خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في أول زيارة من نوعها، منذ بدء الأزمة السورية عام 2011، وصفها البعض بغير الدبلوماسية والبعض الآخر وصفها بالمذلة بسبب غياب العلم السوري عنها، التقى الرئيس السوري، “بشار الأسد”، الاثنين الماضي، بالمرشد الإيراني الأعلى، “علي خامنئي”، والرئيس، “حسن روحاني”، في “طهران”، حيث كانت آخر زيارة له عام 2010.
حضر قائد (فيلق القدس)، بـ (الحرس الثوري) الإيراني، اللواء “قاسم سليماني”، الذي كان يقود العمليات الإيرانية في “سوريا”، لقاءات “الأسد” مع “خامنئي” و”روحاني”، بحسب ما ذكرته وكالة أنباء (تسنيم) الإيرانية المقربة من (الحرس الثوري)، بينما غاب عنها، “جواد ظريف”، الذي أعلن، مساء الاثنين، استقالته من منصب “وزير الخارجية الإيرانية”.
أثناء اجتماعه مع “خامنئي”؛ هنأ “الأسد” الإيرانيين بمناسبة الذكرى الأربعين لـ”الثورة الإسلامية” الإيرانية.
وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية؛ بأنه جرى بحث “علاقات الأخوة الراسخة التي تجمع شعبي البلدين، والتأكيد على أن هذه العلاقات كانت العامل الرئيس في صمود سوريا وإيران، في وجه مخططات الدول المعادية التي تسعى إلى إضعاف البلدين وزعزعة استقرارهما ونشر الفوضى في المنطقة ككل”.
من جانبه؛ قال “خامنئي” إن “إيران” تفخر بمساعدتها لـ”سوريا” و”محور المقاومة” في المنطقة، مضيفًا: “لقد أثبتم سيادة الرئيس بصمودكم أنكم قد تحولتم إلى بطل العالم العربي، ولقد أكتسبت المقاومة المزيد من القوة وحفظ ماء الوجه من خلالكم”، بحسب ما جاء على موقع المرشد الإيراني.
معتبرًا أن: “العلاقات الدينية بين إيران وسوريا تحتاج إلى تقوية وتطوير”. وقال إن: “إيران وسوريا يشكل كل منهما عمقًا إستراتيجيًا للآخر، وهوية وقوة تيار المقاومة مرتبطتان بهذا التواصل المتواصل والإستراتيجي، وبناء على هذا لن يستطيع الأعداء تنفيذ مخططاتهم”.
وأضاف: “لقد استطاعت سوريا بصمودها وتضامن شعبها التصدي للتحالف الكبير الذي ضم أميركا، وأوروبا وحلفائهم في المنطقة والخروج من هذه الأحداث منتصرة”.
في غضون ذلك؛ أكد الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، أن إيران “كانت على الدوام، ولا تزال، واقفة إلى جانب الشعب والحكومة السورية، في مسار محاربة الإرهاب، ولم تدخر جهدًا في هذا الصدد”، مضيفًا أن إيران “ستبقى إلى جانب دمشق في مسار تحقيق الاستقرار وعودة النازحين السوريين ومتابعة العملية السياسية”.
للتأكيد على العمل المشترك بينهما..
الزيارة وتوقيتها أثارت العديد من التساؤلات؛ فعن دلالاتها وأهدافها، يقول وزير الخارجية اللبناني السابق، “عدنان منصور”، إن هذه الزيارة تأتي بعد ثماني سنوات من اندلاع الأزمة في “سوريا”، وتأتي لتؤكد حرص “سوريا” و”إيران” على العمل المشترك بينهما، ولا ننسى ما قاله مرشد الثورة الإيرانية، الإمام “علي خامنئي”، للرئيس السوري، “بشار الأسد”، من أن “سوريا” و”إيران” هما في “جبهة إستراتيجية مشتركة”، وأن الأمن القومي لـ”إيران” لا ينفك عن الأمن القومي السوري، والعكس بالعكس.
موضحًا أنها تأتي لتطوي صفحة مما جرى في “سوريا”، خلال 8 سنوات، لتؤكد على انتصار “سوريا” وعلى دحرها للإرهاب، وإن كان هناك بعض الجيوب الإرهابية في عدة مناطق سورية.
