من المواضيع الحساسة جدا في الوسط السياسي
العراقي هو الحديث عن موضوع العلاقات مع اسرائيل، قد يستغرب البعض فيما لو قلت ان ”علاقة العراق مع اسرائيل قوية جدا“ و ان العراق اليوم اليوم هو في مقدمة الدول العربية المطبعة لقيام دولة الكيان الاسرائيلي بعد ان كان من اشد الدول عداء للكيان الصهيوني. ولبرهنة تلك العلاقة لابد من الخوض في معترك التأريخ قليلا.
اثناء قيام دولة الكيان الصهيوني عام ١٩٤٨ عبرت مملكة العراق عن رفضها لقيام الدولة الاسرائيلية رغم ان العائلة المالكة ورئيس الوزراء كانوا قريبين من السياسة البريطانية التي زرعت بذرة الكيان، وكان بأمكان بريطانيا الضغط على حكومة مملكة العراق للتخفيف من ذاك الرفض العراقي الا ان بريطانيا باركت ذلك سراً لهدف ضمان الامساك بالحبلين، وهذه هي سياسة بريطانيا لا تتمسك بحبل واحد، بل تجمع اكثر من حبل تحسبا لانقطاع حبل ما او لضعف قد يصبه، ثم تبقى تدرس على ذلك الحبل حتى تتأكد من سلامته وتأكدت من ولاء اسرائيل لاحقا، فبريطانيا كانت قلقة بعد ان اطلقت وعد بلفور خوفا من كيد اليهود الذين لا يحبذون كنيسة انكلترا، لذلك توجب على الانكليز الاخذ بالحيطة والحذر من قيام دولة اسرائيل ووضعوا ايديهم على اهم الاجهزة الحكومية في اسرائيل، وبنفس الاسلوب اتبعت بريطانيا مصالحها في العراق فسيطرت على العائلة المالكة ورئيس الوزراء ولها مقبولية لدى رجال الدين -الشيعة على وجه الخصوص- الذين حصلوا فيما بعد على الجنسية البريطانية وأقاموا وأحفادهم في بريطانيا وبقيوا يديرون شؤون الدين عن بعد، وايضا كانت بريطانيا ذات علاقة طيبة مع بعض شيوخ العشائر المؤثرين.
بعد قيام جمهورية العراق عام ١٩٥٨ كان رئيس الجمهورية عبد الكريم قاسم من اشد من نصب العداء لدولة اسرائيل، وهو ايضاً كان مدعوما من الانكليز الذين جندوه لصالحهم اثناء فترة دراسته العسكرية في جامعة سانت هيرست جنوب لندن، حيث عرض عليه السفير البريطاني في بغداد رفع الشعار الاشتراكي والاقتراب من الماركسيين والا يجعل توجهاته مكشوفة كما هو حال اغلب سياسين العالم، واثناء فترة حكمه طبق المبادئ والنظريات الاقتصادية الماركسية والغى الاقطاعية حتى يوهم الجماهير بأنه اشتراكي الفكر والتوجه وهذا ما حصل فعلا، فإلى يومنا هذا يعتبر العراقيون قاسم قائدا بطلا وحاكما عادلا. وبقي قاسم ذو شعار ضد اسرائيل، لكن كشفت مصادر شيوعية عراقية بأن قاسما كان يزاول حرفة تمثيل دور ناصر البروليتاريا (طبقة الفقراء من العمال). وكشف المصدر قائلاً ان قاسما لم يكن عدوا لاسرائيل قط، حتى اطلق سراح بعض الاسرى الاسرائيلين. وأكد ذلك الاعلام المصري.
.
