خاص : كتبت – نشوى الحفني :
وسط مخاوف من عودة تنظيم (داعش)، لـ”العراق”، مرة أخرى، في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات لضرورة إخراج القوات الأميركية من “العراق” مما أدى لحدوث توتر بين “بغداد” و”واشنطن”، تسلمت السلطات العراقية دفعة ثانية من مسلحي تنظيم (داعش)، الذين ألقت “قوات سوريا الديمقراطية” القبض عليهم خلال المعارك في آخر معقل لهم شرقي “سوريا”.
وقام “التحالف الدولي” بتسليم هؤلاء إلى الجيش العراقي، تحديدًا لـ”الكتيبة 37″ الفرقة التاسعة، وتم نقلهم إلى مقر الإحتجاز مع مسلحين آخرين أستلمتهم السلطات العراقية قبل أيام.
وكانت القوات العراقية قد تسلمت، الأسبوع الماضي، أكثر من 500 عنصر من (داعش) عند الحدود مع “سوريا”.
وكان قيادي بـ”الحشد العشائري” في محافظة “الأنبار”، قد أعلن في وقت سابق، تسلم القوات العراقية 150 داعشيًا من “قوات سوريا الديمقراطية” عبر مناطق “الباغوز” الحدودية.
“قطري العبيدي”، القيادي في “حشد الأنبار العشائري”، قال إن “قيادة عمليات الجزيرة” و”الفرقة السابعة”، في الجيش العراقي، نجحتا في إستلام 150 داعشيًا مطلوبًاً للأمن العراقي.
وبحسب وكالة (رويترز)؛ فإن هذه هي المجموعة الأولى، من عدة دفعات، بموجب اتفاق أبرم لتسليم 502 عنصر بشكل إجمالي.
للتوضيح؛ قال الخبير الأمني، “هشام الهاشمي”، في تغريدة على حسابه في، (تويتر)، إن القوات العراقية تسلمت الدفعة الأولى من المطلوبين، وسيتم نقلهم إلى أماكن إحتجاز خاصة لغرض التحقيق معهم وعرضهم على المحاكم العراقية.
وتُعد قرية “الباغوز”، الواقعة على الحدود العراقية، آخر بقعة تحت سيطرة (داعش) في منطقة “وادي نهر الفرات”، التي أصبحت آخر معقل رئيس للتنظيم في “العراق” و”سوريا” بعد سلسلة من الهزائم في عام 2017.
إستلام عراقيين لإتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم..
وبسبب المخاوف المعلنة من عودة (داعش)، أوضحت خلية الإعلام الأمني في “العراق”، أمس، أسباب تسلم أعضاء من التنظيم الإرهابي والإجراءات المتخذة بحقهم.
وقالت الخلية في بيان، إنه: “من خلال المعارك بين قوات (قسد) و(داعش)؛ اعتقلت قوات (قسد) السورية عددًا كبيرًا من الدواعش داخل سوريا ومن جنسيات متعددة”.
وأضاف البيان أن من بين المعتقلين “عراقيين يقدر عددهم بأكثر من 500 معتقل؛ جرى تسليم 280 منهم حتى الآن إلى وزارة الداخلية”.
وأوضح البيان: “تفاديًا لإطلاق سراحهم من قِبل قوات (قسد)؛ جرى التحرك بسرعة لمنع إطلاق سراح العراقيين والعمل على تسلمهم من قِبل الجهات الأمنية العراقية ليتم إتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم”.
وتابع البيان: “بناءً على ذلك تم تسلم وجبتين منهم؛ وما تزال العملية مستمرة لغاية إكتمال العدد”.
ولفت البيان إلى أن “هذا الإجراء يخص المعتقلين من حملة الجنسية العراقية فقط”.
زعزعة أمن العراق الهش..
في سياق متصل؛ كشف مسؤولون أميركيون وعراقيون لوكالة (أسوشيتدبرس) الأميركية؛ أن مقاتلو تنظيم (داعش) الذين يواجهون خطر الهزيمة من “سوريا”؛ يتسللون عبر الحدود إلى “العراق”، ويقومون بزعزعة أمن البلاد الهش.