ويتابع “منصور” قائلًا: “سوريا في المستقبل القريب أمام تحديات عديدة، ولا بد من إيجاد قاعدة صلبة وعمل مشترك ما بين إيران وبين سوريا وروسيا. لذلك زيارة الرئيس الأسد جاءت لتؤكد على هذه الحقيقة، ولتؤكد على تعزيز أواصر العلاقات الإستراتيجية المتجذرة بين سوريا وإيران”.
مفصلية في توقيتها..
بدوره يقول المحلل السياسي، “محمد غروي”: “جاءت هذه الزيارة في سياق العلاقات المتطورة بين روسيا وإيران، الشركاء والحلفاء والأخوة، وهذه الزيارة مفصلية في توقيتها، وخاصة أننا نشهد عدة أمور، أولها الخروج الأميركي المذل من المنطقة، لأن من حارب الإرهاب في الواقع هو الشعب السوري والجيش السوري والحلفاء وهم من استطاعوا هزيمة الإرهاب، ثانيًا جاءت هذه الزيارة في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية، وهناك موضوع هرولة الدول الخليجية نحو سوريا وفتح سفاراتها، وهم يريدون من خلال ذلك أن يستدير الرئيس بشار الأسد إستدارة كاملة نحو الدول الخليجية، وهذه الزيارة بددت كل الأفكار التي كانت تطرح، حيث أن الرئيس بشار الأسد عاد إلى وطنه وإلى حضنه المقاوم، والجميع يعرف أن طهران ودمشق هما عاصمتا محور المقاومة في هذا الإطار”.
إعلان لانتصار محور المقاومة..
المستشار في مجلس رئاسة الوزراء في الجمهورية العربية السورية، “عبدالقادر عزوز”، رأى أن الزيارة تُعبر عن عمق العلاقة الإستراتيجية التي تربط بين البلدين الحليفين منذ العام 1979 ـ والتي تبلورت من خلال الرؤية المشتركة والسعي لبناء نظام إقليمي مقاوم لمواجهة مخططات الغرب الاستعماري، وتحولت هذه العلاقة بفعل التحديات والظروف الإقليمية والدولية إلى تحالف إستراتيجي.
مضيفًا أن: “العلاقات بين دمشق وطهران هي حيوية، وأنها ليست موجهة ضد أحد، وتأتي في إطار إحلال الأمن والسلم الدولي، والتأكيد على المصالح المشتركة للعلاقات بين البلدين”.
ولفت المستشار السوري، إلى أن الرئيس الأسد “حسم كل التأويلات في العام 2018، عندما قال أن العلاقات “السورية-الإيرانية” مرتبطة بحاضر المنطقة ومستقبلها، ولم يقم أحد من أطرافها بطرحها للبازار السياسي الدولي، حتى تكون خاضعة للمساومة.
وأشار رئيس تيار (صرخة وطن)، “جهاد ذبيان”، إلى أن زيارة الرئيس السوري، “بشار الأسد”، إلى “الجمهورية الإسلامية” في “إيران”، ولقائه السيد، “علي الخامنئي”، تحمل في مضمونها إشارات بالغة الأهمية، ومن حيث التوقيت فإن هذه الزيارة هي إعلان انتصار “محور المقاومة” على المخطط “الأميركي-الإسرائيلي”، الذي كان يستهدف “سوريا” والمنطقة وكامل المحور الممانع المقاوم للسياسة الأميركية.
واعتبر “ذبيان”، في بيان، أن أولى معالم هزيمة المشروع الإرهابي يتمثل بالانسحاب الأميركي من “سوريا” بعد فشل إقامة المناطقة العازلة، كما أن المشروع التركي الاستعماري في “سوريا” سيكون مصيره الفشل، ما يعني انتصار للدولة السورية وبسط سيطرتها على كامل التراب السوري، بعد هذا الصمود والذي يتوج اليوم بإسقاط كافة المشاريع والمخططات التقسيمية.
لافتًا إلى أن سقوط ما يسمى بـ”صفقة القرن” هو إحدى نتائج الإنتصار الذي حققه “محور المقاومة”، في “سوريا”، والمنطقة ككل، حيث تم القضاء على المشروع الإرهابي لصالح مشروع المقاومة في “فلسطين” الأولى و”لبنان”؛ وكذلك في “الجولان” السوري المحتل.