ولما سيطر حزب البعث على زمام الحكم في العراق عام١٩٦٨ ظهر بموقفه الاشد رفضا تجاه اسرائيل وشارك العراق بحربي ١٩٦٧ وحرب ١٩٧٣ لا عجب بذلك فأن حزب البعث العراقي كان منبثقا من حزب البعث السوري الذي عانى بعد قيام دولة الكيان وكتب ميشيل عفلق زعيم حزب البعث ومؤسسه عن البرنامج الفكري الذي يتحتم على الحزب اتخاذه ضد اسرائيل وزعم الى البدء ببرامج مع النشأ الجديد من خلال زرع فكرة الاستعمار الصهيوني ووضعت المؤسسات التعليمية في سوريا والعراق مناهجها المناهضة لأسرائيل حتى وصل صدام حسين الى ناصية الحكم وازاد من تلك البرامج ولم يكتفي بها حتى وجه ضربات جوية على تل ابيب. وصدام حسين هو ايضا قد تم تجنيده من قبل المخابرات البريطانية ام اي فايف خلال الفترة التي ادعى فيها انه يدرس في القاهرة، علما ان القاهرة نفت ذلك قبل سنتين عن لسان احد قادة الجيش المصري المتقاعدين او المطرودين خارج مصر، واشار القائد الى ان صدام حسين في الستينات كان كثير التردد على مصر لدواعي غير معروفة بالضبط وكانت المخابرات المصرية محافظة على زياراته، لم يكتف صدام حسين بفتح خط واحد مع المخابرات الدولية بل اراد ان يصنع له مملكة دائمة فأقترب من المخابرات الروسية فظهرت علاقته مع الروس واضحة بشكل ازعج الامريكيين الذين وضعوا فكرة الحرب على العراق بمباركة ودعم اسرائيلي، حيث عرضت اسرائيل خطة للادارة الامريكية في الثمانينيات فعرضت دور تقديم المعلومات الكفيلة بإسقاط نظام صدام وعرضت ايضا الاسباب والذرائع التي تبرر الحرب الامريكية على العراق. لأن الاسرائيليون اكتشفوا ان العراقيين شديدين العداء لدولة اسرائيل ولا ابالغ عندما اقول كانوا اكثر العرب عداء لاسرائيل واصبح العراق بيت لأيواء الفلسطينين الذين استوطنوا العراق وعاشوا تحت مكرمة صدام بعز، والناس لم يخذلوا صدام حسين وافوا له عهودهم اثناء وجوده في الحكم وبعد رحيله..
وشن الامريكيون حملتهم العسكرية ضد العراق وسيطروا على بغداد بعد ان تم تزويد البنتاغون بمعلومات التحركات العسكرية وتكتيك القوات العراقية، اذ كان بعض الضباط يعملون لصالح الموساد كما يذكر الكاتب الاسرائيلي روني ال شالوم.
بعد احتلال العراق عام ٢٠٠٣ تواجد الاسرائيليون في العراق على شكل قوات تحالف رغم ان الكثير ينكر وجودهم، لكن المعلومات تفيد بأن القوتان المسيطرتان على جنوب العراق وهما القوتان البريطانية والايطالية كانتا مقادتان من جنرالات يهوديون اسرائيليون ثنائيي الجنسية، وكانت القوة التي سيطرت على كربلاء بولندية الجنسية بحجم لواء مدرع بقيادة الجنرال كريستوفر الذي قال خلال تصريح تلفزيوني قبل اربعة سنوات : (واجهنا مشاكل مع جيش المهدي الذي يقوده مقتدى الصدر، وكان بإبمكاني اعتقاله او القضاء عليه بغارة جوية في النجف بمساعدة الفرقة الامريكية الخاصة المتواجدة هناك، لكن التعليمات اصرت على عدم التنفيذ لاسباب غير معروفة) ربما لانه ذو شعبية كبيرة وابن لمرجع ديني كبير فقلقت الادارة الامريكية من نشوب ثورة شعبية ضدهم في وسط وجنوب العراق وهما المنطقتان اللتان تعتبران مركز قبول للأمريكان من قبل سكانها.
عجز الاسرائيليون من السيطرة على العراق عسكريا لما يمتلكه العراقيين من شجاعة وتضحية بالنفس لان مفردة اسرائيل وحدها تتكفل بثورة العراقي لانه انسان تم العمل عليه منذ ستين سنة على العداء لهذا الكيان، والاسرائيليون مصرون على السيطرة على المنطقة باكملها بل حلمهم هو النفوذ من الفرات الى النيل فضلا عن ما لهم من بعد تأريخي في بابل و واور.
بعد عام ٢٠١٠ استبدلت اسرائيل الخطة العسكرية باخرى فكرية، بعد ان اتضح ان العراقيين متسامحين نسبيا مع الأمريكيين فيما لو قورنت بعلاقتهم مع الاسرائيليين. فوضعت الموساد برنامج (التسخيف الخلقي) المتبع منذ سنوات مع عدة دول كان اولها فلسطين ومصر، وهذا البرنامج برع في افساد الاخلاق العراقية فعلا، فأول خطوة توجه بها الاسرائيليون هو التلاعب بالوتر الديني الحساس حيث تم الاتصال بأحزاب سنية في الاردن والسعودية للقيام بزرع الرعب لدى شيعة العراق ثم اخذ اللوبي اليهودي في ايران مسؤولية زرع عناصرها الشيعية في العراق وتم تصدير رجال دين مجهولي التأريخ. واصبحت بغداد مدينة اشباح عام ٢٠٠٦ كما وصفتها صحيفة الكارديان في تقريرها.
