرغم من مفرداتها التي لا تساعد على الانجاب ( انتقال من الحلم الى مشهد القص ) لا حاجة للمرء ان ينام في الهواء الطلق ما دام لديه مفردات تمكنه من الحصول على ادنى رقم من ارقام المغفلين القصة ص97 .
ينزع الكلام نزوعا يحمل الالم ويفضي الى حقائق واقعية هي جزء من عملية القص التي هي الوجه الاخر للحلم الجماعي الباحث عن تغيير مثل هذه الواقعات الحياتية , فأمنيات الحلم المنخفضة ( مدفوعة بالرغبة لتلاقي رفض العقل ورفض المجتمع وجبرية الواقعي ) , لكن ليس بالامكان ان تحيل الخيال الى قضية تحكمها الحقيقة الا  ان هنالك قصص خيال تعد حقيقة .