يؤدي إلى نمو المتطرفين..
فيما قال مسؤول في “وزارة الخارجية الأميركية”؛ إن إيران “تواصل دعم نظام بشار الأسد الوحشي؛ وتطيل أمد الصراع الذي أدى إلى مقتل حوالي نصف مليون سوري وهجر الملايين”.
وأضاف أن إيران “تدعم نظام الأسد حتى عندما يرتكب الأعمال الوحشية ضد شعبه واستخدام الأسلحة الكيميائية”.
وأشار المسؤول الأميركي إلى أن: “إيران تقدم الأسلحة والمال والتدريب وتدخل مقاتلين أجانب إلى سوريا وأرسلت أعضاء من الحرس الثوري الإيراني ليشاركوا بشكل مباشر في العمليات العسكرية”.
مؤكدًا على أن الدعم الذي تلقاه “نظام الأسد”، وما يزال، من إيران “جعله يتجنب السعي إلى نهاية بناءة ومتفاوض عليها للنزاع”.
وأوضح أن “إيران بدلًا من أن تساعد الشعب السوري على التوحد ضد التطرف و(داعش)، فإنها تواصل دعم نظام يعامل الشعب السوري بوحشية”.
وحذر من أن الأمر يؤدي “فقط إلى نمو المتطرفين، الذين سمح لهم نظام الأسد ولـ (داعش) وآخرين بالإزدهار داخل سوريا وتوسيع انتشارهم”.
شكر لطهران..
وبحسب ما تقول مصادر دبلوماسية لموقع (المركزية)؛ فإن لزيارة “الأسد”، لـ”إيران”، هدفين أساسيين.. الأول، شكر “طهران” على مساعدة النظام السوري في الصمود في وجه الانتفاضة التي قامت ضده عام 2011، حيث شكّلت “إيران” منذ ذلك التاريخ، الداعم الإقليمي الرئيس لـ”دمشق”، وقد ساهم تدخّلها مع الفصائل التابعة لها وأبرزها، “حزب الله”، في النزاع السوري، في ترجيح موازين القوى لصالح النظام على جبهات عدة.
وهنا؛ أراد “الأسد” الطلب، من “إيران”، إكمال “جميلها” في المرحلة المقبلة، هذه المرة عبر المشاركة بقوة في ورشة “إعادة إعمار سوريا” عبر تكثيف استثماراتها ومشاريعها في الورشة المنتظرة، (إنطلاقًا من اتفاق التعاون الاقتصادي “الطويل الأمد”، الذي وقع بين البلدين منذ أسابيع في دمشق وشمل قطاعات عدة أبرزها النفط والطاقة الكهربائية والزراعة والقطاع المصرفي)، خاصة وأن لا حماسة غربية “أميركية-أوروبية” للبدء بإعادة الإعمار قبل إبرام تسوية سياسية عادلة للحرب السورية.
لإحتواء التوتر “العلوي-الشيعي”..
أما الهدف الثاني؛ فطابعه “مذهبي-ديني”. والحال أن لقاء “الأسد-خامنئي”، يأتي على وقع ارتفاع التوتر بين العلويين والشيعة في “سوريا”، والذي بدأ يتّخذ أشكالًا فاقعة في الأسابيع الماضية. فعلى سبيل المثال، تعرّض عدد من اللبنانيين، خلال رحلتهم إلى “سوريا” لزيارة مقام “السيدة زينب”، لتكسير زجاج نوافذ سياراتهم من قِبل مجهولين. وبحسب المصادر، ثمة “نقمة” بدأت تتكون لدى العلويين ضد الإيرانيين والفصائل التابعة لهم الموجودين في “سوريا”، بسبب ممارسات يرون أنها تذهب في إتجاه “تشييع” سوريا، لا سيما قرب المقامات الشيعية.
ووفق المصادر؛ ثمة أصوات تعلو في البيئة العلوية تسأل عن جدوى تعزيز التقارب مع “إيران” مستقبلًا، بدلًا من توطيد العلاقات مع “موسكو”، ضابطة إيقاع اللعبة السورية كلّها. وقد سعى “الأسد”، في محادثاته مع “خامنئي”، إلى التأكيد على أنه براء من هذه النداءات، وماضٍ قدمًا في خيار ترسيخ علاقاته وتحالفه مع “الجمهورية الإسلامية”.