وعبر أكثر من 1000 مقاتل من (داعش) الحدود الصحراوية المفتوحة بين البلدين، في الأشهر الستة الماضية، في تحدٍ واضح للعملية الضخمة التي تشنها القوات الأميركية والكُردية و”التحالف الدولي” للقضاء على بقايا تنظيم (داعش) في شرق “سوريا”.
وتحدث المسؤولون – الأميركيون والعراقيّون – شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، لأنهم لم يكن مصرح لهم بالتعليق علانية على الأمور الاستخباراتية، لكن دلائل إتساع نطاق وصول تنظيم (داعش) في “العراق” واضحة.
وقالت الوكالة الأميركية؛ في تقرير لها، الجمعة الماضي، إن خلايا التنظيم التي تعمل في أربع مقاطعات شمالية تقوم بعمليات خطف واغتيالات ونصب كمائن على جانب الطريق، بهدف تخويف السكان المحليين واستعادة طرق التمويل التي تمكن التنظيم من خلالها قبل ست سنوات.
يؤكد وجوده في العراق بسبب الضغط عليه في سوريا..
اللواء “يحيى رسول”، المتحدث باسم “الجيش العراقي”، قال: “يحاول (داعش) تأكيد وجوده في العراق، بسبب الضغط الذي تتعرض له في سوريا”.
وبحسب مسؤول في المخابرات؛ فإنه يمكن إحصاء ما يقرب من 5000 إلى 7000 داعشي في “العراق”، يختبئون في المنطقة الوعرة من المناطق النائية.
يستخدمون الأنفاق..
وتقول الوكالة الأميركية؛ إن “الجيش العراقي” نشر أكثر من 20000 جندي لحماية الحدود، ولكن أفراد التنظيم يتسللون عبر أنفاق أو تحت جنح الظلام، بينما يدخل آخرون “العراق” بصفتهم رعاة غنم.
وبحسب تقارير الاستخبارات؛ يجلب مقاتلو التنظيم معهم النقود والأسلحة الخفيفة، ويقومون بإستخراج الأسلحة والأموال التي خبأوها أثناء تحكمهم في مناطق واسعة من شمال “العراق”.
ويضيف “رسول”؛ لو نشرنا أعظم جيش في العالم، لن يكون قادرًا على السيطرة على هذه المنطقة، حيث تتطلب العملية جمع معلومات استخباراتية وضربات جوية.
9 هجمات خلال كانون ثان..
وعلى الرغم من إعلان طرد تنظيم (داعش) من “العراق”، إلا أن العديد يخشى من عودته مرة أخرى، خاصة أنه يشن تمردًا محدودًا في المناطق الريفية.
وتقول (أسوشيتدبرس) إنها استطاعت التأكد من 9 هجمات للتنظيم، في شهر كانون ثان/يناير 2019 فقط، وذلك استنادًا إلى المعلومات التي تم جمعها من مسؤولي الاستخبارات وزعماء المقاطعات ووسائل التواصل الاجتماعي. وغالبًا ما يفتخر (داعش) بأنشطته من خلال تطبيقات مثل (تيليغرام).
وفي إحدى تلك الحالات؛ أقتحمت عصابة من (داعش) منزل رجل اتهموه بأنه مخبر للجيش، وقتلوه هو وأخويه ونشروا صورًا لعملية القتل على وسائل التواصل الاجتماعي، ويقول الشيخ “محمد نوري”، وهو زعيم عشائري محلي، إن تلك العملية كان الهدف منها ترويع السكان المحليين ومنعهم من تبادل المعلومات الاستخبارية مع مسؤولي الأمن.
وفي حالة أخرى؛ قتلت خلايا (داعش) قادة القرى ومسؤولي البلديات، وهاجموا نقاط التفتيش الريفية بسيارات ملغومة وقذائف (الهاون). وفي بلدة “الشرقاط” بوسط “العراق”، أوقف المسلحون سيارة تابعة للشرطة، الشهر الماضي، وقتلوا جميع الضباط الأربعة الذين كانوا بداخلها.
وتهدف أنشطة أخرى للتنظيم إلى استعادة القدرات المالية للمجموعة.
وفي بداية الأسبوع الماضي، أختطف مسلحون مجموعة من 12 صيادًا في محافظة “الأنبار” الغربية، وهو ما يمثل عودة إلى إستراتيجية تخويف وإبتزاز المزارعين والتجار لتحقيق مكاسب مالية، حسبما تذكر الوكالة الأميركية.