استمر العمل ببرنامج التسخيف الذي تديره المخابرات الاسرائيلية منذ عام ٢٠١٠ بعد ادخال وسائل متطورة نعرف منها وسائل التواصل الاجتماعي التي يتم توجيه المواد فيها لضرب الاخلاق الاسلامية الحميدة والتقليل من شأن العرب ونشر فكر الإلحاد، وعملت ايضا بتركيز شديد على نشر فكرة الشذوذ الجنسي، الذي اصبح عادة في العراق وخاصة في المناطق المعروفة بتمسكها الديني والعرفي العشائري. لم تكتفي اسرائيل بأفساد الاخلاق بل ذهبت بعيدا لافساد الفكر، فقامت بتأسيس مراكز ابحاث ومؤسسات مجتمع مدني وشركات وهمية وفضائيات تلفزيونية تعمل كلها بكوادر عراقية وبأدارة مجهولة، ونلاحظ في الفترة الاخيرة ان الامور بدأت تتضح اكثر فأكثر، حيث عودة العلاقات مع دول عربية مطبعة لاسرائيل كالسعودية ومصر والاردن، ونلاحظ ان العلاقة المنقطعة بين العراق والسعودية لاكثر من عقدين عادت وبسرعة غريبة واستمالتا السعودية والاردن قادة وزعماء العراق، فالسعودية تفتح خط جوي وبري مع العراق فضلا عن افتتاحها لمعارض معرفية داخل العاصمة العراقية بغداد كان اخرها قبل ايام حينما تم تعليق صور الملك سلمان داخل قاعات معرض بغداد الدولي للكتاب، فالرياض تكتب اليوم وبغداد تقرأ! يا للعجب. والاردن الاخرى يهديها العراق اموالاً امام الملأ.
سنة العراق مغمى عليهم وهم يعيشون في حالة الفقر المحدق بسبب ما حل بديارهم من حروب صنعتها حليفة العراق الجديدة اسرائيل، اما الشعب الكردي وحكومة كردستان فلا حاجة لنا بالحديث عنهما لأنهم أعلنوا عن تطبيعهم للكيان بصراحة واضحة جدا. اما شيعة العراق فهؤلاء المساكين هم الاكثر سذاجة، فيتفرقوا كجماعات ليحاربوا بعضهم، منهم من يرمي ايران بجمرات العداء واخرون يصفون ايران بزعيمة تشيعهم، والصحيح هو ان ايران اتفقت مع اسرائيل لوضع حلا سلميا لتقاسم صفقة القرن، فاسرائيل لها بعد تأريخي بالعراق، وهي تريد السيطرة على مياه الفرات العذبة، وترغب بضم غرب وشمال العراق الى مستعمراتها من المناطق العربية، وهي تقصد المناطق الغربية اكثر منها الكردية باعتبار سنة العراق هم من يقود حركة الحكومات ظاهرا او باطنا بدءاً بالحكم الأموي ثم العباسي والى يومنا هذا الذي يشبه الحكم العباسي.
ايران طرحت شروطها بالسيطرة على المناطق المقدسة في العراق كالنجف وكربلاء، وايضا تريد حرية التحرك على الجمهور الشيعي جنوب العراق، وتمت الموافقة على ذلك الا ان الصراع قائما حتى الان بخصوص بغداد ولا اظنه سيطول.
مما سبق يظهر ان ثمة علاقة بين العراق واسرائيل تأريخية، ففي سابق الامر كانت العلاقة مع قادة زمام الامور والحكام ورجال الدين الكبار بشكل سري لا يعرفه الشعب، لكن في الوقت الحالي اصبحت العلاقة واضحة كوضوح شمس الضحى بين الكثير من ساسة العراق ورجال الدين، وحتى هذا بحد ذاته لا يقلق، إنما ما يخيف فعلا هو الشعب. فاغلب افراد الشعب العراقي اليوم واخص الشباب بالتحديد يرحب بفكرة التطبيع مع الكيان وجاء ذلك كنتيجة بعد اجراء استبيان على وسائل التواصل، وهم لا يفهمون مفهوم اسرائيل ولا يعرفون ما وراء دولة اسرائيل. والامور تتجه الى معترك خطر في العراق بعد ما اتضحت هذه العلاقة المنمقة.
على العراقيون جميعاً واخص سنة وشيعة العراق ان يفقهوا ما يحاك لهم خلف الكواليس، وليعاودوا مراجعة تأريخ ممثليهم من الساسة ورجال الدين الحديثين، فلا خميس الخنجر ولا الحزب الاسلامي يمثلان سنة العراق ولا التحالف الوطني الشيعي وقادة الحشد الشعبي يمثلا شيعة العراق. على العراقيون البحث في تأريخ هولاء، من اين اتوا ولماذا بهذه الفترة تحديدا؟ ولا تظنوا ان اسرائيل بهذه الدرجة من الغباء عندما اعلنت عن زيارة مسؤولين سنة وشيعة لتل ابيب بل ارادت جس نبض الشارع العراقي،وكانت النتيجة إيجابية. لكن لماذا تم نسيان الامر بهذه السرعة الفيسبوكية؟