وبعد؛ فالجدير ذكره، تضيف المصادر، أن الزيارة “الأسدية” لإيران تشكّل رسالة ليس فقط للمحور الآخر في المنطقة، بل أيضًا لـ”أهل” منصة “آستانة”، تريد من خلالها “دمشق” و”طهران” التأكيد على أن تحالفهما ثابت وأن أي جهات خارجية لا يمكن أن تفرض عليهما، مخططاتها. ففيما الأميركيون والروس والأتراك والأوروبيون يعتبرون خروج “إيران” من “سوريا”، أولوية، يقول لهم الأسد وإيران “أفعلوا ما شئتم، القرار في هذا الشأن، يعود إلينا” !
تؤكد بقاء الدعم الإيراني لسوريا..
ويرى “حسن رستمي”، خبير في شؤون غرب آسيا، أن هذه الزيارة تحدث في ظل ظروف حساسة ومهمة للغاية إقليميًا وتحمل رسائل عديدة، أولها أن “إيران” ستستمر بدعم “محور المقاومة”؛ الذي يعتبر “سوريا” جزءًا منه وستبقى إلى جانب الشعب في هذا البلد؛ وسيكون لها مشاركة فعالة في إعادة إعمار هذا البلد بعد إنتهاء الحرب.
والرسالة الثانية موجهة إلى بعض الأنظمة العربية التي أصرت حتى اللحظة الأخيرة على إسقاط النظام السوري عبر الدعم المالي والعسكري للإرهابيين والمعارضين المسلحين ولكن بعد تلك المحاولات التي باءت بالفشل فضلوا السبل السياسية على السبل العسكرية، واليوم يعتزمون إعادة فتح سفاراتهم في سوريا لإخراج سوريا من “الهيمنة الإيرانية” حسب زعمهم، الأمر الذي أشار إليه انور قرقاش وزير الخارجية الاماراتي عقب إعادة فتح سفارة بلاده في دمشق.
كما تحمل هذه الزيارة رسالة مهمة للغاية إلى “الكيان الصهيوني”؛ ومفادها أن “إيران” لن تنسحب بأي شكل من الأشكال من “سوريا”، وسيستمر وجودها لطالما “دمشق” بحاجة إلى تواجد “طهران” في هذا البلد.
هذا الموقف الذي أكد عليه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، “علي شمخاني”، في حوار مع (تسنيم)، وأكد على تلك القضية جيدًا؛ وكانت تصريحاته تحمل رسالة إلى “الكيان الصهيوني”، أن “إيران” ستواصل تواجدها القوي في “سوريا” وإتخذت إجراءات إحترازية خاصة لمواجهة الإعتداءات الصهيونية المحتملة على “سوريا”. حيث قال “شمخاني”، خلال هذا الحوار: “سيكون أسلوب التعاطي مع إعتداءات الكيان الصهيوني على سوريا ومحور المقاومة، في عام 2019، مختلفًا عن أسلوب التعاطي في السابق… جرى القيام بهذا الأمر بالتعاون مع الجيش السوري ومجموع الحلفاء في هذا البلد؛ وسنشهد قريبًا تطورًا مهمًا في مجال تعزيز ردع المقاومة في سوريا”.
كما حملت هذه الزيارة رسالة إلى الدول الغربية مضمونها أن “سوريا” قد تجاوزت مرحلة الحرب وبلغت مرحلة الاستقرار والهدوء، وأنه إذا كانت الدول الغربية تسعى للحفاظ على مصالحها في “سوريا”؛ يجب أن تتخلى عن مؤامراتها التدخلية في هذا البلد والكف عن حياكة المؤامرات ضد هذا البلد، وتشجيع باقي الدول على مواصلة العملية السياسية في هذا البلد. وأن إنشاء المنطقة العازلة، التي تسعى ورائها “أميركا” و”تركيا”، في “سوريا”، هي من ضمن المؤامرات التي أشار إليها قائد “الثورة الاسلامية”، خلال استقباله الرئيس السوري، حيث حذر من تنفيذ هذه المؤامرات الخطيرة.