وأختفى صيادون آخرون في الريف، بحسب ما ذكره عضو المجلس القبلي في الأنبار، “جابر الجابري”، الذي قال إن المسلحين يأخذون تخفيضات من الصيادين في مقابل الوصول إلى الأرض وخطف أو قتل أولئك الذين يرفضون التعاون، مشيرًا إلى أن هذا أحد مصادر تمويلهم.
محذرًا من المبالغة في تقدير تهديد (داعش)، قائلاً: “المتشددين أصبحوا أقل نجاحًا في التغلغل داخل المجتمعات المحلية عما كانوا عليه في وقت سابق”.
مظالم ظهور “داعش” في 2013 مازالت قائمة..
“هانز غاكوب شيندلر”، المستشار السابق لـ”مجلس الأمن الدولي” بشأن (داعش) وغيره من الجماعات المتطرفة، قال إن المظالم نفسها التي أدت إلى ظهور (داعش)، في عام 2013، لا تزال قائمة اليوم، بما في ذلك الأقلية السُنية الكبيرة التي تشعر بأنها مهمشة سياسيًا واقتصاديًا من قِبل الحكومة المركزية التي يقودها الشيعة.
معربًا، عن خوفه “من تكرار التاريخ”، وقال إنه رأى تنظيم (داعش) “يعود إلى النوع القديم” من “الهجمات الإرهابية التقليدية”، والخطف من أجل الحصول على فدية، وهي تكتيكات استخدمها تنظيم (القاعدة) على نطاق واسع في “العراق”.
يُشكل ضغطًا اقتصاديًا على العراق..
وفيما إذا كان نقل عناصر (داعش) للأراضي العراقية يُشكل تهديدًا أمنيًا جديدًا على “العراق”، يقول الخبير العسكري والإستراتيجي، الدكتور “أمير الساعدي”؛ أن: “هناك حسابات قد تكون قريبة من الناحية الأمنية، وأخرى إستراتيجية تفرض على العراق ولا يستطيع رفضها، وإستلام هؤلاء الإرهابيين سوف يشكل ضاغطًا اقتصاديًا على العراق، بسبب ضرورة إسكانهم بمخيمات ومعسكرات لعوائلهم، وكذلك إيجاد سجون وحراسات”.
وأضاف أن: “الأمر الآخر؛ هو التسبب بخلق قلق للوضع الأمني، حيث يوجد الكثير من عناصر التنظيم في السجون العراقية، وإضافة هؤلاء “الدواعش” يمكن أن يُثقل الأداء الأمني للأجهزة الأمنية العراقية، ولا يريد العراقيون إعادة تجربة الفرار العظيم لعناصر التنظيم من سجني أبو غريب والتاجي”.
واستطرد قائلًا: “أما من الناحية الإستراتيجية، فإن العراق تحت مظلة الضغوط الأميركية، ولا يستطيع أن يتخطى تهديدات الرئيس ترامب لشركائه الأوروبيين بضرورة إستلام الإرهابيين، وإلا سوف يقوم بإطلاق سراحهم، وبالتالي فإن هذا الموضوع سوف يشكل ضغطًا على الحكومة العراقية، فمن باب أولى لها أن تستلمهم، مع العلم إن قوات (قسد) نفت قيامها بتسليم العراق أي إرهابي”.
العراق أصبح محطة..
وأوضح “الساعدي”: “العراق يُعد نقطة مراقبة ومتابعة مهمة جدًا للتنظيمات الإرهابية، لأن الكثير من المعلومات الاستخبارية الإستباقية قد تم أعطائها للأوربيين عن نشاطات إرهابية للتنظيم كان يقوم بتنفيذها في أوروبا، وسبق للعراق وقام بعمليات خارج حدوده، في سوريا وتركيا والأردن، كون العراق يُشكل قاعدة الإحتواء للجماعات الإرهابية، فالعراق أصبح محطة، سواءً وافق أم لا، للملاحقة وللمتابعة وكخزين معلوماتي ومخابراتي لهذه الجماعات المتطرفة، يمكن للتحالف الدولي أن يستفيد منها، لهذا ينبغي للتحالف الدولي أن يكون الضامن لهذا الجهد الكبير الذي يقدمه العراق بالنيابة عن العالم”.